لاشك أن أجواء الاسبوع الأخير المشحونة بالاحتقان والملابسات وردود الفعل الغاضبة والترقب الحذر من جانب أهل الداخل الثوري تعيد مرة أخرى التساؤل التاريخي المشروع : مالعمل ازاء هذه الفجوة التي تتسع يوما بعد آخر بين قوى الثورة على الأرض من جهة وبين مختلف أنواع ” المعارضات ” السياسية من الجهة الأخرى لأسباب باتت واضحة وملموسة على ضوء حقائق لايمكن اخفاءها ومنها اندلعت الثورة منذ قرابة عامين ليس بقرار الأحزاب والجماعات التقليدية التي تشكل الجسم الأساسي الآن من هذه ” المعارضات ” وهي لم تعترف بالثورة أصلا الا بعد ستة وثمانية أشهر عندما حاولت الالتفاف عليها او التسلق اليها لاستثمارها لمصالحها الحزبية عبر بناء ” المجلس الوطني السوري ” بهيمنة واضحة من جماعات الاسلام السياسي وخاصة الاخوان المسلمين وخنوع فئات وأفراد (محسوبون على التيارات القومية والليبرالية ) بحثا عن مواقع ثم تتالت عملية تفريخ مجموعات ” معارضة ” بعضها خرج من كنف النظام السياسي الحاكم وبعضها تم تفريخه من أجهزة معروفة ومن بينهم وكأسوأ النماذج في زمن الثورة تيار يقوده مثقف معروف وقف تاريخيا الى جانب نظام الأسد ولم يقطع الصلة مع دعائمه مثل (الشرع وبثينة شعبان وعلي المملوك ) وتحمس تارة للحوار والتفاهم وتارة لدعم مبادرة كوفي عنان وأمانة للتاريخ أقول أن غالبية هؤلاء الأسماء والمسميات – بعقلياتها التقليدية – ولاأقول كلها ليست في وارد اسقاط نظام الاستبداد وتفكيك سلطته مؤسسات ورموزا وبنى وقواعد أمنية وحزبية واقتصادية واجتماعية بعكس ماتهدف اليه الثورة لذلك يمكن تفهم جوهر التناقض الحاصل الآن بين الثورة و” المعارضات ” ولاسبيل الى التصالح والتوافق بين نهجين متناقضين في الفكر والثقافة والموقف السياسي وذلك لايمنع أن تقوم الثورة بالتعامل مع الواقع كما هو وتدير معركتها السياسية الى جانب العسكرية وتتقبل حقيقة أن هناك وكما يؤكد تاريخ الحركات الثورية حليف الشبر والمتر والمرحلة وهناك التكتيك والستراتيجية واذا كانت الثورة قامت بمعزل عن هذه ” المعارضات ” فبامكانها الاستمرار بدونها أيضا .
ولذلك قلت قبل الآن أن السوريين باتوا وخاصة أهل الداخل الثوري من حراك وجيش حر على علم ودراية عن ما يطبخ لهم وما يخطط ضد ارادتهم ومايرسم لمستقبلهم من دون علمهم واستشارتهم خارج البلاد ولم يعد سرا مدى الابتزاز الرهيب الذي يتعرض له أهلنا الثائرون داخل الوطن وخاصة الشرفاء من ضباط وقيادات تشكيلات الجيش الحر والمقاومين في الحراك وتنسيقيات الشباب المستقلين من جانب المتنفذين والمتسلطين في ( المجلس والائتلاف ) تارة بالحصار التمويني وأخرى بالحرمان من السلاح والذخيرة مع مضاعفة الامدادات لجماعات الاسلام السياسي المقاتلة ومعظم الأحيان بحجب الاعلام وخاصة فضائيتا – الجزيرة والعربية – عن نشاطاتهم وانجازاتهم على الأرض ضد سلطة الاستبداد وليس هناك أي تفسير سياسي لما يتم من ضغوط على قوى الثورة الحقيقية سوى اجبارهم مكرهين على قبول مايخطط بالخارج وفي المقدمة الرضوخ لارادة وأجندة اقليمية ودولية تسعى للحفاظ على نظام الاستبداد حتى بدون الأسد وعدم تفكيكه تحت ذريعة مضللة وهي ” انقاذ الدولة والمجتمع من الانهيار ” والهدف الحقيقي هو منع قيام دولة جديدة ديموقراطية تعددية كنموذج فريد ناجز لربيع الثورات بارادة السوريين وقرارهم ولمصلحتهم ومن أجلهم .
ماتظهر من مواقف اقليمية ودولية (من الجائز أن تكون هناك مصلحة للقوى الدولية في الحفاظ على النظام وليس بالضرورة أن تتوافق مع مصالح الشعب السوري) ومن امتداداتها السورية عبر المؤتمرات والاجتماعات التي تعقد هنا وهناك بشأن الحل والحوار والتفاهم مع النظام ومانلحظه من مواقف متناقضة متباينة في صفوف ” المعارضات ” ليست الا صورة عن واقع الهجمة على الثورة السورية الوطنية ومحاولات اجهاضها ووقفها وهي تحقق كل يوم التقدم على الأرض رغم كل التضحيات الجسام وتلقن نظام الاستبداد ضربات موجعة قد تأتي بنهايته عاجلا أم آجلا والحل السلمي مقبول ومطلوب من جانب الثورة منذ اليوم الأول ولكن على اساس استسلام ورحيل نظام الاستبداد والحل كما طرحناه في مناسبات عديدة هو المضي قدما في عملية اسقاط النظام كما قرر شعبنا والاعتماد على الذات في دفع ثمن الحرية والكرامة وتجاوز المعارضات الفاشلة التي بدأت تعيق العمل الثوري وتشكل عالة على الثورة والشعب .