من اسطنبول الى حضرموت ؟

بافي رامان

احلام الامبرطورية العثمانية لا تفارق احلام الساسة الاتراك ، لذلك يمكن ان تاتي يوم و تطالب العنجهية التركية بحضرموت في اليمن لانها كانت ضمن مستعمرات الدولة العثمانية ؟ كما يعملون هذه الايام بتركية مدينة كركوك ، لان الصراع على منطقة الشرق الاوسط بشكل عام و كردستان بشكل خاص ليس فقط للتوسع و السيطرة على المنطقة و انما بسبب اغناء المنطقة بالثروات الطبيعية و خاصة الثروات النفطية ؟

فمنذ الالاف السنين قبل ظهور البشرية على الارض ، كان هناك الرشوحات النفطية موجودة على سطح الارض في كردستان ، و عرف سكان المنطقة النفط منذ القدم و استخرجوا القير من منابعه على مقربة من الرشوحات النفطية و استعملوا في الانارة و التدفئة و في تغطية السفن و جدران القنوات و استعمل سيدنا نوح عليه السلام القير لطلي جدران سفينته لمنع تسرب المياه الى داخله ، كما كانت الوهج الاحمر للغاز الطبيعي الذي كان يشتعل منذ القدم في كركوك – النار الابدية ، ظهرت الرشوحات النفطية على سطح الارض في العديد من المواقع على امتداد الحزام النفطي في كردستان .

او القريبة من سطح الارض في بعض المواقع في محافظة الموصل و المناطق الاخرى المحيطة بالمثلث التركي العراقي السوري .


             ان حاجة الانسان الى مصادر الطاقة و خاصة النفط و تنوع استعمالها قد ادت الى الاهتمام بالمناطق التي يتواجد فيها تلك المصادر خلال تاريخ نشوء الامارات و الامبراطوريات التي نشبت خلالها حروب و غزوات ، و كانت كردستان واحدة من اهم المناطق الغنية بتلك المصادر مما جذب انتباه الغزات و المحتلين اليها ، لاسيما خلال حكم الامبراطورية العثمانية .

و مع نشوء و تطور الثورة الصناعية في اوروبا لفت انتباه تلك الدول الصناعية الى البحث عن النفط في منطقة الشرق الاوسط بحكم علاقاتهم مع الدولة العثمانية و زيادة اهتمامهم في توسيع التجارة التي دفعتهم الى انشاء طرق المواصلات  وخاصة طريق الحرير تربط الاقاليم بعضها بالبعض ، و في نفس تلك الفترة اهتم الادارة العثمانية بالمناطق التي يتواجد فيها النفط في كردستان .


           ان نفط كردستان كان من اهم العوامل الاساسية التي تصارعت حوله الدول الصناعية و شركاتها النفطية من ايجاد موقع لها في هذه المنطقة النفطية عبر سلسلة من الاتفاقيات و المعاهدات و المواثيق السرية و العلنية ، منها معاهدة سايكس – بيكو ، عام 1916 ،و معاهدة سيفر عام 1921 التي اعترفت بحق الشعب الكردي في تقرير مصيره مع الدولة التركية ، ومعاهدة لوزان عام 1923 التي الغيت فيها كل ما جاءت في معاهدة سيفر لصالح الدولة التركية ، و غيرها من الاتفاقيات ، مما ادت الى تقسيم كردستان و ثرواته الطبيعية على الدول الاربعة تركيا – سوريا – العراق – ايران ، و كان و مازال نفط كردستان و ثرواته الطبيعية من اهم الاسباب الذي ادى الى تعرض الشعب الكردي الى الويلات و المأسي وفي ظل تأثير العوامل الموضوعية و الذاتية للمنطقة و العالم .


         عانى الشعب الكردي باعتباره كان يشكل ابرز القوميات النشطة في الدولة العثمانية ، الكثير من الظلم و الماسي المفجعة على يد السلطات العثمانية ، حيث اتبع العثمانيون سياسات قاسية و اضطهاد و ظلم بحق الشعب الكردي بهدف ابادتهم و ازالة وجودهم التاريخي في الدولة العثمانية ، لذلك ارتكب هذه الاخيرة بحقهم العديد من الفظائع و الجرائم ، و كذلك من خلال اشعال الفتن القبيلة و العشائرية في المناطق الكردية ، و لكن فان الشعب الكردي لم يبقى صامدا ازاء هذه الاعمال و الجرائم فقد قام بالعديد من الثورات و الانتفاضات الشعبية و الجماهيرية ضد الدولة العثمانية ومن بعدها ضد الدولة التركية .

              وان الدولة التركية تستغل هذه الايام و خاصة بعد سقوط بغداد و الاطاحة بالنظام الفاشي في العراق مسالة الاقلية التركمانية في كركوك لاغراض سياسية ومن خلال مخطط توسعي تركي في المنطقة كما هي سياسة الدولة الفارسية .

