المعارضة السورية والقضية الكردية

سعيد فرمان 
– ثبُت بما لا يدع مجالاً للشك أن المعارضة السورية بأغلبية أطيافها وانتماءاتها , ومن خلال اللقاءات العديدة والمتتالية التي جرت معها لم تستطع حتى الآن تجاوز عقدها العنصرية والارتقاء بمواقفها السياسية اتجاه القضية الكردية والتجاوب مع الأطروحات الواقعية بخصوص هذه المسألة الوطنية وحلها بالركون لمنطق الاستحقاق الجغرافي – التاريخي – السياسي الذي يقر ولا يلغي , ويؤكد ولا يدحض حقيقة الوجود الكردي على جغرافيته القومية في مختلف مراحل التاريخ.
– لقد علق الكرد آمالاً كبيرة على مواقف المعارضة العربية السورية لجهة تبني حل وطني – عادل لقضية الشعب الكردي في سوريا , ورفع حالة الغبن والإنكار والتهميش الذي لحق به على أيدي الأنظمة المتعاقبة على دست الحكم في سوريا , وقد تنامت تلك الآمال وكبُرت مع الأيام خاصة مع بدء انطلاقة الثورة السورية ( بطابعها السلمي – المدني ) ,
 لكن الذي حدث وأصبح مكشوفاً لكل من يريد أن يرى الحقيقة , أن المعارضة العربية السورية بشقيها السياسي والمسلح قد خيبت تلك الآمال والمراهنات التي طالما تمسك بها بعض الناس حتى الأمس القريب وبنوا عليه سياسياً , فمن جهة وعلى مستوى مواقف المعارضة السياسية وتحديداً ما يسمى بالائتلاف الوطني الذي يضم في صفوفه المجلس الوطني السوري ( إخوان المسلمين ) لم يتمكن هذا الائتلاف حتى هذه اللحظة أن يبلور رؤية أو موقف إيجابي واضح من قضية الشعب الكردي ومن مطالبه العادلة  لكونه غير مؤمن وغير مقتنع بها وذلك حسب المعطيات والتصريحات التي تطلق من قبل قادته ورموزه الاعتبارية  , وعلى صعيد مواقف وممارسات الشق العسكري لهذه المعارضة وهو الأكثر وضوحاً وجلاءً وذلك من خلال الهجمات البربرية التي قامت بها , ولا تزال تقوم بها الجماعات والعصابات العنصرية والتكفيرية التي تصنف نفسها على أنها جزء من الجيش الحر المدعومة من الدولة التركية ( عصابات نواف البشير وأمثاله )  على مدينة سري كانيي ( رأس العين ) ذات الانتماء الكردي , هذه الممارسات  والمواقف المعادية للشعب الكردي تبرهن يوماً بعد يوم أن عقلية المعارضة السورية ( يستثنى عن هذا التوصيف بعض الرموز الوطنية المعروفة ) بأغلبية ألوانها وانتماءاتها السياسية والعقائدية لا زالت على صعيد تعاملها مع القضية الكردية تلك العقلية التي تعتمد وصايا الشوفيني سيء الصيت محمد طلب هلال في بعض فقراتها وبنودها , وتقتبس منها .
– إن محاولات تقزيم القضية الكردية في سوريا وتبسيطها وحصرها في مسائل ثانوية وشكلية كمسألة المواطنة المجردة من أية خصوصية ومسائل أخرى فولكلورية , أو وضعها في مصاف ما يطرح باسم المسألة التركمانية لن تلاقي آذان صاغية لها بين أبناء الشعب الكردي , ولن تفلح تلك المحاولات أن تجر الكرد في سوريا إلى فلك مشاريع وخطط يديرها ويرعاها داوود أوغلو وزير خارجية تركيا ( صاحب طرح العمق الاستراتيجي لتركيا في المنطقة ) المستمر مع طاقمه الحاكم في قمع الشعب الكردي الذي  يزيد تعداده عن/ 20/ مليون نسمة .
– لقد كانت القضية الكردي في سوريا ولا تزال قضية شعب متواجد على أرض آبائه وأجداده , وقد ناضل الشعب الكردي طيلة عهود ومنذ بدايات تشكيل الدولة السورية  من أجل تثبيت الحقوق ونبذ مقولة لاجئ أو ضيف عن نفسه رغم كافة الصعاب التي كانت تعترض مسيرته النضالية , واليوم وسوريا تعيش لحظة انعطاف حاسمة ولا زال البعض ممن يسمون أنفسهم بالمعارضة ينظرون إلى القضية الكردية من منطلقات شوفينية – عنصرية لا تتلاءم مع المنحى العام للتوجه العالمي في هذه المرحلة , ولا مع المواثيق والقوانين الدولية التي تقر للشعوب والأثنيات بحقوقها القومية بشكل واضح وشفاف .
– إن التجربة التاريخية للشعب الكردي مع الأنظمة الغاصبة لأرضه وحقوقه القومية حافلة ومليئة بحالات الالتفاف على مطالبه وحقوقه القومية رغم الإقرار بتلك الحقوق والاعتراف بها من قبل بعض من تعاون معهم الكرد وقدم لهم الدعم والمساعدة , وتحالف معهم في الأطر الوطنية , تلك الأطر الوطنية التي يدعون التمسك بها واحتكار مسألة الانتماء إليه حق لهم فقط وحرام على الآخرين وذلك وفق مقاسات ومعايير معبرة عن رؤية أحادية للأمور وتتجاهل الآخر المختلف في الرؤية والطرح والانتماء , لذلك فإن المرحلة الراهنة تستدعي أخذ الحيطة والحزر من قبل أبنا شعبنا الكردي بكافة قواه السياسية والاجتماعية والثقافية والمسلحة كي لا يقع شعبنا مرة أخرى في أفخاخ المعارضات التي تدعي الديمقراطية والعدالة والمساواة , وكي لا يصبح مادة رخيصة في مخابر الآخرين لتمرير تجاربهم ومخططاتهم التي لم تبتعد يوماً عن قناعاتهم وتوجهاتهم القومية والعرقية , تلك الجهات التي لا تعترف بالآخر المختلف عرقياً وثقافياً إلا في الحدود التي تجرد ذلك المختلف من خصوصيته وسمات انتمائه القومي والعرقي.
   
  2013 /  1 / 23

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…