سوريا الجديدة بحاجة إلى أسلحة كيميائية ؟

  زاغروس آمدي ـ فيينا

لقد خُدعت شعوب العالم العربي بالشعارات العروبية الخرقاء طوال أكثر من نصف قرن، والتي أصدرتها التيارات القومية العربية التي تربّعت على عروشها بإنقلابات مباغتة، وبخاصة في كل من القاهرة ودمشق وبغداد، سرعان ما استبدت بشعوبها وحكمتها بالحديد والنار، وبدلا من أن تحل مشاكل شعوبها التي تجاهلتها وتنطلق لبناء دولها وتعمل على نهضتها، رفعت تلك الشعارات الطنانة الوهمية لتخدع بها شعوب العالم العربي وتسبب له المزيد من المآسي والويلات فقط من أجل أن تظل على كراسي الحكم، وتفرض إيديولوجياتها المتخلفة والمتعصبة على العرب وغير العرب بإعتبارهم آلهة العرب الجدد.

وماذا كانت النتيجة، ملايين المشردين وملايين المهاجرين وملايين القتلى وملايين الفقراء وملايين المقتاتين على النفايات المنزلية، هذه هي عروبتهم وهذه هي إشتراكيتهم وهذه هي كرامتهم.
عندما تربّع السيد أحمد معاذ الخطيب رئيس الإئتلاف السوري قيد الإستقالة آنذاك، على كرسي الأسد في القمة العربية الأخيرة في الدوحة، سرعان ما انتقلت إليه عدوى الغطرسة العروبية الكاذبة التي أُغْرِقت بها سوريا البعث، من قبل حزب البعث الذي أُنتن من الفساد ونهب السوريين، باسم شعار الأمة العربية الواحدة والرسالة الخالدة وجنة الإشتراكية الموعودة، هذه الغطرسة الجوفاء التي طالت الخطيب دفعته إلى القول في موضوع الأسلحة الكيميائية:
“كل ما حصل للشعب السوري لم يلفت الأنظار، هناك من مرر رسائل خجولة، وأنا أصارح شعبنا بهذا الموضوع، يقول: هل يمكن تدمير هذه الأسلحة؟ وأقول إنّ هذا الأمر يُقرره مؤتمر وطنيٌّ جامع، ويمكن أن يحصل برأيي في ظل صفقة كاملة لكل المنطقة، تبعد كل أنواع الأسلحة النوويّة والدمار الشامل.

إن المعارضة لن تبيع وطنها أيها الإخوة ويا حكومات العالم
.”

السيد الخطيب يظهر هنا وكأنه غدا سيحل مكان الأسد في القصر الجمهوري على جبل قاسيون وسيجتمع بالأحمدي نجاد الذي يطالب هو أيضا مثله بمنطقة خالية من السلاح النووي والكيميائي ويطالبا نتنياهو بالتخلي عن السلاح النووي الإسرائيلي، كي تتخلى كل من سوريا وإيران عن السلاح الكيميائي ووقف العمل بالقنبلة النووية في جمهورية إيران الإسلامية وإلا سندمر اسرائيل عن بكرة ابيها ابراهيم.

جميل أن يمتلك الإنسان هذه الثقة العالية بالنفس، وهذا الإعتزاز بالذات، بشرط أن تكون هذه الثقة وهذا الإعتزاز مبنيان على أساس متين، وإلا فإن هذه التصريحات تصلح فقط وبشكل ممتاز لموضوع إنشاء تعبيري يخطه طالب إعدادي نجيب على ورقه.

 لكن للأسف الشديد الواقع شيئ آخرمختلف تماماً:
أولاً: ثمة اناس يقتلون بأبشع وسائل القتل، واناس يقتلون ببطءٍ شديد في كل لحظة والألم يعتصر قلوبهم، والحاجة والعوز يهينان نفوسهم المتكسرة، ينامون وما هم بنيام، يأكلون ويشربون وماهم بأصحاء، يبتسمون بوجوههم لكن قلوبهم تبكي وجعاً وألما وحزناً، يائسون في دواخل ذواتهم إلى الحضيض، لكنهم لم يعودوا قادرين على إبتلاع الذل من جديد بعد أن لفظوه، مستعدون للألم والعذاب والموت باليوم ألف مرة وأن لا يرجعوا إلى حظائر الأسد كحيوانات ذليلة، إنهم المشردون في دول الجوار وفي الداخل السوري، هل يا ترى فكر الخطيب بهؤلاء ومعاناتهم عندما يقول أن المعارضة لن تبيع وطنها، مشيرا أن المعارضة لن ترضى أن يدمر السلاح الكيماوي السوري.