والسؤال الذي يطرح نفسه : اي دولة في تركيا تحلم بالمستعمرات الامبراطورية العثمانية ؟ ففي تركيا توجد دولة داخل دولة ، دولة خفية تمثل بالعسكر و الجيش و بعض المسؤولين القومجيين الذين يخططون و يامرون و يحلمون بتوسيع الدولة العثمانية لارجاع احلام الامبرطورية العثمانية ، كما يعمل النظام الايراني الفارسي ومن خلال برنامجها النووي لتوسيع الامبراطورية الفارسية ، و دولة سياسية تنفذ اوامر الدولة العسكرية للسيطرة على منابع النفط و خاصة في مدينة كركوك الغنية بالنفط .

ان الحكومة السياسية في تركيا و المتمثلة برئيس الوزراء الحالي السيد طيب اردوغان لا يمثل الامجرد دمية في يد الحكومة العسكرية الخفية داخل الدولة العثمانية لذلك فان طيب اردوغان يعيش في تناقض مع نفسه اولا و مع الاخرين ثانيا ، فان تصريحاته متناقضة في كل مكان و كل زمان حسب مكان تواجده ، فيطلق تصريحات نارية عند تواجده في تركيا ضد الشعب الكردي سواء في كردستان الشمالية او الجنوبية و خاصة عندما يلاقي التهديدات و الضغوط من الجيش و الدولة الخفية ، و يعترف بوجود الشعب الكردي عندما يكون في الخارج و يتفاوض مع المفوضية الاوربية من اجل انضمام تركيا الى الاتحاد الاوربي ، لانه هو و غيره من المسؤولين السياسيين يعرفون جيدا ان القضية الكردية في تركيا تشكل حجر عسر امام تركيا في الانضمام الى الاتحاد الاوربي ، لذلك اكد  مرارا و تكرارا اكثر من مسؤول تركي ان الطريق للانضمام الى الاتحاد الاوربي لايمكن ان تمر الا في دياربكر .

و رغم ذلك لايمكن للجيش و الدولة العسكرية ان تتنازل من عنجهيتها و جبروتها و تعترف بوجود الشعب الكردي كثاني قومية في البلاد في حقه في تقرير مصيره ، و ليس هذا فقط و انما لايمكن ان تجد الشعب الكردي في الاجزاء الاخرى تنعم بالاستقرار و الامن ، لذلك تحاول بين حين و اخرى التدخل العسكري في الشؤون العراقية و محاربة الحكومة الكردية في كردستان العراق ، و ما التحشدات الاخيرة العسكرية بمئات الالاف من الجيش و الدبابات و العتاد على الحدود العراقية الا لزعزعة الوضع و محاربة الشعب الكردي ، و كذلك عقد الجلسة السرية للبرلمان لدراسة الوضع في مدينة كركوك الا لتحقيق احلام الامبراطورية العثمانية ؟ اخذ كل هب و دب يدافع عن كركوك و يحاول ان يثبت بملكيته لها و كأن كركوك ليس لها اصحاب حقيقيون يعرفون مسالكها و دروبها و طرقها و ازقتها ، وكأن ليسوا اهل كركوك هم الذين عانوا و ذاقوا الامرين على يد الانظمة الظالمة المتعاقبة على سدة الحكم في العراق .

و ليس اهل كركوك الكورد تعرضوا الى كل انواع الظلم و الاضطهاد و التنكيل و التهجير القسري ، و ليس مئات الالاف من ابناء الشعب الكردي في كركوك تعرضوا للهجرة القسرية من مساكنهم و بيوتهم لاحلال بآخرين اتوا بهم لغرض تغير الواقع الجيوسياسي و القومي في كركوك ، و ليست كركوك هي التي غيرت اسمها الى اسم (( التاميم )) و ليست مدارس و احياء كركوك الكردية غيرت اسماءها الى اسماء عربية كما تطبق هذه السياسات العنصرية و الشوفينية على جميع مناطق كردستان في الاجزاء الاربع .

فمدينة كركوك كردستانية و مقدسة لايمكن المساومة عليها في اي حال من الاحوال بالنسبة للشعب الكردي ، لذلك تختلف مطالبة الاكراد بها عن ادعاءات احفاد المغول و السلجوق و التتر الذين دخلوا بلاد النهرين في غفلة من التاريخ مع موجات المغول و التتر فدمروا الاخضر و اليابس في ارض الحضارات لانهم كانوا مجرد قطاع الطرق و عصابات للنهب و السرقات و السلب .

ومن المعلوم ان الشعب الكردي و في جميع مراحل تاريخ نضالهم ومن خلال حركاتهم التحررية اعتبروا مدينة كركوك هي اهم محور في قضيتهم و يشهد بذلك العدو قبل الصديق ، ولولا تمسك الشعب الكردي بها في مفاوضات 11 آذار عام 1970 في عهد الزعيم الخالد ملا مصطفى البارزاني لما حصل الذي حصل للشعب الكردي من الابادة و التهجير و القتل و التشريد و المقابر الجماعية و استخدام الاسلحة الكيماوية المحرمة دوليا بحقهم ، لان الحكومة العراقية انذاك اعترف بحق الشعب الكردي في الحكم الذاتي حسب بيان 11 آذار عام 1970 بدون الاعتراف بكردستانية كركوك .

