جان كورد
– ماذا عن تأسيس دولة كوردية؟ هل هذا الحلم لايزال قائماً؟
وبدلاً من أن يجيب الأستاذ إسماعيل عمر على سؤاله بسؤال كهذا: ” هل تعتقد أن من الانصاف أن يكون للشعب الفلسطيني دولة مستقلّة ولا يحق لهذه الأمة الكوردية التي يزيد عدد سكانها عن الفلسطينيين مرّات ومرّات ومساحة كوردستانها أكبر من فلسطين واسرائيل والكويت وقطر والبحرين والامارات ولبنان مجتمعة؟…” فقد قال بالنص الحرفي:
ومع احترامي لحق الأستاذ إسماعيل عمر في ابداء رأيه بالشكل الذي يراه مناسباً لسياسة حزبه ، ويقلل من فرص ايقاعه أو جرّه إلى مزالق لايريد الانزلاق إليها، وبخاصة عندما يقرأ رفاقه في “إعلان دمشق” أو من على شاكلتهم هذه المقابلة، وهو – ككثيرين من زعمائنا السياسيين – قد وضعوا نصب أعينهم كسب رضى وصداقة المعارض السوري بأي ثمن كان، حتى ولو كان على حساب الثوابت الأساسية للأمة التي ينتمي إليها ويزعم في الوقت نفسه أمام رفاقه أنه مستعد للموت في سبيل حقها العادل!!!… أقول مع احترامنا لرأيه فإن لنا أيضاً الحق في ابداء رأينا في موضوع هام كهذا… والحوار فيه خير، كما أن في الاختلاف رحمة….
إن اتهام شعب بكامله بالعاطفية لايقل جهلاً بحقائق الأمور وخطورة على بقاء الأمة الكوردية تحت الاضطهاد والظلم، فإن أكثر من 80% من أبناء وبنات شعبنا الكوردي في جنوب كوردستان “كوردستان العراق!” (وأقول شعبنا بإصرار لأن ليس هناك كوردي في العالم يعتبر الشعب الكوردي في هذا الجزء من كوردستان أو ذاك شعباً آخر) قد صوّت في استفتاء ديموقراطي حرّ ونزيه، العام الماضي، للاستقلال والانفصال عن العراق، رغم خطورة ما قد ينجم عن هذا الاختيار وعن ممارسة الحق في تقرير المصير، حسب القانون الدولي، وبخاصة خطورة تعرّض الاقليم الكوردي في العراق الفيدرالي إلى عدوان تركي بشع، حيث أن تركيا مستعدة لمحاربة أي انجاز كوردي كان، حتى ولو على ظهر المريخ، ناهيك عن إعلان دولة كوردية مستقلّة متاخمة لحدودها الدولية… إلاّ أن شعبنا المناضل، على الرغم من التزامه التام بالقوانين التي تصدر عن مؤسسته الديموقراطية العليا (البرلمان) وبقرارات قيادته السياسية الحكيمة المشتركة، وبأوامر رئيسه الأخ المحبوب مسعود البارزاني، قد عبّر عما يؤمن به ويتطلّع إلى تحقيقه، لا أقل ولا أكثر، ليكون ذلك واضحاً للمجتمع الدولي، وللأصدقاء والأعداء في المنطقة، على حد سواء، وليؤكّد بأنه ينتهز الفرصة التاريخية الملائمة لممارسة الحق الذي صوّت له حسب القانون الدولي الذي لايستثني أمة من الأمم أو قوماً من الأقوام.
فهل كان هذا حلماً يا سيدي الكريم؟ أكان هذا عملاً صبيانياً أو عاطفياً؟ أم ارادة شعب؟
الأستاذ إسماعيل عمر الذي نكن له الاحترام كونه رئيس حزب مناضل، ويقوم بواجبه الوطني السوري والقومي الكوردي حسب مقررات حزبه وطاقاته، ولأننا نريد تعلّم ابداء الرأي في حرية ونسعى لبناء مجتمع الديموقراطية، ربما يقصد “بعض الكورد السوريين فقط الذين ليس لهم تأثير في الحركة السياسية العامة!” وا لذين يطالبون باستقلال كوردستان جهاراً، بما فيه كوردستان سوريا، حيث لايمكن حسب رأي هؤلاء منح أو انتزاع الاستقلال لثلاثة أجزاء من كوردستان ونبذ الجزء الآخر أو التنازل عنه لأن في ذلك خيانة للأمة الكوردية… ولكن كسياسي كان الأجدر به أن يحترم حتى آراء هؤلاء، لأنه ما من استفتاء جرى أو يجري حول الموضوع حتى يتعرّف به الأستاذ إسماعيل عمر على حقيقة ما يطلب به الشعب الكوردي في كوردستان سوريا… بل يجب احترام رأي كل إنسان في المجتمع حتى ولو كان فرداً مستقلاً لاعلاقة له بالسياسة ولايحق وصفه بالصبياني أوالعاطفي، فلربما يكون هو على حق والآخرون جميعاً على باطل..
