وتنهمر الدموع بغزارة

توفيق عبد المجيد

 

ليتني لم أفعلها … ليتني لم أخلد إلى النوم … استيقظت كالعادة فلم أكن كمن ارتاح من عناء يوم متعب … كنت مرهقاً وأنا مستيقظ … أخبرتني صغيرتي الأثيرة على قلبي بأن أكثر من شخص هاتفني … وما هي إلا بضع ثوان حتى رن جرس الهاتف مجدداً … كان المهاتف من الطرف الثاني صديقاً عزيزاً … احتار كيف يخبرني … ترددت الكلمات في حنجرته …

ولكنه وبصعوبة نقل إلى الخبر المفجع … ألم تسمع من الفضائيات خبراً ؟ ألم يخبرك أحد بشيء … ازدادت حيرتي … ازداد اضطرابي … تكاثرت علي الهواجس … أثقلتني الاحتمالات … تظاهرت بالقوة والاستعداد لتلقي نبأ لا يسر … وجاءني الصوت متلعثماً … وحاول المهاتف متظاهراً هو الآخر بالشجاعة والقوة على التحمل ونقل الخبر … وجاء الخبر الصاعق الذي زلزل كياني وحطم معنوياتي … وبعثر كبريائي وشجاعتي …

لقد أخذت وضع الاستعداد لتلقي نبأ لا يسر … إنه بالتأكيد أمر محزن ومفجع خاصة عندما يتردد المهاتف في إخباري … تظاهرت بالقوة والشدة على التحمل … فنقل إلي الخبر المفجع : لقد مات أبو كاوى … قتل أبو كاوى إثر حادث سير مفجع بين أربيل وبيرمام .

لا أستطيع وصف المشاعر التي انتابتني … أحسست بأني ضعيف … أحسست بأني عاجز عن القيام بأي شيء … فاستسلمت لضعفي الذي عبرت عنه بصدق دمعات تحدرت من مقلتي بشكل لا أرادي … وازدادت الدموع تهطالاً … وازدادت الدموع غزارة عندما حاول أفراد عائلتي الاستفسار عن الأمر … عن النبأ الحزين … عن الحادث المفاجئ الذي قلب كياني رأساً على عقب … والذي أوعز إلى الدموع أن تقوم بواجبها في مثل هكذا مواقف … ففعلت

أيها الصديق الوفي … أيها الصديق المخلص …

لم أكن أتصور أنني سأتعرض إلى موقف كهذا … لم أكن أتصور أنني سأكتب بضع الكلمات في نقل النبأ … فمن أعزي بكلماتي ؟
أعزي أسرتك المفجوعة … أعزي أهلك المنكوبين … أعزي أصدقائك المخلصين … وهم كثر … أعزي الكلمة الجريئة … أعزي المواقف الشجاعة … أعزي القلم الذي سيفتقدك … أعزي الحزب الذي تنتمي إليه … أعزي اللجنة الكردية لحقوق الإنسان – ماف … أعزي الورقة البيضاء وهي تسود شيئاً فشيئاً بمدادك الذي لم يكن لينضب … أعزي نفسي المصابة بثقل هذا النبأ الحزين وهو يهبط عليها كالصاعقة .

أبو كاوا … أيها الصديق الصدوق … أيها الوفي النبيل … لقد أخبرتني في آخر رسائلك إلى أن أنتظر أخباراً سارة منك … ولكنني تلقيت خبراً حزيناً ( لقد مات أبو كاوا ) لقد قتل المهندس محمد أمين جمال في حادث سير بين أربيل وبيرمام ، وسينقل جثمانه إلى مسقط رأسه … إلى وطنه سوريا الحبيبة … إلى بلدته قامشلي الثكلى .

كم أنت قاس أيها الموت عندما تدق الأبواب من غير استئذان لتخطف من تشاء … فتباً لك والآن تنذرني الكلمات أنها ستكون عصية علي قلمي اليوم … ولن تكون مطواعة لي ككل الأيام فاكتفيت بما كتبت .

 

القامشلي في 10-2-2007

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…