هذا ليس بحلم وانما حق أمة! .. ردّ على الأستاذ إسماعيل عمر رئيس حزب الوحدة الديموقراطي الكوردي في سوريا (يكيتي)

جان كورد

في مقابلة أجرتها “الصنارة” مع الأستاذ إسماعيل عمر، رئيس حزب الوحدة الديموقراطي الكوردي في سورية (يكيتي)، ونشرتها في عدد 26/1/2007، طرح الصحافي أحمد حازم الذي يبدو مطلّعاً بشكل جيّد على القضية الكوردية هذا السؤال من بين أسئلته الأخرى:
– ماذا عن تأسيس دولة كوردية؟ هل هذا الحلم لايزال قائماً؟
وبدلاً من أن يجيب الأستاذ إسماعيل عمر على سؤاله بسؤال كهذا: ” هل تعتقد أن من الانصاف أن يكون للشعب الفلسطيني دولة مستقلّة ولا يحق لهذه الأمة الكوردية التي يزيد عدد سكانها عن الفلسطينيين مرّات ومرّات ومساحة كوردستانها أكبر من فلسطين واسرائيل والكويت وقطر والبحرين والامارات ولبنان مجتمعة؟…” فقد قال بالنص الحرفي:
“- وبدلاً من أن يجيب الأستاذ إسماعيل عمر على سؤاله بسؤال كهذا: ” هل تعتقد أن من الانصاف أن يكون للشعب الفلسطيني دولة مستقلّة ولا يحق لهذه الأمة الكوردية التي يزيد عدد سكانها عن الفلسطينيين مرّات ومرّات ومساحة كوردستانها أكبر من فلسطين واسرائيل والكويت وقطر والبحرين والامارات ولبنان مجتمعة؟…” فقد قال بالنص الحرفي:
“- حل المسألة الكوردية يجب أن يتم داخل كل دولة يتواجد فيها الأكراد ( فلا يتحدّث هنا عن تقسيم لوطن كبير إسمه كوردستان وانما عن دول يتواجد فيها الأكراد!)، ونحن كشعب كوردي في سوريا (يتفادى ذكر كوردستان سوريا أو غرب كوردستان، فيبدو الأمر وكأن الكورد في الجزء السوري من كوردستان بلا أرض) فإن وضعنا مرتبط بوحدة البلاد وجغرافيتها، وأعتقد أنه لا لزوم للذهاب نحو الانفصال، رغم وجود حلم (أي ليس حق أمة في تقرير المصير حسب الشرعية الدولية، وانما حلم!) لبعض الناس العاطفيين باقامة دولة كوردية، لكن على صعيد الحركة السياسية العامة لا يوجد أي توجه نحو الانفصال.” (انتهى والجمل ضمن الأقواس عا ئدة لنا)…
إذا ما نظرنا بدّقة لاجابة الأستاذ إسماعيل عمر عن السؤال المطروح نجد أنه انجرّ وراء توصيف السائل الذي اعتبر الأمة الكوردية في حالة حلم، وأكّد على وجود هذا “الحلم” لدى فئة من غير “الحركة السياسية العامة!” ل “بعض الناس العاطفيين!” فأوقع نفسه في مطّب تم الاعداد له من قبل الصحافي عن سابق إصرار، إن كان يدري أو لايدري… ففي التاريخ الكوردي الحديث الكثير من هذا “الحلم” الذي وصف به السياسيون والصحافيون والمثقفون العرب والترك والفرس نضال الأمة الكوردية الشاق والطويل الأمد والذي قدّمت خلاله ملايين الشهداء، إلى أن تمكّن بعض الغوبلزيين العنصريين مستخدمين أسلوب “إكذب واكذب واكذب حتى يصدّقك الناس” من ترسيخ قناعاتهم في عقول ونفوس الكثيرين من أبناء وبنات هذه الأمة المنكوبة بسبب معاهدة استعمارية دنيئة، هي معاهدة سايكس – بيكو لعام 1916، بل حتى في أدمغة ساستها الذين يفترض فيهم أن يسيروا أمام العربة وليس خلفها… ولا يسعني هنا إلاّ أن أذكّر السيد رئيس الحزب الكوردي هذا بما كتبه عشرات المثقفين المحترمين من ترك وعرب وفرس ، سياسيين وشعراء وفنانين ورجال دين، من يساريين ويمينيين وإسلاميين ومسيحيين ويهود، ومن الذين يحبون أمتهم ويدافعون عنها صباح مساء، ومنهم رؤساء دول كمعمّر القذافي حول الحق الشرعي للأمة الكوردية في الحرية والوحدة والاستقلال، ومفندين في الوقت نفسه حجج وذرائع واتهامات العنصريين لدى شعوبهم، تلك التي ينفثونها حقداً على الأمة الكوردية… وهل يمكن نسيان البحث الرائع للعالم التركي الكبير الدكتور إسماعيل بشكجي ” كوردستان مستعمرة دولية!” والذي حوكم لأكثر من مائتي عام بسبب دفاعه المستميت عن حق هذه الأمة المجزّأة في الاستقلال… ثم أضطرت الحكومة التركية الطورانية المعادية للكورد وكوردستان إلى التخفيف من حكمه تحت ضغط المجتمع الدولي وبسبب صموده الفولاذي أمام شراسة الدولة… ولا مجال هنا لايراد مئات المقتطفات الصادقة لمختلف المهتمين بالقضية الكوردية من أبناء وبنات القوميات التي نعيش معها وبجوارها، فهذا سيخرجنا عن إطار المقال إلى بحث أكاديمي…