فكم من شخص مثل العالم التركي إسماعيل بشكجي في تركيا، أو مثل الشاعر العربي الكبير محمد مهدي الجواهري الذي أطلق الحرية من القفص عندما قال:
قلبي لكوردستان يهدى والفم ** ولقد يجود بأصغريه المعدم
إلى أن قال في نهاية قصيدته:
شعب دعائمه الجماجم والدم ** تتحطّم الدنيا ولا يتحطّم
أو الأستاذ محمود درويش في قصيدته الرائعة “كوردستان” التي يقول فيها عن الكورد:
يا حارسين الشمس من أصفاد أشباه الرجال
إن نضال أمتكم نضالي
إن خرّ منكم فارس شدّت على عنقي حبالي….
برأيي أن كان على الأستاذ إسماعيل عمر قراءة الظروف الدولية والاقليمية التي تتغيّر بسرعة مذهلة قراءة أعمق، ولا أحد يعلم حقيقة كيف ستكون خارطة المستقبل في المنطقة، ومن ضمنها كوردستان “وطن الكورد”…وأن لايهمل عنصر “المفاجأة” … فهل كان الأستاذ الكريم يتوّقع ما نراه الآن في جنوب كوردستان، قبل حرب الكويت مثلاً؟… وكان بالامكان صوغ جوابه بشكل بسيط دون أن يؤذي مشاعر أحد، كأن يقول: ” ليس هناك حزب في سوريا يطالب في برنامجه بالانفصال أو الاستقلال.” وهذه حقيقة…
أو يقول – إن كان يضع مصلحته الحزبية فوق كل شيء- :” نعم، هناك من يطالب باستقلال كوردستان، وعلى العرب دعم حزبنا بقوّة حتى نقضي على هذه الأفكارالانفصالية الهدّامة في المجتمع الكوردي !!!”
أو يقول:” بصراحة هناك حلم كوردي في الاستقلال، لا أستطيع إنكاره، ولكننا كما ترون دفناه معاً بتوقيعنا على إعلان دمشق، أفلا يكفي هذا لاثبات رفضنا للانفصالية الكوردية؟.”
أتذكّر أن الدكتور مظفّر بارتوماه (عليه رحمة الله) عضو لجنة الوساطة بين الحركة الكوردية السياسية في شرق كوردستان (كوردستان إيران!) ومكتب القرآن للعلاّمة أحمد مفتي زاده (عليه رحمة الله) والحكومة الايرانية بعد الاطاحة بحكم الشاه المقبور قال لي في ثمانينات القرن الماضي: “في لقاء مع السيد رئيس جمهورية إيران الإٍسلامية بني صدر سألني الرئيس عما يطالب به الكورد حقاً، فقلت له: هناك الكومه له والبارتي وأتباع مكتب القرآن، كلهم يطالبون بالخودموختاري ضمن حدود الدولة الايرانية الموّحدة، فقال بني صدر مبتسماً:” لو كنت أصدّق بأن الكورد يطالبون فقط بالحكم الذاتي لمنحتهم إياه، ولكن ليس هناك كوردي لايسعى ضمناً من أجل الاستقلال!.”
إننا – كناشطين أكراد – يجب أن نقول الحقيقة لجيراننا وأصدقائنا وليسمعها القاصي والداني أيضاً، إذ أن العالم من حولنا واع ومدرك، والجميع يعلمون بأن هذه الأمّة التي ضحّت بالكثير من شبابها وثروتها وطاقاتها من أجل الحرّية لها الحق في الوحدة والاستقلال ولن تتوانى عن انتزاع ذلك الحق فيما إذا سنحت لها الظروف الاقليمية والدولية بذلك، إلاّ أنها عاجزت الآن عن السير حتى النهاية في هذا الطريق بسبب تشتت قواها، وبرامج أحزابها، وكثرة أعدائها، وعدم اهتمام المجتمع الدولي بشكل حازم بقضيتها القومية لأسباب سياسية – اقتصادية واستراتيجية، على الرغم من التحسّن الملحوظ مؤخّراً في المواقف المختلفة لأطراف عدّة من هذا المجتمع الذي لا ينكر أصلاً أن للأمة الكوردية أيضاً الحق في تقرير المصير بالشكل الذي تريده، فهو لايستثنيها من هذا الحق الدولي… ولايعتبر المطالبة باستقلال الكورد “عاطفية!”…
وما أجمل صياغة قادة كوردستان العراق في هذا الشأن عندما يقولون للإعلام العربي والتركي والفارسي والايراني، بل أمام برلمان كوردستان: ” للأمة الكوردية حق اقامة دولتها المستقلّة الموحدة، إلا أن ظروفنا الذاتية والموضوعية لاتسمح لنا بذلك اليوم في كوردستان العراق.” دون إفراط أو تفريط…وما أوضح تعبيراً ما أكّد عليه الأخ المناضل مسعود البارزاني رئيس كوردستان مراراً:
” إذا ما طالبني الشعب الكوردي وبرلمان كوردستان بإعلان استقلال كوردستان فإنني سأقوم بتنفيذ ذلك دون تردد.” وهذا ما كان على الأستاذ إسماعيل عمر عدم نسيانه لدى اجابته على سؤال “الصنارة” حول الموضوع… فهذا موقف واضح لرئيس صادق مع شعبه ومع العراق الذي يعيش فيه بعيداً عن الرياء والنفاق السياسي، ولايعرّضه إلى النقد، كما أنه لم يجرح بذلك شعور أحد.
———–
بامكانكم متابعة حوار مجلة الصنارة مع الأستاذ إسماعيل عمر على ملف PDFبالنقر على الرابط التالي: