أصدقائي….إنها مجرد صدمة

درويش محمى

أصدقائي, كل من لاحظ غياب قلمي, وبدأ يسأل, أنا بخير, والصحة عال العال, كل ما في الأمر, أني أعاني من وعكة صحية تعرف في الدليل الصحي بحالة الصدمة, وهي للاسف الشديد, ولان الحدث جلل والمعاناة كبيرة, تعتبر حالة عادية ومنتشرة بيننا اهل سورية في أيامنا الحرجة هذه.
اصدقائي, مشكلتي ليست مع الحجم المفزع للدمار الحاصل, ولا مع العدد الهائل من القتلى و الضحايا والنازحين, لا ابداً, فالثورات لها كلفتها, والحرية لها ثمنها, مشكلتي من نوع اخر تماما, اسردها لكم, ربما وجدتم فيها مايبرر اعتكافي عن الكتابة كل هذه الفترة.
الرفيق لافروف وزير خارجية روسيا, كلما خرج هذا الرجل على التلفاز, وهو يحدثنا عن الارهاب ويبدي حرصه على سلامة سورية وأهلها, وصواريخه “سكود” المدمرة تدك مدننا واحدة تلو الاخرى, اشعر برغبة عارمة في صفعه, أما وليد المعلم نظير لافروف ومثيله, لا ابالي لمضمون ومحتوى حديثه, فنحن من مواليد الحقبة البعثية, وترعرعنا منذ نعومة اظافرنا على حقيقة المسؤول البعثي, يقول شيئا ويفعل عكسه, لكن طريقة هذا الرجل وهو في اخر ايام وزارته, طريقته الهادئة في إلقاء الحديث, تفقدني اعصابي, هذا الرجل, او بالأحرى هذا الكائن البارد السمين الضخم, يتحدث عن الحدث السوري الجلل, وكأنه في رحلة استجمام على شواطئ تايلاند, طريقته تغيظني اكثر من طريقة جموع اتباعه من المحللين السياسيين, كشريف شحادة وخالد عبود وفيصل عبد الساتر الى اخره من الشلة التعيسة, حتى اني امتنعت اخيرا عن اتباع الحمية الغذائية, ولم اعد احتاجها, فكل تصريح للمعلم يغنيني عن المشي السريع لمدة ساعة يومياً, وكل طلعة للمعلم, تضمن لي خسارة مؤكدة قد تصل لمئة غرام من وزني يومياً.
اصدقائي, المصيبة الكبرى, ان حالتي تدهورت بسرعة, ومن سيئ الى اسوأ مع تطور الثورة السورية, كانت مشكلتي سابقا مع النظام, اصبحت اليوم مع النظام والمعارضة معاً, فالرجل الذي اعتبرته يوما من الايام ظاهرة بعينها, الاستاذ هيثم المالح, اجده اليوم شخصا عاديا, كلامه مكرر وجاف لا يقدم ولا يؤخر, المعارض البارز وليد البني كذلك, هذا المناضل العريق, كلما رأيته مباشرة وعلى الهواء, من بودابست, أشعر وكأني استمع للوزير وليد المعلم, ربما لتشابه الأسماء, وربما لسبب آخر لا اعلمه, أما وحيد صقر, صقر الشاشات العربية, وقبل ان يبدأ بالصراخ في لقاءاته التلفزيونية, اخطف ال¯ »ريموند كونترول« خطفاً, و”يلا” على ام بي سي, والالحان الهادئة للمسلسل التركي المدبلج “فاطمة”, رحمة باعصابي, والمعارض سمير النشار, كلامه ثقيل, ولهجته لا تشبه اللهجة الحلبية, ووقعها كالمنشار على اذني, اما عبد الباسط سيدا, فقد تنفست الصعداء وهو يترك رئاسة المجلس الوطني, فقط لان الرجل اكرهني بلغة الضاد, وهو ينطقها تشديدا وتنوينا وتثقيلا من دون مبرر, أخير وليس آخراً, جاء شيخنا معاذ الخطيب, الذي تبشرنا به خيرا لبساطته وعفويته, لكنه بدل أن “يكحلها عماها”, عندما خرج علينا بقصة الحوار مع النظام, بشرط تمديد جوازات سفرنا, لكن وعلى حين غرة, وجدناه يدخل الأراضي المحررة من دون جواز سفر وفي زيارة خاطفة كالبرق, وكانه غريب عن هذا البلد وهذا الشعب, وولد وترعرع في برن السويسرية, ليعود بعدها لنضال الفنادق, وما بالكم ياسادة يا كرام بالفنادق وكثرة نجومها.
اصدقائي, كوني كرديا وسوريا, من الطبيعي ان تكون معاناتي مزدوجة, وصدمتي صدمتين, في ظل الثورة كما في ظل النظام, فالمشهد الكردي السياسي محبط, ومعظم المتصدرين لهذا المشهد “غلط في غلط”, فرغم كرافاتاتهم الانيقة, ومعاطفهم الطويلة, واجتماعاتهم الكثيرة, ورغم سرعة انتقالهم بين عواصم العالم, الا انهم ضياع لا يعرفون ما يريدون, اما الطفرة التي حققها الكردي السوري عبد الباسط سيدا سامحه الله, أصبحت وبالا علينا نحن كرد سورية, فقد ايقظت تلك الطفرة لدى “كردنا” في كل مكان, وعلى كل المستويات, النزعة الفردية الاسروية القروية الجبلية العفنة, وعلى مبدأ “ما حدا أحسن من حدا”, بدأ الجميع يعمل كالنحل, لكن “فراد فراد”, ليصل ما وصل اليه السيد سيدا, او اكثر, أما محسوبكم, فلا زلت افضل المشوار مع كلبي الوديع الطيب في الغابة, أحاول هضم الصدمة او بالاحرى الصدمات التي أعاني منها, متمنيا كل صباح, الحرية لبلدي سورية, والسلامة لكردها.

* كاتب سوري
d.mehma@hotmail.com

السياسة

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…