ومع احترامي لحق الأستاذ إسماعيل عمر في ابداء رأيه بالشكل الذي يراه مناسباً لسياسة حزبه ، ويقلل من فرص ايقاعه أو جرّه إلى مزالق لايريد الانزلاق إليها، وبخاصة عندما يقرأ رفاقه في “إعلان دمشق” أو من على شاكلتهم هذه المقابلة، وهو – ككثيرين من زعمائنا السياسيين – قد وضعوا نصب أعينهم كسب رضى وصداقة المعارض السوري بأي ثمن كان، حتى ولو كان على حساب الثوابت الأساسية للأمة التي ينتمي إليها ويزعم في الوقت نفسه أمام رفاقه أنه مستعد للموت في سبيل حقها العادل!!!… أقول مع احترامنا لرأيه فإن لنا أيضاً الحق في ابداء رأينا في موضوع هام كهذا… والحوار فيه خير، كما أن في الاختلاف رحمة….
إن اتهام شعب بكامله بالعاطفية لايقل جهلاً بحقائق الأمور وخطورة على بقاء الأمة الكوردية تحت الاضطهاد والظلم، فإن أكثر من 80% من أبناء وبنات شعبنا الكوردي في جنوب كوردستان “كوردستان العراق!” (وأقول شعبنا بإصرار لأن ليس هناك كوردي في العالم يعتبر الشعب الكوردي في هذا الجزء من كوردستان أو ذاك شعباً آخر) قد صوّت في استفتاء ديموقراطي حرّ ونزيه، العام الماضي، للاستقلال والانفصال عن العراق، رغم خطورة ما قد ينجم عن هذا الاختيار وعن ممارسة الحق في تقرير المصير، حسب القانون الدولي، وبخاصة خطورة تعرّض الاقليم الكوردي في العراق الفيدرالي إلى عدوان تركي بشع، حيث أن تركيا مستعدة لمحاربة أي انجاز كوردي كان، حتى ولو على ظهر المريخ، ناهيك عن إعلان دولة كوردية مستقلّة متاخمة لحدودها الدولية… إلاّ أن شعبنا المناضل، على الرغم من التزامه التام بالقوانين التي تصدر عن مؤسسته الديموقراطية العليا (البرلمان) وبقرارات قيادته السياسية الحكيمة المشتركة، وبأوامر رئيسه الأخ المحبوب مسعود البارزاني، قد عبّر عما يؤمن به ويتطلّع إلى تحقيقه، لا أقل ولا أكثر، ليكون ذلك واضحاً للمجتمع الدولي، وللأصدقاء والأعداء في المنطقة، على حد سواء، وليؤكّد بأنه ينتهز الفرصة التاريخية الملائمة لممارسة الحق الذي صوّت له حسب القانون الدولي الذي لايستثني أمة من الأمم أو قوماً من الأقوام.
فهل كان هذا حلماً يا سيدي الكريم؟ أكان هذا عملاً صبيانياً أو عاطفياً؟ أم ارادة شعب؟
الأستاذ إسماعيل عمر الذي نكن له الاحترام كونه رئيس حزب مناضل، ويقوم بواجبه الوطني السوري والقومي الكوردي حسب مقررات حزبه وطاقاته، ولأننا نريد تعلّم ابداء الرأي في حرية ونسعى لبناء مجتمع الديموقراطية، ربما يقصد “بعض الكورد السوريين فقط الذين ليس لهم تأثير في الحركة السياسية العامة!” وا لذين يطالبون باستقلال كوردستان جهاراً، بما فيه كوردستان سوريا، حيث لايمكن حسب رأي هؤلاء منح أو انتزاع الاستقلال لثلاثة أجزاء من كوردستان ونبذ الجزء الآخر أو التنازل عنه لأن في ذلك خيانة للأمة الكوردية… ولكن كسياسي كان الأجدر به أن يحترم حتى آراء هؤلاء، لأنه ما من استفتاء جرى أو يجري حول الموضوع  حتى يتعرّف به الأستاذ إسماعيل عمر على حقيقة ما يطلب به الشعب الكوردي في كوردستان سوريا… بل يجب احترام رأي كل إنسان في المجتمع حتى ولو كان فرداً مستقلاً لاعلاقة له بالسياسة ولايحق وصفه بالصبياني أوالعاطفي، فلربما يكون هو على حق والآخرون جميعاً على باطل..