متى كان الوطن يختزل بالسلاح أي سلاح؟ أي وطن هذا نصف سكانه مشردين والنصف الآخر يقتل بعضه البعض، ويحتقر بعضه البعض ويكفر بعضه البعض، أي وطن تتحدث عنه يا سيد معاذ؟ وأي سلاح هذا لاتقبل بتدميره؟

ثانياً: إلى أن تتحقق امنية الخطيب يكون الأسد إما أنه قسم سوريا إلى أشلاء، كما يفعل الآن بالسوريين، وإما أنه قد استهلك السلاح الكيماوي لقتل وتشويه السوريين وذريتهم إلى جيلين أو ثلاثة أو عشرة أجيال، أي تحويل الشعب السوري إلى شعب مشوه جنينيا.

ثالثاًً: من السذاجة ان يعتقد المرء أن أمريكا والغرب وإسرائيل خلفهما أن يتركوا السلاح الكيميائي بمتناول رجل سوري بلحية او بدونها.

بالأسد أو بدونه، وبخاصة بعد أن إعترف النظام السوري بعضمة لسانه بإمتلاكه اسلحة كيماوية وبأنه مستعد لإستخدامها في حال تدخل عسكري في سوريا.

وزاد على ذلك بأن استخدمه فعلاً، وبذلك أعطى دليلا عملياً لمن يحتاجه.

وهاهي أمريكا أصبح لديها الدليل.

فهل يعتقد السيد الخطيب أن أمريكا ستنتظر الأذن منه لتدمير هذه الأسلحة؟ بالتأكيد لا، فأمريكا ـ بعد أن أصبح الدليل في يدها ـ ستقرر الوقت المناسب لتدمير هذه الأسلحة ولن تنتظر موافقة الخطيب أو غيره.

رابعاً: لقد انتهى دور بشار ولم يعد هو سيد القرار، لقد انتزع آية الله خامنئي القيادة منه، وقد تحول إلى رجل آلي يحركه خامنئي بالريموند كونترول عن بعد كما يشاء، ويرسل وفوداً متتالية إلية لمساعدته إذا تعثر بزاوية ما أو بعائق بحيث لايستطيع أن يستجيب للريموند كونترول فيعيدون تقويمه ليكون على أتم الإستعداد للإستجابة دائماً.بالإضافة إلى الإيرانيين المشرفي على صيانته وتصليحه كلما دعت الحاجة، ثم أيده برجله الآلي الثاني حسن نصر الله الذي امر بإستخدام آلة القتل وتغيير الإتجاه 180 درجة بإتجاه الأراضي السورية لمشاركة رجله الآلي السوري في قتل أهل السنة وغير السنة، ربما إنتقاما لقتلى إيران في الحرب الصدامية ـ الخمينية ليرتاح آية الله الخميني في قبره.

وربما ليحقق الأغلبية للعلويين والشيعة في سورية، فتتحول سورية إلى دولة شيعية عن حق وحقيق.

ولسوف نرى ماذا يمكن أن يفعل السيد الخطيب بالسلاح الكيماوي حينئذٍ؟ هذا إن بقي شيئاً منه.

إن سياسة الصمود والتصدي للأسد أودت بسوريا وبالشعب السوري إلى ما هو عليه الآن، ولكن يبدو أن السيد الخطيب لم يتعظ إلى الآن بذلك ويذهب بخياله بعيداً جداً.

ثم أوليس من الغباء أن يطلب السيد الخطيب المساعدة العسكرية من سلاح وحظر جوي وقصف منشآت عسكرية سورية من امريكا والغرب، وبنفس الوقت يصرح بأنه ليس مع تدمير السلاح الكيماوي السوري الآن.

وكأن الغرب وأمريكا من الهبل أن يتدخلوا عسكريا ويتركوا السلاح الكيماوي للسيد الخطيب ليفاوض به إسرائيل بشأن السلاح النووي، الذي إلى الآن لم يقر مسؤول رسمي إسرائيلي بوجوده أو بإستخدامه على عكس ما فعلت القيادة السورية الفائقة الذكاء!!!.

هل يمكن بواسطة استخدام السلاح النووي والكيماوي تحقيق الإنتصارات وبناء الحضارات وتأمين العيش الرغيد والرفاهية للشعوب؟
الإتحاد السوفياتي كان يملك من القنابل النووية ما بإمكانه تدمير العالم عدة مرات، فماذا استطاع أن يحقق بهذه القوة لشعبه غير الفقر والعوز والوقوف يوميا في طوابير للحصول على سلعة بسيطة، يذكر الرئيس الأوكراني الأسبق ليونيد كرافتشوك في حديثه لروسيا اليوم قبل مدة وجيزة أنه وقف في أحد الطوابير من الساعة ماقبل الظهر إلى ساعات المساء لشراء حذاء لزوجته.
انظر إلى الكوريتين وقارن بينهما، واستنتج البون الواسع بينهما وماذا حققت الشمالية بالسلاح النووي؟
وماذا حقق محبوب أغلب النخبة المثقفة العربية الطاغية المقبور صدام حسين بسلاحه الكيماوي، أو لم يعثر عليه كشبح تحت أرضي وفي يده حقيبة فيها دولارات أمريكية بدلا من سلاح كيماوي.
وماذا فعل القذافي بمعامل السلاح الكيماوي؟ ألم يمتثل لأوامر الغرب ويلغيها من أساسها.

