لم يعد سرا مواجهة ثورات الربيع – الناجزة – في مراحلها الأولى بمصر وتونس وليبيا لتحديات الاسلام السياسي الذي خان العهد والأمانة وتحول الى مايشبه الثورة المضادة بعد أن فاز بالانتخابات ولو بنسبة ضئيلة وبدأنا نسمع شعارات جديدة من ثوار الأمس في ساحة التحرير وشارع بورقيبة تطالب ليس فقط بثورة جديدة بل باسقاط حكومتي الاخوان المسلمين كما لم يعد سرا مدى الفجوة التي تتوسع يوما بعد يوم بين قوى الثورة السورية من تنسيقيات وحراك وطني ديموقراطي عام وجيش حر من جهة وبين جماعات الاسلام السياسي – الثائرة – الفالتة من عقالها وغير الملتزمة لا بالخط السياسي العام للثورة ولا بقرارات قيادات الجيش الحر في المجال العسكري من الجهة الأخرى ومن أوجه تفاقم الأزمة في الحالة السورية ما نلحظه من ارتباك واضح في الأداء السياسي لمختلف تنظيمات المعارضة وفي المقدمة ” الائتلاف الوطني ” واخفاق الداخل الثوري في انجاز خطوات الوحدة ان كان بين كتائب الجيش الحر أو بينها وبين أطراف الحراك الأخرى ومايتعلق الأمر بالمجلس والائتلاف لم يعد هناك في الأفق أي بصيص أمل بأن تعاد الروح اليهما لأن الأزمة بنوية تتعلق كما يعرف القاصي والداني باليوم الأول من قيام المجلس باشراف وادارة الاخوان المسلمين وتواطىء تيارات وأفراد كانت محسوبة على الخط الديموقراطي والليبرالي ولم يظهر الائتلاف الا كوليد كسيح خرج من رحم سلفه الاشكالي الفاشل وغير المعبر عن مكونات الشعب السوري الذي أستبعد الوطنيين والمناضلين المناوئين لخط الاخوان المسلمين ثم أصبح ممرا لتوافد مجموعات اسلامية من كل حدب وصوب والتي تثار من حولها شبهات الارهاب والارتباط بالقاعدة السلفية الجهادية وتستخدم في الاعلام الرسمي وفي منابر حلفاء النظام وخاصة ايران وروسيا ضد الثورة وقواها .
ليس هناك في بلادنا وضمن ثورتنا من فائدة للبكاء على الأطلال وتوجيه اللوم الى هذا الطرف وذاك بل يجب أن يكون الشعور بالمسؤولية الوطنية سيد الموقف والعمل الجاد من أجل تصحيح الوضع وتقويم الاعوجاج وذلك عبر التأكيد على الحقائق والثوابت والمهام التالية :
1 – ليس صحيحا مايردده البعض من أن ” صعود الجهاديين وجماعات الاسلام السياسي يكشف عن الجانب المظلم من ثورات الربيع العربي ” لأن ظهور هؤلاء بدأ منذ أكثر من ثلاثة عقود في الشرق الأوسط – الكبير – والعالم ووجدوا لهم بيئة مواتية في بلداننا وفي سوريا بالذات بعد فشل أنظمة البورجوازية – العسكريتارية الحاكمة في انجاز البرنامج الوطني الديموقراطي واخفاق الآيديولوجيات ( القومية – البعثية والشيوعية ) كما أن هذه الانتفاضات الثورية وبطابعها السلمي بالجوهر هي النقيض لأفكار وبرامج ووسائل وممارسات جماعات الاسلام السياسي بكل مسمياتها .
2 – كما أنه ليس صحيحا أيضا أن أنظمة الاستبداد والدكتاتورية المخلوعة منها أو المرشحة للسقوط كانت تشكل مانعا لانتشار الجماعات الجهادية – الارهابية بل بالعكس تماما هي من تولت رعايتها لاستخدامها ضد الخصوم من المعارضة الديموقراطية رغم أن السحر انقلب على الساحر أحيانا والأنظمة الأمنية القمعية هي السبب في لجوء جماعات وفئات وخاصة من أبناء القوميات والمكونات الأقل عددا والمغلوبة على أمرها الى السلاح لرفع الظلم عنها وتحقيق أهدافها فعلى سبيل المثال لو تمت معالجة قضية الطوارق أو الأمازيغ في الجزائر ومالي بصورة عادلة لما كان قسم من هؤلاء مع الارهابيين الاسلاميين الآن وهذه قاعدة تسري على معظم التجارب والحالات وخاصة الحالة السورية وتجلياتها في العديد من المناطق .
3 – من أجل ايجاد حل لاشكالية التعارضات في داخل الثورة السورية والتي قد تتطور الى مالايحمد عقباه لابد من توحيد صفوف الجيش الحر تحت قيادة مركزية واحدة تضم ممثلين عن كافة الأطياف والمكونات والمناطق وبمشاركة التنسيقيات وكافة أطراف الحراك وبموازاة ذلك لابد من اعادة بناء الجناح السياسي للثورة من الداخل والخارج بموافقة القيادة العامة في الداخل ومباركتها وقد تتم الاستفادة اذا دعت الحاجة من بعض العناصر الاختصاصية وليس العقائدية والحزبية في ( المجلس والائتلاف ) ذلك الجناح السياسي سيعبر عن أهداف ومواقف الثورة أمام المحافل الخارجية ويناط به مهام محددة يتم الاتفاق حولها .
4 – تقوم القيادة الثورية المشتركة بالتحاور مع المجموعات الاسلامية وألويتها المسلحة وتضعها أمام خيارين لاثالث لهما : اما الالتزام الكامل بقرارات القيادة والمشاركة أيضا والكف عن نشر الدعوات من أجل اقامة دولة الخلافة أو ماشابه ووقف كل التهديدات ذات الطابع الديني – المذهبي أو العنصري ضد المكونات الوطنية المتآخية ومراعاة الطبيعة التعددية للمجتمع السوري والتركيز فقط على مهمة اسقاط النظام اسوة بالأطراف السياسية الأخرى بالثورة من علمانية وديموقراطية وليبرالية وتأجيل كل التمنيات الخاصة الى حين الانتقال الى مرحلة اعادة بناء الدولة وصياغة الدستور والارتهان حينها الى صناديق الاقتراع أو مغادرة الثورة ومناطقها المحررة على الفور .
لاأعتقد أن هناك خيارا آخر أمامنا سوى ذلك اذا أردنا الحفاظ على ثورتنا التي استشهد في سبيل مبادئها وشعاراتها عشرات الآلاف من خيرة بناتنا وأبنائنا ومئات الآلاف من الجرحى والمعتقلين وملايين النازحين والمهجرين وصيانتها من أية ردة مضادة في وقت تصعد فيه سلطة الاستبداد من آلة القتل والدمار وتوحي بخيارات الحرب الأهلية وتضاعف قوى خارجية مثل روسيا وايران امداداتها العسكرية والمالية لانقاذ نظام الأسد ويتراجع – أصدقاء ! ؟ – الشعب السوري عن التزاماتهم تحت ذرائع وحجج متعددة من بينها التشكيك بصدقية وقدرة ( المجلس والائتلاف ) والحذر من جماعات ارهابية داخل الثورة وهذه كلها برسم جميع من يهمه مصير الشعب والثورة ومستقبل الأجيال .