الكورد محكومون بالتوافق

م.

رشيد

    في الأزمات الخانقة والشدائد العاصفة بالأوطان والمجتمعات، تفرض الظروف على جميع القوى العاملة على الساحة بمختلف ألوانها ومشاربها وتوجهاتها بتنظيم صفوفها وتضافر جهودها ضمن إطار موحد لبلوغ الأهداف المشتركة، ولا يبنى هذا الاطار إلا بقناعة كل المنضوين تحت سقفه بضرورته والحاجة إليه، على الأقل في المراحل الأولية أو الانتقالية، ويتم ذلك بتحقيق القاسم المشترك من الرؤى و المواقف بين كل المكونات على أرضية ضمان (ما فوق) الحد الأدنى لكل مكون على حده.
    كما أن الإطار المنشود لن يكون فاعلاً ومجدياً ما لم يلازمه الصدق والثقة والصراحة، وما لم يؤسس على وحدة الهدف والإيمان به والوسيلة لبلوغه، وإن أهمية الهدف المشترك والاقتناع بضرورته تتطلب الاتفاق على الآليات والوسائل لتحقيقه، وهذا يعني أن التراضي والتوافق في إيجاد الآليات وصياغة القرارات وبناء المؤسسات ضروريان، وذلك لاستثمار كافة المساحات المتاحة، واستغلال جميع الإمكانات الموجودة بصغرها وكبرها، بنوعها وكمّها، لأن ضرورة المرحلة تتطلب زج كل الاحتياط في المعركة وعلى كافة الأصعدة والميادين.

 

ولا يتم التوافق ما لم تتوفر النيّة والقابلية لدى كافة الأطراف المكونة للإطار والتنازل عن بعض المزايا والاستحقاقات مع احترام الخصوصيّة والحقوق الفردية، وأخذ معايير الكفاءة والصلاحية بعين الاعتبار في مراحل التحضير والبناء والتنفيذ.
والالتزام بالتوافق يعني نبذ عقلية الإقصاء والتهميش والتمييز، ويترجم ميدانياً باحترام الرأي الآخر وتقبله، والابتعاد عن ذهنية التفوق ولعبة كسر العظم بين الأطراف المؤتلفة، وعدم الاستقواء بقوى خارجية، وعدم الرضوخ لأجنداتها والحفاظ على استقلاليتها، والبحث دوماً عن عوامل التفاهم والتعاون المشتركة، والنأي بالنفس عن كل ما من شأنه إثارة الخلافات وتفجير الإشكالات وتصعيد التوترات وتعميق الشروخ، فالتواصل والتحاور هما الخياران الحتميان لإيجاد الحلول لكل المسائل العالقة والقضايا الطارئة والإشكالات القائمة.
    وإن كان التوافق معطلاً (بعض الأحيان) لفعاليات الاطار الائتلافي القائم بسبب البطء والبيروقراطية والمحسوبية في اتخاذ القرارات وتنفيذها، إلا أنه لا يبرر قطعاً نسف ذاك الائتلاف الذي يعتبر هاماً وضرورياً من أجل القضية العامة التي تخص المؤتلفين في تلك المرحلة الحساسة والمفصلية، وهنا تبرز أهمية تغليب المصلحة العامة (الوطنية والقومية والديمقراطية) على الخاصة، والتضحية بالمصالح الشخصية والأنانيات الحزبية والعصبيات الأخرى، والالتجاء إلى القواعد الديمقراطية والآليات المؤسساتية في تشكيل اللجان والمكاتب الاختصاصية وفق معايير وضوابط تعتمد على الكفاءة والخبرة والصلاحية، لتكون ممثليات حقيقية وفاعلة تعكس الإرادة والرؤية الشاملة لكل الائتلاف وتعبر عن مواقفه من كل المستجدات والمتغيرات.
    بإسقاط ما سبق على الحالة الكودية في سوريا، في ظل الظروف والتحديات الراهنة، نرى وجود المجلس الوطني الكوردي أولاً والهيئة الكوردية العليا ثانياً ضروريا في هذه المرحلة يجب الحفاظ عليهما وتفعيلهما بالرغم من النواقص والمآخذ، وإن أيّة محاولة من التنصل أو التقاعس أو الانسحاب منـــهما خطأٌ تاريخي سيترتب عليه نتائج وخيمة ومخاطر حقيقية، وأي مسعىً لتعطيلهما أو نسفهما أو الإساءة إليهما واستثمارهما في غير ما رسم لهما لعبٌ بالنار وعبثٌ بالمصير واستهتارٌ بالقضية وتهرب ٌ من المسؤولية التاريخية وستنجم عنها عواقب وخيمة ضارّة بالكورد وقضاياهم، لهذا كان الطلب ملحاً في تنفيذ اتفاقية هولير بين المجلسين الكورديين نصاً وروحاً وكلاً متكاملاً.
    بقي أن نشير أن وحدة الصف الكوردي وخطابه ستفشل كل حملات التضليل والتشويه والتشكيك والتشتيت التي يشنها الطابور الخامس  من الانشقاقيين والانتهازيين والمتسلقين والمارقين والمنبوذين والمتربصين على الحركة الكوردية ، عبر تقديم البدائل من تأسيس أحزاب أو تكتلات… ، غايتها خلق الفوضى و تمييع الحراك الكوردي سياسياً وثقافياً وتسطيح القضايا اعلامياً وشعبياً، وبالتالي اجهاض كل المحاولات الجدية الرامية إلى تثبيت الحضور الكورد وتأمين حقوقهم المشروعة.

      
——————-    انتهت    ——————–

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…