zaramisto@yahoo.com
لقد أضحت المطالبة بالتغيير والتغير في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية سمة الحراك السياسي الدائر في المنطقة , وظاهرة مجتمعية تزداد وتيرتها يوماً بعد يوم, وهي تترافق مع مفاهيم العصر,وتفرض حضورها نتيجة الظروف السيئة التي فرضتها أنظمة الحكم بحق أبناء المنطقة من جهة, والتغيّرات الديمقراطية التي تجري في العالم وتدك معاقل القمع والاستبداد من جهة أخرى.
إنّ التغير في واقعنا والمطالبة به, بما يشكل ضرورة ملحة تساهم في بناء جوّ مناسب لانتشار أفكار جديدة , وخاصة في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان ومفاهيم العدل والحرية …الخ
إلا أنّ الإشكالية لا تكمن في آليات المطالبة فقط , وإنما في كيفية بناء الذهنية التي تؤمن بالديمقراطية, وتمتلك إرادة تجسيدها وممارستها وترجمتها على أرض الواقع , بحكم أنّ واقعنا المعاش لم يزل يفتقد إلى أرضية تؤسس لهذه الثقافة , كون الثقافة السائدة في مجتمعاتنا تقوم على أساس التحكم والاستبداد والإنكار والإلغاء , ولذلك أصبحت ذهنية الإنسان مشوهة, ومازالت تتشوه, بحكم ممارسة تلك الثقافة
وبناء على ذلك , فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه هل القوى المعارضة الموجودة في المنطقة قادرة على استيعاب التغيرات التي تجري على الصعيد الكوني , وهل تمتلك برنامجا تغيريا (ديمقراطيا) لواقعها؟؟؟
في الحقيقة إذا نظرنا إلى واقع القوى العربية التي تطرح نفسها في الساحة – باستثناء بعض رؤى – التي تدعي بأنها تعارض الأنظمة العربية, فإننا سنستنتج من خلال قراءتنا لمواقفها بأنها ترعرعت في أحضان تلك الثقافة التي نشأت عليها هذه الأنظمة, وبل إنها تنظر إلى كثير من القضايا المتعلقة في واقعنا , بمنظور تلك الأنظمة, وفي بعضها تراها بشكل أسوأ , كمسألة القوميات , و الدين والدولة , وحقوق المرأة, ومواقفها تجاه دول الغرب وحضارتها …..الخ.
فإذا أردنا أن نحدد العوائق التي تقف متحدّيا لتجسيد وترجمة الثقافة الديمقراطية والمؤسساتية وحقوق الإنسان في واقعنا فهي كثيرة ومنها :
– الذهنية المشوبة بالمفاهيم القبلية السلبية :
لقد جلبت العرب معها خلال توسعها في المنطقة العادات والتقاليد القبلية التي ما تزال تشكلّ لدى معظم المنظمات السياسية العربية الثقافة والخلفية المتينتين في عملها السياسي والنضالي , لقد خرجت من أحضان هذه الثقافة العشرات من المنظمات التكفيرية الظلامية التي تبيح القتل والدمار والإرهاب , وتفرّخ الحقد والكراهية ليس فقط بين الديانات السماوية , بل حتى بين أصحاب الديانة الواحدة , علماً أنّ الدين الإسلامي يحرّم ويحارب هذه الأفكار.
فإنّ معظم النظم السياسية العربية وراثية – فإن لم نقل كلها – تقوم على حكم العائلة والفرد والطائفة , لقد كانت هذه الظاهرة موجودة لدى العرب قبل الإسلام , وللأسف استمرّت بعد انتهاء عصر الخلفاء الراشدين , ومازالت مستمرة إلى هذه اللحظة , فالمأخذ هنا في احتكام وانتهاج هذه القوى إلى هذه الثقافة التي لا تلائم المرحلة .
و النظرة الدونية أو العدائية للشعوب غير العربية التي تجاورها أو تقطن معها في وطن واحد, رغم أن الدين الإسلامي يدعو إلى المساواة بين جميع الشعوب, فمثلا الكرد والأمازيغ والأقباط والجنوبيين في السودان وفي دار فور و… غيرهم الذين يقطنون مع العرب , ليس فقط حُرموا من حقوقهم القومية والدينية بل تعرضوا إلى العشرات من الحملات والمجازر من قبل الأنظمة الحاكمة, والتجاهل والإجحاف من قبل معظم المنظمات العربية غير الحكومية , ومازالت هذه الشعوب تعاني من هذه الثقافة وتبعاتها.
والنظرة الدونية إلى المرأة , إنّ المرأة لا تزال محرومة في مجتمعاتنا من أبسط حقوقها التي نصت عليها الشرائع والمواثيق, وتتعرض إلى اضطهاد مبرمج من قبل بعض الأنظمة العربية من خلال حرمانها من الحقوق السياسية والاجتماعية والإنسانية , فإنّ هذه الأمثلة التي ذكرناها كلّها هي انعكاس لتلك الذهنية القبلية, رغم أنّ لدى العرب كثيراً من العادات والتقاليد الحضارتين كالكرم والوفاء….الخ
– الأنظمة العربية الحاكمة:
لا شك أنّ معظم الأنظمة العربية تتعامل مع قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان والمعارضات السلمية بشكل عام بحظر كونها الخاسر الوحيد منها, ولذلك تحاربها على عدة جبهات :
– داخلياً : تعتبر هذه الأنظمة أنّ القوى التي تطالب وتطرح هذه الأفكار بأنها مرتبطة مع مراكز خارجية معادية ( أمريكا وإسرائيل وغيرها من الدول ), وإنها تريد زعزعة البلاد, وما شابه من هذه الأقاويل,ولذلك تقوم باعتقالات وكبت الحريات , ومنع النشاطات الثقافية و السياسية والحقوقية والمدنية …الخ, و السجون العربية تشهد بذلك.
خارجياً : تقوم بتشويه سمعة المعارضات الديمقراطية وتنعتها بالإرهاب والتطرف …الخ , علماً أنّ معظم الجماعات الإرهابية التي تقف عائقاً في وجه القوى الديمقراطية في المنطقة هي من صنعها أو تدعمها بشكل أو بآخر , بل هذه الأنظمة تتدخل وتحارب كلّ تجربة ديمقراطية جديدة تقوم في المنطقة بغية منعها, فالوضعان العراقي واللبناني يشهدان بذلك , وللأسف هناك دول أجنبية كبيرة تساند هذه الأنظمة, وتغض النظر عن ممارساتها غير الديمقراطية لحفاظ على مصالحها الاقتصادية والسياسية في المنطقة.
إذاً الحل ليس فقط يكمن في المطالبة ونشر الثقافة الديمقراطية ونبذ الذهنية القبلية, بل في الممارسات العملية لهذه الثقافة , ولو هذه الممارسة كانت على مستوى منظمة صغيرة أو نقابة أو جمعية, لأن أي طرح لا بدّ من أرضية مناسبة حين التطبيق والممارسة وإلا ستكون هذه الثقافة عبارة عن شعارات برّاقة خالية من أية فائدة مرجوة , فإنّ المهمة الأساسية تقع على عاتق المنظمات والنخب السياسية والثقافية في مجتمعاتنا لترجمة هذه الثقافة على أرض الواقع لبناء مجتمعات تسود فيها الحرية والعدل والعيش الكريم.
.