محاولة في تعريف الهوية الوطنية السورية

صلاح بدرالدين

في التعريف التقليدي للهوية الوطنية أنها نسيج مجتمع منظم صغير أو كبير بسيط أو مركب من لون قومي وديني ومذهبي واحد أو تعددي من المواطنين على أرض مشتركة ذات حدود فاصلة ودولة مستقلة سيدة لها دستورها وقوانينها ونظامها السياسي قامت نتيجة تعاقد تاريخي باالتراضي بين ممثلي الطبقات والفئات والمناطق والشرائح الاجتماعية منحوا ثقتهم في السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والادارات لتقوم بواجباتهاالتاريخية  بما ائتمنت عليه في توفير الكرامة والحرية والعيش اللائق للشعب وتعزز الوحدة الوطنية على أساس العدل والمساواة والدفاع عن الوطن وحقوق المواطن فهي ان أساءت الأمانة سيطالبها الشعب بالاصلاح عبر السبل المتاحة وان لم تستجب سيثور الشعب عليها بالوسائل المشروعة والسلمية لتقويم اعوجاجها وتحقيق التغيير بتفكيك الاستبداد واعادة بناء الدولة الديموقراطية التعددية الجديدة
ولنا في ثورات الربيع العربي خير مثال وفي الحالة السورية كنموذج فريد مازال في طور الاكتمال حيث غالبية الشعب ومنذ قرابة العامين في ثورة ضد نظام استبدادي فئوي أحادي شمولي فاسد خرج عن ارادة الشعب وفقد الشرعية الوطنية أعلن الحرب على المواطنين وخرب الاقتصاد الوطني وخرج من أطر العمل العربي المشترك وانخرط في محور الشر بزعامة ايران فاقدا بذلك شروط السيادة الوطنية وبث الفرقة والانقسام بين صفوف الشعب وأثار النعرات العنصرية والمذهبية واستخدم ضده كل أنواع الأسلحة يمارس القتل والابادة والتدمير على مدار الساعة .
   وبالعودة الى حقائق الوضع السوري المشخص نستخلص :
 1 – معاناة الشعب السوري أو غالبيته الساحقة الظلم والاضطهاد والحرمان خلال نصف قرن من حكم البعث ونظام الأسد الأحادي الشمولي الحديدي ومنظومته الأمنية القمعية أدت الى مانلحظه الآن في أتون الانفجار من الافراط في تأكيد الذات والمبالغة في البحث عن احياء الهويات الفرعية خاصة في أجواء تنعدم فيها التقاليد الديموقراطية جراء تسلط الاستبداد لعقود كما ذكرنا .
  2 – المظاهر السائدة الآن في بلادنا المشار اليها هي الرد على عقلية الحاكم الاستبدادية المتمسكة باسكات الآخر ونفي المختلف ورفضه والجواب على أن المجتمع السوري تعددي ونسيج من كل الألوان الجميلة الزاهية وأنه يمارس تعدديته في أجواء الحرية أي في المناطق التي خرجت من نفوذ سلطة الاستبداد .
  3 – السورييون الآن في وضع ثوري ويواجهون أعتى الدكتاتوريات ويقدمون الضحايا كل ساعة ويقاومون الآلة الحربية التدميرية من نظام الأسد وأسياده وأعوانه المعروفين وكما هو متعارف ومتفق عليه من جانب الثوار فان ثورتهم مازالت بمرحلتها الأولى وهي تتطلب تضافر الجهود وتوافق الجميع من مكونات قومية وأديان ومذاهب وتيارات سياسية حول المهمة المركزية الأساسية وهي اسقاط النظام ولايمنع ذلك من أن يقوم كل مكون أو فريق بمواجهة النظام على طريقته الخاصة وفي ظل  شعاراته الخاصة وبلغته الخاصة والمهم في الأمر هو التزام الجميع بالمبدأ العام للثورة والعمل في ظل علم الاستقلال حتى اجتياز المرحلة الأولى والانتقال الى مرحلة اعادة بناء الدولة حينها يكون صندوق الاقتراع هو الفيصل .
  4 – منذ الأسبوع الأول من اندلاع الانتفاضة الثورية شارك فيها الكرد في مناطقهم وفي حلب ودمشق عبر تنسيقياتهم الشبابية واحتضان شعبي واسع وتحت ظل علم الثورة علم الاستقلال الى جانب شعارهم القومي ذي الألوان ( الأحمر والأخضر والأبيض والأصفر ) وقد رفعوه كشعار ( على سبيل المثال في بلدان أوروبا كل مقاطعة لها شعارها الخاص الى جانب علم الدولة) وليس كعلم لأن الأخير يرمز الى الدولة والكرد مازالوا جزءا من الوطن السوري مؤمنون بشعار ( واحد واحد الشعب السوري واحد ) كما أنهم يعبرون حتى الآن في شعاراتهم الثورية ومطالبهم العامة والخاصة باللغتين العربية والكردية وهناك أيضا من يرفع علمه الحزبي أيضا وهو أيضا لن يضر اذا كان الى جانب علم الاستقلال  .
