هل حقاً أمور الناس في المنطقة الكُردية السورية على خير ما يرام؟

حسين جلبي

خلال الحرب العالمية الثانية تعرضت المُدن البريطانية و خاصةً لندن و على مدى أشهر لعشرات الآلاف من أطنان القنابل ألقتها عليها الطائرات الألمانية المُغيرة، البعض قابل رئيس الوزراء في ذلك الوقت (ونستون تشرشل) و قال لهُ: لقد خَرِبت البلاد، فسألهم: و ما وضع القضاء و التعليم، فقالوا لهُ: ما زال القضاء و التعليم بخير، فقال لهم: إذاً البلد بخير، لا تخافوا.
لكن الكثير من التشرشلات الكُرد النُجباء يخالف التشرشل البريطاني في الرأي، فقبل أيام أعلن مسؤول في أحد الأحزاب الكُردية المُناضلة، و في مكانٍ عام، أن أمور شعبنا بخير لأن جبهة النصرة لم تصل إلى مناطقه، أي أن المقياس ليس نزاهة القضاء و مستوى التعليم بل وجود جبهة النصرة في المكان من عدمه
و مع عدم وجود خلاف بشأن وصول جبهة النصرة إلى المنطقة الكُردية بدليل الحواجز المشتركة و الدوريات المشتركة و إتفاقية الأخوة و التعاون المُشتركة، إلا أن الأمور ليست بخير كما ذهب إلى ذلك الشخص إياه، إذ لو كانت كذلك لما فرَّ عشرات الألوف من بيوتهم، و لكانت هناك بُنية تحتية متينة، و لتوفرت المياه و الكهرباء و الإتصالات و الغاز و الديزل، و قبل ذلك الخُبز و الدواء، لكان الناس واقفون على أرض صُلبة من الأمان واثقين بالمستقبل، و لما شعروا بالخوف مما قد يحدث لهم بعد يوم أو ساعة أو حتى دقيقة، و لما خافوا من الجُهر بآرائهم، و لما كان هذا الإنقسام المُميت و التشرذم  المُهلك، و لما كانت المنطقة مُحاصرة من الداخل بحيثُ يقوم المُحاصِرون أنفسهم بتهريب المواد إليها بعد إحتكارها و إخفائها من الأسواق، و لما تغنى المسؤول الحزبي بالمنطقة عن بُعد، بل كان موجوداً الآن على أرضها يُشارك أهلها ثمرات الخير التي يُحاضر عنها.
 و لكن لنترك ذلك المقياس المُتعلق ببقاء الحجارة منتصبة، و التي ما أسهل تداعيها بعد أن تم تحطيم الإنسان، و لنتساءل: هل القضاء و التعليم بخير في منطقتنا حقاً؟ و هل هناك قضاء و تعليم أصلاً؟ و هل بقيت أساساً منطقة كُردية بفضل سياسات هؤلاء؟ أم أن تشرشل هو الذي أخطأ الحكم و كان عليه أن يصمت لتنتظر البشرية عشرات السنين حتى ظهور المسؤول الحزبوي الكُردي العظيم ليطلق لهم حكمتهُ تلك في الهواء؟
حسين جلبي
jelebi@hotmail.de

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…