جدلية الاتفاق والاختلاف داخل الثورة السورية

صلاح بدرالدين

  لسنا الآن بصدد بحث قضايا الصراع الرئيسي بين الشعب وثورته من جهة ونظام الاستبداد وقواه العسكرية والأمنية والموالين له من شبيحة وتابعين من أصحاب المصالح من جهة أخرى كما لسنا في مجال تحديد أوجه التناقض مع أطراف سياسية تدعي المعارضة ولكنها تتواطأ مع النظام في الغرف المظلمة وبالأخير لاتدعو الحاجة الى اعادة تكرار فتح صفحات ملف تلك الأطراف الاقليمية والدولية في معاداة شعبنا من جهة أخرى لسبب بغاية البساطة وهو أن هذه الجهات فرضت على شعبنا وثورتنا معركة مصيرية لابد من حسمها لصالح الحرية والكرامة مها طال الأمد بل أن الهدف من هذه الاطلالة هو تسليط الضوء على مسائل التمايزات والاختلافات في البيت الداخلي وبين صفوف أبناء الخندق الواحد الذين آمنوا بأهداف الثورة وارتضوا سلوك طريق التضحية بالنفس وتحمل الصعاب ويسعون عن اقتناع بمختلف الوسائل السياسية السلمية والدفاعية المقاومة الى اسقاط نظام الاستبداد في المرحلة الأولى من مسيرة الثورة .
 الثورة السورية كأحد تجليات ربيع الثورات قامت كما هو معلوم بمبادرة شبابية واحتضان شعبي بحثا عن الحرية والكرامة وهي وان اختلفت من حيث الزمان والمحرك والشعارات والأهداف القريبة والأسباب المباشرة مع الثورة الوطنية ضد الانتداب ومن أجل الاستقلال قبل أكثر من نصف قرن كجزء من حركات التحرر في المنطقة والعالم الا أنها تتطابق معها من حيث متطلبات وحدة الصف وقانون التحالفات الذي يقضي بجواز التعاون والعمل المشترك مع طبقات وفئات وتيارات في مرحلة معينة وحول هدف محدد ثم احتمال الصراع معها حول طبيعة اعادة بناء الدولة والدستور في مراحل لاحقة .