و بالمابل فان التركمان لم يكن يتجرؤون بالمطالبة بحقوقهم باعتبارهم اقلية قومية لولا الانتفاضة الكردية عام 1991 التي قاموا بها و اسسوا البرلمان و الحكومة الكردية تحت الحماية الدولية انذاك ، و تمتع بها التركمان بحقوقهم كأقلية قومية وتجرأة الكثيرين منهم اصحاب النزعات القومجية و بدعم مباشر من السلطات التركية الى تشكيل احزاب و جبهات و اصدار بعض الصحف،مع العلم ان اغلبية التركمان اصحاب العقول المعتدلة و المعترفين بعراقيتهم تمثلوا في البرلمان و الحكومة الكردية في كردستان و يتمتعون بجميع حقوقهم القومية في التعليم بلغتهم و تدريسها في مدارسهم الخاصة .ولكن اصحاب النزعات الشوفينية قاموا برفع العلم التركي ( علم الاسياد ) في مدارسهم و اخذوا ينشدون النشيد الوطني الاتاتوركي ناهيك عن الخريطة الوهمية لوطنهم المزعوم تركمانستان و التي رسمتها لهم الدولة التركية لاسباب لايخفي على احد و التي تمتد من زاخو شمالا الى الاهوار جنوبا ،و بذلك كشفوا عن وجههم الحقيقي و عمالتهم لتركيا ، في حين هناك اكثر من عشرين مليون كردي في تركيا لايحق لهم التكلم بلغتهم الام او مجرد القول بانهم اكراد ، و لا يمثلون في البرلمان و الحكومة التركية باعتبارهم يمثلون الشعب الكردي .
             ان النزاع على كركوك مختلف بين كل جهة ، فان الشعب الكردي لا يطالب بمدينة كركوك بسبب اطماعهم الاقتصادية و التوسيعية بسبب تمتع هذه المدينة بالثروات النفطية ، و لكن فان الشعب الكردي لايتنازل عن شبر واحد من اي جزء من اجزاء كردستان سواء كان فيها نفط او غنية بالثروات الطبيعية ام غيره او كانت جرداء ، و التريخ يثبت و خير دليل على مدى حب الاكراد بارضهم .ان مصير كردستان لايمكن ان تحدده تركيا و بقية دول الجوار و انما الذي تحدده هي تضحيات الشعب الكردي فضلا عن العامل الدولي الذي لايمكن اغفاله و الذي تشير كل الدلال و حسب اغلب المحللين الدوليين و حتى المحلليين السياسيين الاتراك لصالح القضية الكردية حتى الان و في هذه المرحلة .و لكن بالمقابل فان الامن القومي الكردي في الدفاع عن امتها هو قدرة الشعب الكردي في الدفاع عن حقه و هذا حق الشعب الكردي في كردستان العراق مثلما هي الحق في بقية الاجزاء في الدفاع عن حريتها و حقوقها القومية و الديمقراطية للحفاظ على كرامتها و العيش الحر و الكريم على ارضه التاريخية ، لذلك لاوجود للامن القومي الكردي بسبب وجود هذه السرطانات الخبيثة من الانظمة الدكتاتورية و الفاشية و الشوفينية و الرجعية التي تتحكم بمصير الشعب الكردي و تحتل ارضه التاريخية بسبب السياسات الاستعمارية على مر العصور ، و الامن القومي هو اجماع الامة الكردية شعبا و حركات و حكومة كردية في كردستان الجنوبية على الاهداف و الوسائل والآليات التي يجب اتباعها و العمل على تحقيقها لحماية كرامة الامة الكردية و شرفها و حقوقها التي تأتي في مقدمتها الاعتراف بوجود هذا الشعب على ارضه التاريخية و اقرار حقوقه القومية و الديمقراطية الحقيقية في البلدان التي تعيش فيها الشعب الكردي .

ان الظلم الذي الحق بالشعب الكردي منذ العصور ليست مجال الجدل و النقاش ، لذلك لهم الحق في العيش الحر و الكريم ، شأنهم في ذلك شأن اي مواطن آخر في اي مجتمع كان ، بعد العذابات التي عانوا منها طيلة العقود التي خلت ، على ايدي الانظمة الاستبدادية و الفاشية و الدكتاتورية التي تتحكم بمصير الشعب الكردي و كذلك بسبب السياسات الاستعمارية الدولية في العصر الماضي ، و التضحيات الهائلة التي قدموها و هم يدافعون عن كبريائهم ووجودهم ، فينبغي ان لا يتردد احد و خاصة الدول الكبرى في انصافهم على الاقل للكفر عن ذنبهم اتجاه هذا الشعب المسالم ليس من قبيل المجاملة او المنية ، لان ذلك حق اصيل للشعب الكردي .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…