  5 – أرى أن هذه المظاهر لاتشكل نكوصا بالهوية الوطنية بل علامة فارقة بين عهدين : عهد الاستبداد وعهد الحرية ورفض لمنطق البعث ونظام الأسد في التعريف الأحادي القسري لمعنى الهوية السورية وعودة الى تعريف الثورة الديموقراطي الواقعي للمجتمع والدولة وللهوية الوطنية في المرحلة القادمة أي مجتمع تعددي متآلف متعايش ودولة تشاركية عادلة بين مكونات المجتمع القومية والدينية والمذهبية على قاعدة ( الاختلاف في اطار الاتحاد ) واجتماع الهويات الفرعية المتعددة في بوتقة الهوية الوطنية السائدة على كل الأراضي السورية .
      ان جغرافية سوريا وموقعها الاستراتيجي يؤهلانها لتقوم بدور مؤثر في السياستين الاقليمية والدولية اذا توفر النظام الديموقراطي والاجماع الشعبي ومافعله حافظ الأسد كان بعيدا عن هذه الحالة ( والنتائج الحالية خير دليل ) حيث عمل على بناء منظومة امنية وعسكرية موالية من لون واحد واستخدم امكانيات سوريا وجيشها ومنظومتها الأمنية لأغراض في خدمة حكمه الفئوي الشمولي بتخريب الوحدة الوطنية وممارسة العنصرية والطائفية والاساءة الى العمل العربي المشترك والتدخل في شؤون لبنان الشقيق وتقسيم منظمة التحرير الفلسطينية والقيام بدور ابتزازي تجاه بلدان الخليج في تحالفه مع أنظمة ايران في عهدي الشاه والجمهورية الاسلامية ولدى القول أنه حافظ على الاستقرار أرى أنه مثل أي دكتاتور على شاكلة هتلر أو صدام حسين قد فرض سطوته عن طريق القوة والتهديد والقتل وليس عبر الوسائل الديموقراطية المقنعة وكان استقرارا شكليا بدون أسس وقواعد أما وريثه الأسد الثاني فعلى خطى سلفه حاول ترسيخ المفهوم السابق للهوية الوطنية على الطريقة الاستبدادية الفئوية وتحت شعار الممانعة اللفظية التجارية هذه المرة ولكن الشعب السوري قال له لا وثار على نظامه الذي يسير نحو هاوية الانهيار .
        لقد قام هذا النظام منذ عام 1963 نتيجة انقلاب عسكري من جانب ضباط غلب عليهم الانتماء الحزبي البعثي بعد انقلاب مماثل في العراق وانحدر شيئا فشيئا من مشهد ادعاء تمثيل الشعب الى الدوائر الأضيق : الطائفة – العشيرة – العائلة – الفرد وهذا ماحصل مع نظام الأسد الذي قام باسم حزب البعث ” الذي يقود الدولة والمجتمع ” وانتهى به المطاف الى التمسك بالطائفة كرهينة ومحاولة زجها في معركة خاسرة ليست معركتها بل معركة نظام مستبد عنوانه عائلة الأسد في جميع الأحوال مازال الحاكم المسؤول الأول في حزب البعث الحاكم حسب الدستور والقوانين .
     في كل دولة بسيطة أو مركبة من لون واحد أو تعددية هناك هوية وطنية عامة شاملة والى جانبها هناك هويات فرعية والنظام الديموقرطي العادل هو الأمثل لتكامل وتماثل وتوافق كل الهويات وذلك من خلال تثبيت الحقوق والواجبات وتضمينها بالدستور والقوانين على قاعدة الاعتراف بوجود وحقوق كل مكون قوميا كان أم دينيا أم مذهبيا فمثلا في سوريا هناك هوية سورية وطنية لنا جميعا من عرب وكرد وغيرهما نعتز بها وللكرد في الوقت ذاته هوية قومية خاصة في اطار الهوية الوطنية لها مستحقات مثل الاعتراف بها والاستجابة لحقوقها ومطالبها بحسب ارادة الكرد أنفسهم واختياراتهم في تقرير مصيرهم الاداري والسياسي في اطار الدولة الوطنية الواحدة الموحدة .
     سوريا الجديدة القادمة كما نأمل ستكون وطنا سعيدا  لجميع مكوناتها وبدستور حديث ونظام سياسي ديموقراطي تعددي جديد وبثقافة سياسية جديدة وخطاب جديد وادارة شرعية توافقية جديدة وستؤسس الى جانب ذلك كله لتعريف جديد للهوية الوطنية فكل شيء في حياة الشعوب قابل للتغيير نحو الأفضل بمافي ذلك مضمون وشكل الهوية الوطنية .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…