تحولاتهم الشرق أوروبية وثوراتنا الشرق أوسطية

صلاح بدرالدين

  ربيع الثورات في الشرق الأوسط بنهاية العقد الأول من القرن الجديد امتداد متأخر لعقدين ونيف من الزمن عن موجة التغيير في الأنظمة الشمولية ببلدان اوروبا الشرقية ببداية تسعينات القرن الماضي  التي كان ربيع براغ في أواسط الستينات أحد تجلياتها المبكرة كمحاولة أجهضت في مهدها .

  أوروبا والغرب عموما أو” العالم الأول ” بحسب التعبير التقليدي الدارج ذو الوجوه المتعددة المتناقضة كان سباقا منذ مايقارب قرنين في كل شيء في استعمار الشعوب ونهب خيراتها ونشر قيمها في الحقب المظلمة خارج بلدانها وفي القارات الثلاث بعد انجاز ثورات الاستقلال والتحرر من هيمنة الكنيسة واستعادة الحريات العامة والفردية
 وتعزيز حقوق الانسان والمواطن وترسيخ المجتمعات المدنية وتحقيق الانجازات على طريق بناء النظم الديموقراطية وتحقيق النمو الاقتصادي والتطور العلمي والاستقرار الاجتماعي وقد كان تفصلها زمنيا على الدوام عن شرقنا و” عالمنا الثالث ” عقودا في التقدم والرقي وفي أحداث القفزات الكبرى بالتاريخ وآخرها الانتفاضات الثورية في بلدان شرق أوروبا التي كانت تعاني من أنظمة شمولية منقادة من الحزب الواحد واللون الواحد مماثلة للأنظمة المنهارة في منطقتنا أمام موجة ثورات الربيع أو الآيلة للسقوط في المستقبل القريب .

1 – في دول أوروبا الشرقية  اندلعت الانتفاضات في الوسط الشعبي مطالبة بالحرية يتصدرها الشباب من دون برنامج معلن وبمعزل عن الأحزاب السياسية – المغيبة – منها في ظل القمع أو التي كانت اما بالسلطة أو في جبهة واحدة تدور في فلكها وفي منطقتنا اندلعت الثورات – العفوية – تحت شعار الحرية والكرامة بقيادة الجيل الشاب واحتضان شعبي وبمعزل عن الأحزاب التقليدية والمنظمات المدجنة من سلطة الاستبداد هناك لم يكن الجيش جزء من الصراع وهنا كان له الدور الحاسم اما محايدا أو طرفا أو بين بين .


2 – الهدف الأساسي في السابقتين انتزاع الحرية والحقوق السياسية وتحقيق الحياة السعيدة وفرص العمل للشباب الناشىء القلق على مستقبله أي ضمن اطارالقضايا الداخلية وبعيدا عن أية نزعة آيديولوجية خارج الحدود الوطنية .
3 – اعادة بناء الدولة على أسس ديموقراطية جديدة حيث نشطت الحياة السياسية هناك وتعددت البرامج والمشاريع وتم الاحتكام الى صناديق الاقتراع وهنا تلكأت التجارب وظهرت الثورات المضادة ومازال الصراع محتدما بين قوى الحرية والتقدم من جهة وجماعات الردة والظلامية من الجهة الأخرى .


4 – حرية الاقتصاد والسوق والانفتاح عنوان بارز لكلا التجربتين هنا وهناك .
6 – حق تقرير المصير للقوميات والأثنيات وحرية المعتقد والعبادة للأديان والمذاهب في البلدان المتعددة المكونات المركبة كان ومازال شعار الثوار في – الشرقين – هناك استقلت شعوب واعيد النظر في الحدود الدولية التي أرست أسسها الحربان العالميتان وهنا لم تحسم بعد المواقف النهائية بخصوص القوميات بعد الحروب والصراعات رغم بعض التقدم الحاصل  فقد قامت الانتفاضة في أوروبا بدول غالبيتها الساحقة متعددة الأقوام  والأديان والثقافات ووجدت طرقا عديدة لمعالجة قضاياها حسب مبدأ حق تقرير المصير والمصالح المشتركة للجميع دون اكراه ومازالت شعوب وقوميات شرقنا المغلوبة على أمرها تنتظر مصيرها بفارغ الصبر من خلال التحاور بين شركاء المصير .


7 – استهدفت حركة الاحتجاجات بدول أوروبا الشرقية أنظمة شمولية منقادة من الحزب الواحد والآيديولوجية الواحدة والجماعة الواحدة وهذا ماحصل تماما في بلدان الربيع العربي .
8 – في كل تلك الدول لم تستخدم الأنظمة الحاكمة العنف تجاه الحركة الشعبية باستثناء حوادث عابرة أما في بلداننا فحدث ولاحرج وكان ومازال  للنظام السوري أسبقية الاجرام والابادة الجماعية بحق الشعب والتدمير الممنهج للبنية التحتية والمضي في انتهاج سياسة الأرض المحروقة وتفتيت البلاد وصولا الى الحرب الأهلية .
9 – المنتفضون لم يبحثوا عن السلطة بقدر ماحاولوا تغييرها وهناك احتكم الجميع الى نتائج الصراع السياسي واللعبة الديموقراطية وهنا ظهرت معارضات – مزيفة من وراء ظهور شباب الثورات وتنسيقياتهم وحراكهم وجيشهم الحر في الداخل والخارج بحثا عن المواقع والمصالح من أول الطريق وقبل انتصار الثورة .
10 – رجال الدين المسيحي وأتباع الكنيسة ساهموا بطريقتهم في الانتفاضة هناك ولم يقتربوا من الصراعات السياسية من أجل السلطة والنفوذ بعكس ماحصل في شرقنا حيث بدأت جماعات  الاسلام السياسي ورأس حربتها الاخوان المسلمون تتصدر مشهد الصراع في سبيل التسلط على مقدرات المعارضات والتسلل الى قلب الثورات وبناء الميليشيات المسلحة لتكون أداتها في السيطرة على الأمور وأسلمة المجتمع وأخونة النظام السياسي القادم وتجربتا تونس ومصر خير شاهد والحالة السورية المشخصة الآن أكثر تقززا ونفورا من بين التجارب السابقة .

  مقارنة قد تفيد الثوار والمناضلين الباحثين عن وطن حر بدولة تعددية ديموقراطية تشاركية كثمن لدماء الشهداء الأبرار والجرحى والمعتقلين والمشردين ان كان في مواجهة النظام المستبد أو جحافل الثورة المضادة .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…