الهيئة الكردية العليا وذهنية القطيع

صبري رسول

الأنظمة الشّمولية كلُّها تتبجّح بأنّ سلطتَها مستمدّة من الشّعب، وفي الوقت ذاته تحكمُ الشّعبَ بذهنية القطيع، فتنصبُ نفسَها وصياً عليه، كقاصرٍ لا يعي ما يريد، والأمثلة أكثر من أنْ تُحصَى في تاريخ البشرية قديماً وحديثاً.

النّظم البشرية جميعُها يجب أنْ تكون مستمدة من الشّعب، فعندها تكون الممارسة الفعلية لصالحه، وتتوفّر له الحريات الفردية والعامة، ومتى حادَت المصلحةُ عن المسار هبَّ الاختصاصيون لإجراء دراسة وتعديلٍ بما يتوافق مع المصلحة العامة.
هذه البديهيات لا يحتاج العاقلُ إلى سردها لإقناع الآخر بها،  فالهيئة الكردية العليا بوصفها المؤسسة الممثّلة لمجلسين كرديين(تشكّلا بعد اندلاع الثّورة السورية) يشملان الغالبية العظمى للقوى السّياسية الكردية، لم تستطع تقديم أدنى مستوى من الخدمات إلى شعبٍ يعاني مرارة حصارٍ جائر ترك آثاراً مرعبة في حياة الناس، كما لم تستطع تلك الهيئة أن تخطو مقاربة سياسية مع المعارضة السورية، الائتلاف، وقبله مع المجلس الوطني السوري، وكأنها في حالة انسلاخٍ مع المكونات السورية الأخرى، وفي الوقت نفسه لا نبرّر للمعارضة السورية (العربية) عدم التعامل بجدية وعقلانية مع القضية الكردية، وعدم خروجها من ذهنية (الثقافة الشمولية).
الهيئة الكردية العليا تركت صورة غير مقبولة في أذهان الناس، فتولّدت لديهم حالة من التّذمّر من الوضع العام، فتأخذُ قراراتِها وكأنها تمثّل السّلطة التَّشريعية، كما أنها تقوم بتنفيذها كما يحلو لها وكأنَّها سلطة تنفيذية، ويبدو أنّها تسعى لاحتكار السلطة القضائية وإلى بناء نظامٍ لا يخضع للتغير والمسائلة والمحاسبة.
الهيئة الكردية العليا بوصفها ثمرة من ثمرات ((اتفاقية هولير10/7/2012 تحت رعاية رئيس الإقليم الحريص على مصلحة الشّعب الكردي دائماً)) التي رحّب بها الشعب الكردي ووجد فيها الخطوة الصّحيحة التي سيحقّق للكرد آمالهم، مع الوثيقة الملحقة الموقعة بين المجلسين في 6/11/2012 لم يُنجَز أي خطوة سياسية طموحة، ترتقي إلى آمال الشعب الكردي، حتى الإعانات الإغاثية التي قدّمتها رئاسة الإقليم لم تصل إلى مستحقيها كلهم بخلاف رسالة الهيئة إلى رئاسة الإقليم التي أكّدت عكس الحقيقة.

حيث وردت فيها ((حيث إن المساعدات وزعت على الجميع دون استثناء)).
الهيئة الكردية العليا ليس لديها رؤية استراتيجية لأي مرحلة متوقعة في الظروف الراهنة أو المستقبلية، ولا تملك خارطة طريقٍ لمواجهة أي طارئٍ أمني أو اقتصادي أو غير ذلك، وقراراتها ارتجالية وغير مدروسة، هذا الأمر ينطبق على القسم التابع للمجلس الوطني الكردي، لأنّ القسم التابع لمجلس شعب غرب كردستان أكثر مهارة وتأهيلاً من أقرانهم .

 
في الأزمات والحروب بقدر ما تحتاج الشّعوب إلى هدّافٍ لا تُخطئُ رصاصتُه الهدف، تحتاج إلى رجلِ فكرٍ، وعقلٍ، وسياسة، لمجابهة كل الاحتمالات، وعدم الارتهان إلى يقينياتٍ مطلقة.

هذا ما دفع المجلسَ الوطني الكردي إلى البحث عن تأسيس مرجعية خاصة فيما يتعلق بأعضاء المجلس الوطني الكردي في الهيئة الكردية العليا، لتكون القراراتُ صادرةً من التّفكير الجماعي، دون الاعتماد على القرارات الارتجالية.

إنّ سوريا عامة والكرد خاصة يمرّان بمرحلة مفصلية دقيقة، وأي قرارٍ غير مدروس بهذا الشّان قد يكون مكلفاً على الجميع، لذلك يمكن أن تلعب الهيئة العليا دوراً تاريخياً في تحقيق طموحات الشّعب الكردي، فإذا كانت المصلحة القومية العليا مقياساً لاتّخاذ القرارات المصيرية سيكونُ الكرد رقماً نوعياً ولاعباً سياسياً هاماً في تاريخ سوريا في المرحلة الرّاهنة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…