بأي حق تستبيحون رمز وطنيتنا

آلان حمو

ناضل الكورد في سورية على مر عقود ضد الاجراء الشوفيني الجائر المطبق بحقهم، ذاك الاجراء المشئوم الذي حرم الكورد السوريين من ابسط حقوق المواطنة وأصغر صك لوجوده على ارضه التاريخية، ذلك الاحصاء الاستثنائي عام 1962 الذي جرد 120 ألف كوردي في محافظة الحسكة من الجنسية السورية لانتمائهم القومي، ليأخذ الصراع الكوردي مع السلطة السورية القائمة على اساس عنصري منحى أخر ويصبغ النضال الكوردي بشكل عام بذاك الاجحاف الممارس بحقه، كان طلب الحصول على البطاقة الشخصية في مقدمة الطلبات السياسية للأحزاب الكوردية في تلك المرحلة، وحتى وصف النضال الكوردي من قبل بعض المراقبين بأنه نضال من أجل نيل حق المواطنة، والمتمثلة في تلك البطاقة الشخصية (هوية)، وذلك نتيجة النضال المستميت من قبل الكورد في الحصول على تلك البطاقة .
لا تشكل البطاقة الشخصية (الهوية) في الخارطة الفكرية الكوردية سوى حالة رمزية لنضاله في المراحل الماضية، واثباتاً بأنه مضطهد بسبب صفته القومية، وتذكيراً له بأنه في دولة تستبد بالكورد مالم يحافظ هو على هويته الكوردية والمتمثلة في شخصه ككل، إذاً لتلك البطاقة قدسية تاريخيا يحال أن تزال من فكره، وهو الذي عانى منها ولأجلها.

وفي أول قطاف مبكر لثمار الثورة السورية المباركة حصل الكوردي على بطاقته الشخصية .
في هذه المرحلة التي بدى التنميق والتضخيم القومي الملازم للخطاب السياسي المحزب  لطمس قدر الإمكان الروح الكوردية الوطنية السورية، مبرراً بذلك تقصيره السياسي الوطني أو توافقاً مع وجهته السياسية الاقليمية، تظهر في هذه المرحلة فعل لا يستطيع المرء تسميته إلا استخفافاً وطمساً لروح وطنية الكوردي السوري، في حين يكون الفاعل في ذروة الانفتاح الوطني والداعي له.

والعمل هو أن اللاجئين والزائرين إلى اقليم كوردستان العراق وبعد عودتهم تقوم الاطراف الكوردية المسئولة عن حماية الحدود من قبل اقليم كوردستان وبكل ثقة بثقب البطاقات الشخصية (ثقبين) بدون أي مبالاة أو تبريراً لفعلتهم هذه.

وهنا لا استطيع سوى أن ابرر فعلتهم هذه لسببين :
السبب الاول: وهو أن الكورد السوريين غير مرحب بهم في الاقليم، وهذا التصرف ما هو إلا استفزازاً لهم، عن طريق تلك البطاقة التي عانوا الكثير من أجل امتلاكها وبذلك يكون تصغيراً لمرحلة كاملة من النضال .
السبب الثاني: وهي أن الحكومة الكردية في العراق تعلن بهذا التصرف بأنها لم تعد تعترف بالنظام السوري الحالي، ولكن أتسأل: ألم يجدوا سوى هذه الطريقة في التعبير عن موقفهم؟، ولو كان ذلك نافعاً لكان السوريين احرقوا ومزقوا بطاقاتهم الشخصية وفي مقدمتهم الكورد ليسقطوا النظام من دون كل هذه التكاليف الدموية .
لم تفعل اي حكومة من حكومات دول الجوار هذا الفعل الارعن، وأنا الآن لا انظر إلى الفعل في منظوره القانوني الدولي، بل في منظوره السياسي وعلاقة الاقليم الكوردي مع الطرف الكوردي السوري، فاختزال الشخصية الكوردية السورية في الصفة القومية فقط ما هو إلا تصغيراً لحجمه السياسي، ونحن في مرحلة تتطلب تآلف وطني لتأمين الحقوق، قد يكون تأمين الحقوق بمفتاحها القومي ولكن سيكون من الباب الوطني، ومع هذا يبقى أخرون على اصرارهم بسلخنا وطنياً، لنبقى في البراري تلدغنا العقارب .
3-5-2013

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

فرحان مرعي هل القضية الكردية قضية إنسانية عاطفية أم قضية سياسية؟ بعد أن (تنورز) العالم في نوروز هذا َالعام ٢٠٢٥م والذي كان بحقّ عاماً كردياً بامتياز. جميل أن نورد هنا أن نوروز قد أضيف إلى قائمة التراث الإنساني من قبل منظمة اليونسكو عام ٢٠١٠- مما يوحي تسويقه سياحياً – عالمياً فأصبح العالم يتكلم كوردي، كما أصبح الكرد ظاهرة عالمية وموضوع…

شيركوه كنعان عكيد تتميز سوريا كما يعرف الجميع بتنوعها القومي والديني وكذلك الطائفي، هذا التنوع الذي استطاعت السلطة البائدة أن تبقيه تحت السيطرة والتحكم لعقود طويلة في ظل سياسة طائفية غير معلنة، ورغم أن علاقة الدين بالدولة بقيت متشابكة، إلا أنها لم تصل إلى حد هيمنة العقلية الدينية أو الطائفية على مؤسسات الدولة بصورة صريحة. أدى ذلك الوضع تدريجيًا إلى…

علي جزيري نشرت جريدة قاسيون، في الخميس المصادف في 17 نيسان 2025 مقالاً تحت عنوان: “لماذا نحن ضد الفيدرالية؟” انتهج القائمون عليها سياسة الكيل بمكيالين البائسة بغية تسويق حجتهم تلك، فراحوا يبرّرون تارة الفيدرالية في بلدان تحت زعم اتساع مساحتها، ويستثنون سوريا لصغر مساحتها…! وتارة أخرى يدّعون أن سويسرا ذات (أنموذج تركيبي)، يليق بها ثوب الفيدرالية، أما سوريا فلا تناسبها…

صلاح عمر منذ أن خُطّت أولى مبادئ القانون الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، ترسخ في الوعي الإنساني أن الشعوب لا تُقاس بعددها ولا بحدودها، بل بكرامتها وحقها في تقرير مصيرها. ومنذ ذلك الحين، أُقرّ أن لكل شعب الحق في أن يختار شكله السياسي، وأن ينظّم حياته وفق هويته وتاريخه وثقافته. هذا المبدأ لم يُولد من رحم القوة، بل من عمق…