فكم من شخص مثل العالم التركي إسماعيل بشكجي في تركيا، أو مثل الشاعر العربي الكبير محمد مهدي الجواهري الذي أطلق الحرية من القفص عندما قال:

قلبي لكوردستان يهدى والفم    **  ولقد يجود بأصغريه المعدم

إلى أن قال في نهاية قصيدته:

شعب دعائمه الجماجم والدم  **  تتحطّم الدنيا ولا يتحطّم

 

أو الأستاذ محمود درويش في قصيدته الرائعة “كوردستان” التي يقول فيها عن الكورد:

 

يا حارسين الشمس من أصفاد أشباه الرجال

إن نضال أمتكم نضالي

إن خرّ منكم فارس شدّت على عنقي حبالي….

 

برأيي أن كان على الأستاذ إسماعيل عمر قراءة الظروف الدولية والاقليمية التي تتغيّر بسرعة مذهلة قراءة أعمق، ولا أحد يعلم حقيقة كيف ستكون خارطة المستقبل في المنطقة، ومن ضمنها كوردستان “وطن الكورد”…وأن لايهمل عنصر “المفاجأة” … فهل كان الأستاذ الكريم يتوّقع ما نراه الآن في جنوب كوردستان، قبل حرب الكويت مثلاً؟…  وكان بالامكان صوغ جوابه بشكل بسيط دون أن يؤذي مشاعر أحد، كأن يقول: ” ليس هناك حزب في سوريا يطالب في برنامجه بالانفصال أو الاستقلال.” وهذه حقيقة…
أو يقول – إن كان يضع مصلحته الحزبية فوق كل شيء- :” نعم، هناك من يطالب باستقلال كوردستان، وعلى العرب دعم حزبنا بقوّة حتى نقضي على هذه الأفكارالانفصالية  الهدّامة في المجتمع الكوردي !!!”