وهو القائد والملك والقيصر والرئيس والأمبرطور والمجنون والمعتوه.

ماذا كانت نهايته إلم يمت متخوزقاً؟
إفلا يكفي كل ماذكر عن السلاح الكيماوي ليقتنع السيد الخطيب بعدم جدواه، ام أنه يريد أن يجرب ذلك بنفسه عملياً كغيره؟

فلتدمر سوريا وليبقى السلاح الكيماوي، وليقتل السوريون يومياً ويذبحوا كما يذبح الدجاج ولتفقأ عيونهم ولتقتلع حناجرهم ولتقطّع أعضاؤهم الجنسية وغير الجنسية، ولتفجررؤسهم وأدمغتهم، وليبقى السلاح الكيماوي عند السيد الخطيب، ولتدمر المدن والقرى السورية عن بكرة أبيها كما دمر الملك الأموي يزيد بن معاوية مدينة مكة وحللها لجيشه المغوار مدة ثلاث أيام متتالية يفتك بأهلها وبالصحابة قتلا وصلبا وقطع الأيدي والأرجل على خلاف وختم الصحابة على أجسادهم  كما تختم الأبقار، وهتك الأعراض من كل جنس حتى أنهم لم يتركوا فيها بكرا.


ولينتظر السيد الخطيب أن يفعل الأسد وشبيحته العلوية والسنية والشيعية من لبنان وإيران وروسيا الإتحادية، ان يحللوا لأنفسهم المدن والقرى السورية وليفعلوا فيها كما فعل الجيش اليزيدي بأهل مكة.

كي تبقى الأسلحة الكيماوية في الحفظ والصون للسيد الخطيب ليفعل فيها فيما بعد، كما فعل ويفعل وسيفعل الأسد بها.

أين هم الرجال السوريون الحكماء؟ اين هم رجال الساسة المعارضين للأسد؟ ليوقفوا هذا القتل والتدمير والتشريد؟ الكرامة ليس بالكلام الأجوف الفارغ والتحدث عن صفقة كاملة لكل المنطقة والناس تقتل وتختنق تحت الأنقاض بالغبار او بغاز السارين الأسدي وتذبح النساء والأطفال بالسكاكين، وتتعفن الجثث بالشوارع والمشافي، وتنتهك الأعراض أمام ذويها وخلفها.
كم توقعت في البداية من السيد الخطيب أن يقول يوما أن تدمر الأسلحة الكيماوية كلها في سوريا وأن لاتنتهك عرض فتاة سورية.

أن يقول: لأهون علي أن تدمر سوريا من بكاء طفل بين الأطلال فقد امه و أباه واخته وأخاه.
توقعته أن يقول: لعن الله الأسلحة الكيماوية وصانعها ومستخدمها وناقلها.

أم أن الخمر حرام والسلاح الكيماوي حلال حسب أجتهاد الخطيب؟!!!

إذا كان في تدمير الأسلحة الكيماوية السورية حظر جوي وإيقاف لآلة القتل الأسدية، فلم لا؟ وإذا كان في الموافقة على تدمير هذه الأسلحة القذرة، وقف للنزيف السوري وذهاب بشار الأسد إلى الجحيم، فلمَ لا؟
للأسف لا أفهم أبدا كيف اختزل الخطيب الوطن كله بسلاح كيماوي وهو يرد على من طلب بتدمير هذا السلاح عندما قال: “إن المعارضة لن تبيع وطنها أيها الإخوة ويا حكومات العالم.” متى كانت الأوطان تقارن بالسلاح الكيماوي يا خطيب؟

أم أن الخطيب يعتقد أنه إذا زعل وقدم إستقالته، فسيأتي إليه كيري غدا، ويطبطب على كتفه قائلاُ:
 لاتزعل منا يا سيدنا، سنفعل ماتريده من حظر جوي وقصف لمواقع الأسد العسكرية، وكرمال ماتزعل مرة تانية راح نقصف عمر الأسد وقصره الجمهوري أيضاُ إذا مابدك القصر.

وسنترك لك الأسلحة الكيماوية لتتم بها صفقتك الكريمة، ولو تكرم عينك.

زاغروس آمدي ـ فيينا
كاتب في قضايا الدين والسياسة

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…