  لم يعد سرا مواجهة ثورات الربيع – الناجزة – في مراحلها الأولى بمصر وتونس وليبيا لتحديات الاسلام السياسي الذي خان العهد والأمانة وتحول الى مايشبه الثورة المضادة بعد أن فاز بالانتخابات ولو بنسبة ضئيلة وبدأنا نسمع شعارات جديدة من ثوار الأمس في ساحة التحرير وشارع بورقيبة تطالب ليس فقط بثورة جديدة بل باسقاط حكومتي الاخوان المسلمين كما لم يعد سرا مدى الفجوة التي تتوسع يوما بعد يوم بين قوى الثورة السورية من تنسيقيات وحراك وطني ديموقراطي عام وجيش حر من جهة وبين جماعات الاسلام السياسي – الثائرة – الفالتة من عقالها وغير الملتزمة لا بالخط السياسي العام للثورة ولا بقرارات قيادات الجيش الحر في المجال العسكري من الجهة الأخرى ومن أوجه تفاقم الأزمة في الحالة السورية ما نلحظه من ارتباك واضح في الأداء السياسي لمختلف تنظيمات المعارضة وفي المقدمة ” الائتلاف الوطني ” واخفاق الداخل الثوري في انجاز خطوات الوحدة ان كان بين كتائب الجيش الحر أو بينها وبين أطراف الحراك الأخرى ومايتعلق الأمر بالمجلس والائتلاف لم يعد هناك في الأفق أي بصيص أمل بأن تعاد الروح اليهما لأن الأزمة بنوية تتعلق كما يعرف القاصي والداني باليوم الأول من قيام المجلس باشراف وادارة الاخوان المسلمين وتواطىء تيارات وأفراد كانت محسوبة على الخط الديموقراطي والليبرالي ولم يظهر الائتلاف الا كوليد كسيح خرج من رحم سلفه الاشكالي الفاشل وغير المعبر عن مكونات الشعب السوري الذي أستبعد الوطنيين والمناضلين المناوئين لخط الاخوان المسلمين ثم أصبح ممرا لتوافد مجموعات اسلامية من كل حدب وصوب والتي تثار من حولها شبهات الارهاب والارتباط بالقاعدة السلفية الجهادية وتستخدم في الاعلام الرسمي وفي منابر حلفاء النظام وخاصة ايران وروسيا ضد الثورة وقواها .
  ليس هناك في بلادنا وضمن ثورتنا من فائدة للبكاء على الأطلال وتوجيه اللوم الى هذا الطرف وذاك بل يجب أن يكون الشعور بالمسؤولية الوطنية سيد الموقف والعمل الجاد من أجل تصحيح الوضع وتقويم الاعوجاج وذلك عبر التأكيد على الحقائق والثوابت والمهام التالية :
  1 – ليس صحيحا مايردده البعض من أن ” صعود الجهاديين وجماعات الاسلام السياسي يكشف عن الجانب المظلم من ثورات الربيع العربي ” لأن ظهور هؤلاء بدأ منذ أكثر من ثلاثة عقود في الشرق الأوسط – الكبير – والعالم ووجدوا لهم بيئة مواتية في بلداننا وفي سوريا بالذات بعد فشل أنظمة البورجوازية – العسكريتارية الحاكمة في انجاز البرنامج الوطني الديموقراطي واخفاق الآيديولوجيات ( القومية – البعثية والشيوعية ) كما أن هذه الانتفاضات الثورية وبطابعها السلمي بالجوهر هي النقيض لأفكار وبرامج ووسائل وممارسات جماعات الاسلام السياسي بكل مسمياتها .
  2 – كما أنه ليس صحيحا أيضا أن أنظمة الاستبداد والدكتاتورية المخلوعة منها أو المرشحة للسقوط كانت تشكل مانعا لانتشار الجماعات الجهادية – الارهابية بل بالعكس تماما هي من تولت رعايتها لاستخدامها ضد الخصوم من المعارضة الديموقراطية رغم أن السحر انقلب على الساحر أحيانا والأنظمة الأمنية القمعية هي السبب في لجوء جماعات وفئات وخاصة من أبناء القوميات والمكونات الأقل عددا والمغلوبة على أمرها الى السلاح لرفع الظلم عنها وتحقيق أهدافها فعلى سبيل المثال لو تمت معالجة قضية الطوارق أو الأمازيغ في الجزائر ومالي بصورة عادلة لما كان قسم من هؤلاء مع الارهابيين الاسلاميين الآن وهذه قاعدة تسري على معظم التجارب والحالات وخاصة الحالة السورية وتجلياتها في العديد من المناطق .
  3 – من أجل ايجاد حل لاشكالية التعارضات في داخل الثورة السورية والتي قد تتطور الى مالايحمد عقباه لابد من توحيد صفوف الجيش الحر تحت قيادة مركزية واحدة تضم ممثلين عن كافة الأطياف والمكونات والمناطق وبمشاركة التنسيقيات وكافة أطراف الحراك وبموازاة ذلك لابد من اعادة بناء الجناح السياسي للثورة من الداخل والخارج بموافقة القيادة العامة في الداخل ومباركتها وقد تتم الاستفادة اذا دعت الحاجة من بعض العناصر الاختصاصية وليس العقائدية والحزبية في ( المجلس والائتلاف ) ذلك الجناح السياسي سيعبر عن أهداف ومواقف الثورة أمام المحافل الخارجية ويناط به مهام محددة يتم الاتفاق حولها .
  4 – تقوم القيادة الثورية المشتركة بالتحاور مع المجموعات الاسلامية وألويتها المسلحة وتضعها أمام خيارين لاثالث لهما : اما الالتزام الكامل بقرارات القيادة والمشاركة أيضا والكف عن نشر الدعوات من أجل اقامة دولة الخلافة أو ماشابه ووقف كل التهديدات ذات الطابع الديني – المذهبي أو العنصري ضد المكونات الوطنية المتآخية ومراعاة الطبيعة التعددية للمجتمع السوري والتركيز فقط على مهمة اسقاط النظام اسوة بالأطراف السياسية الأخرى بالثورة من علمانية وديموقراطية وليبرالية وتأجيل كل التمنيات الخاصة الى حين الانتقال الى مرحلة اعادة بناء الدولة وصياغة الدستور والارتهان حينها الى صناديق الاقتراع أو مغادرة الثورة ومناطقها المحررة على الفور .
   لاأعتقد أن هناك خيارا آخر أمامنا سوى ذلك اذا أردنا الحفاظ على ثورتنا التي استشهد في سبيل مبادئها وشعاراتها عشرات الآلاف من خيرة بناتنا وأبنائنا ومئات الآلاف من الجرحى والمعتقلين وملايين النازحين والمهجرين وصيانتها من أية ردة مضادة في وقت تصعد فيه سلطة الاستبداد من آلة القتل والدمار وتوحي بخيارات الحرب الأهلية وتضاعف قوى خارجية مثل روسيا وايران امداداتها العسكرية والمالية لانقاذ نظام الأسد ويتراجع – أصدقاء ! ؟ – الشعب السوري عن التزاماتهم تحت ذرائع وحجج متعددة من بينها التشكيك بصدقية وقدرة ( المجلس والائتلاف ) والحذر من جماعات ارهابية داخل الثورة وهذه كلها برسم جميع من يهمه مصير الشعب والثورة ومستقبل الأجيال .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…