 

أو يقول:” بصراحة هناك حلم كوردي في الاستقلال، لا أستطيع إنكاره، ولكننا كما ترون دفناه معاً بتوقيعنا على إعلان دمشق، أفلا يكفي هذا لاثبات رفضنا للانفصالية الكوردية؟.”

 

أتذكّر أن الدكتور مظفّر بارتوماه (عليه رحمة الله) عضو لجنة الوساطة بين الحركة الكوردية السياسية في شرق كوردستان (كوردستان إيران!) ومكتب القرآن للعلاّمة أحمد مفتي زاده (عليه رحمة الله) والحكومة الايرانية بعد الاطاحة بحكم الشاه المقبور قال لي في ثمانينات القرن الماضي: “في لقاء مع السيد رئيس جمهورية إيران الإٍسلامية بني صدر سألني الرئيس عما يطالب به الكورد حقاً، فقلت له: هناك الكومه له والبارتي وأتباع مكتب القرآن، كلهم يطالبون بالخودموختاري ضمن حدود الدولة الايرانية الموّحدة، فقال بني صدر مبتسماً:” لو كنت أصدّق بأن الكورد يطالبون فقط بالحكم الذاتي لمنحتهم إياه، ولكن ليس هناك كوردي لايسعى ضمناً من أجل الاستقلال!.”

 

إننا – كناشطين أكراد – يجب أن نقول الحقيقة لجيراننا وأصدقائنا وليسمعها القاصي والداني أيضاً، إذ أن العالم من حولنا واع ومدرك، والجميع يعلمون بأن هذه الأمّة التي ضحّت بالكثير من شبابها وثروتها وطاقاتها من أجل الحرّية لها الحق في الوحدة والاستقلال ولن تتوانى عن انتزاع ذلك الحق فيما إذا سنحت لها الظروف الاقليمية والدولية بذلك، إلاّ أنها عاجزت الآن عن السير حتى النهاية في هذا الطريق بسبب تشتت قواها، وبرامج أحزابها، وكثرة أعدائها، وعدم اهتمام المجتمع الدولي بشكل حازم بقضيتها القومية لأسباب سياسية – اقتصادية واستراتيجية، على الرغم من التحسّن الملحوظ مؤخّراً في المواقف المختلفة لأطراف عدّة من هذا المجتمع الذي لا ينكر أصلاً أن للأمة الكوردية أيضاً الحق في تقرير المصير بالشكل الذي تريده، فهو لايستثنيها من هذا الحق الدولي… ولايعتبر المطالبة باستقلال الكورد “عاطفية!”…

 

وما أجمل صياغة قادة كوردستان العراق في هذا الشأن عندما يقولون للإعلام العربي والتركي والفارسي والايراني، بل أمام برلمان كوردستان: ” للأمة الكوردية حق اقامة دولتها المستقلّة الموحدة، إلا أن ظروفنا الذاتية والموضوعية لاتسمح لنا بذلك اليوم في كوردستان العراق.” دون إفراط أو تفريط…وما أوضح تعبيراً ما أكّد عليه الأخ المناضل مسعود البارزاني رئيس كوردستان مراراً:
” إذا ما طالبني الشعب الكوردي وبرلمان كوردستان بإعلان استقلال كوردستان فإنني سأقوم بتنفيذ ذلك دون تردد.” وهذا ما كان على الأستاذ إسماعيل عمر عدم نسيانه لدى اجابته على سؤال “الصنارة” حول الموضوع… فهذا موقف واضح لرئيس صادق مع شعبه ومع العراق الذي يعيش فيه بعيداً عن الرياء والنفاق السياسي، ولايعرّضه إلى النقد، كما أنه لم يجرح بذلك شعور أحد.

 

———–

بامكانكم متابعة حوار مجلة الصنارة مع الأستاذ إسماعيل عمر على ملف  PDFبالنقر على الرابط التالي:

http://www.welateme.net/erebi/3/sanara.pdf

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…