عمر كوجري
تبدو الحكومة التركية كعادتها منفلتة الأعصاب هذه الأيام، وتهدد، وتتحين أنصافَ الفرص لاجتياح كردستان تحت حجج واهية لا يقبلها كلُّ ذي بصيرة ، وذلك جراء التطورات الأخيرة المتسارعة في الساحة العراقية ، ومطالبة القيادات الكردية ممثلة بشخص رئيس إقليم كردستان العراق السيد مسعود البارزاني بوجوب إيجاد حل منطقي يكفل حقوق الجميع في مدينة كركوك وجعل كركوك رمزاً للتآخي بين كل القوميات التي تعيش فيها .
ولعل من ضمنها أيضاً إجراء إحصاء سكاني جديد ،واستفتاء الشعب على رغبته بالانضمام جغرافياً لكردستان العراق أم لا ووجوب إعادة المستوطنين إلى أماكن سكناهم الأصلي ، أولئك الذين وبسياسة قميئة وفاشية من نظام صدام حسين قد اسْتُقدموا إلى هذه المحافظة الغنية بالنفط من أجل تغيير البنية الديموغرافية للسكان الكرد الأصليين ، وتغليب العنصر العربي على باقي العناصر استجابة لسياسة بعثية قوموية لم تخدم العراق ، بل قادت البلادَ من كارثة إلى أخرى ومن هزيمة إلى أخرى حتى دمرتها وأصابتها بالشلل التام .
بطبيعة الأحوال لا يقدم الشريك الكردي حلولاً لهذه المعضلة تعجيزية ، ولم يفعل الكرد مكروهاً لأحد كما تدَّعِيْ بعضُ الأوساط التي تسير وفق الأجندة التركية، ومنها على سبيل التحديد الجبهة التركمانية التي ترى امتدادها الطبيعي وولاءها المطلق لتركيا وليس للعراق وتعارض أي بارقة أمل للمطالب المشروعة للشعب الكردي في كردستان العراق ، وتقف بالضد من طموحات الكرد في عراق تعددي برلماني فيدرالي تنعم الأثنيات والأرومات القومية كافة بحياة ديمقراطية ورخاء عيش وسلام ، دون الخوف من إنتاج سلطة استبدادية جديدة على شاكلة معظم الأنظمة التي حكمت العراق .وبالمناسبة هذه الجبهة ” الموالية ” لتركيا لاتملك أي رصيد يذكر في الوسط التركماني – العراقي – وهناك أحزاب لها ثقلها السياسي تعتبر نفسها شريكة الحكومة العراقية ، ولها ممثلوها في البرلمان والحكومة ، ودخلت في المنافسات الديمقراطية مع قائمة التحالف الكردستاني .
تركيا مستاءة من الوضع القائم ، وتريد نسف المكتسبات الكردية التي تحققت بفضل دماء القرابين والضحايا الكرد منذ سنوات كثيرة ، وتريد القضاء على الآمال الكردية بغد أفضل ونسيان قصص العذابات الطويلة والتي أصبحت عنواناً للتراجيديا الكردية في العصر الحديث خاصة، وترغب تركيا في تخريب ماتم إنجازه لكي لا تقوم للكرد قائمة ، وتتطلع بل و تكشِّرُ عن أنيابها بمناسبة ولا مناسبة بحجة أن الكرد يقمعون الأقلية التركمانية في كركوك ، وأي مساس بحقوق ” هؤلاء” هو خط أحمر بالنسبة للحكومة التركية التي تتخبط في اقتصاد هشٍ واهٍ ومشاكل داخلية لها أول ومالها آخر، وتجرُّ معها كلَّ مشاكلها الداخلية العالقة وخاصة الموضوع الكردي الذي لم يحل بعد هناك ، رغم لقاءات المسؤولين الأمريكيين والأتراك بضرورة إيجاد مخرج للأزمة التي تكاد تعصف بالحكومة التركية التي يقودها الإسلامي أردوغان فيما يخص ملف حزب العمال الكردستاني ، هذا الملف الذي اعترف أردوغان بعَظْمة لسانه مؤخراً بفشل الجندرمة التركية القضاء عليه ، ناهيك عن تخبصات تركيا في موضوع حقوق الإنسان ،وسيلان لعابها من قبولها في الأسرة الأوروبية .
ولا يبدو في الأفق أن الدبلوماسية التركية ستحقق أمراً ذا شأن وقيمة في هذا السياق ، وقد أكل أردوغان وحكومته صفعة قوية من مرشح الرئاسة الفرنسية الجديد الذي قال أن تركيا لن تدخل في الأسرة الأوروبية حتى في الخيال ،ويعي المراقب السياسي ما لهذا التصريح من خطورة وما لفرنسا من ثقل سياسي واقتصادي في الخارطة الأوربية .
نعم فتباكي تركيا الحالي على الأقلية التركمانية لا معنى له سياسياً ،و”إنسانياً” فاللعبة مكشوفة والموضوع ليس موضوع التركمان – كما أسلفنا- بل رغبة تركية جامحة في وأد الحلم الكردي ليس إلا .
من جانبه الجانب العربي ببعض مثقفيه القومويين يدقون طبول الإنذار المشروخة بأن الكرد يحاولون محو الأثر العربي من كركوك بغية تكر يدها ، بل أن بعضهم يجافي الحقيقة عندما يدعي أن الكرد يقومون بتدابير شوفينية وعنصرية ضد سكان المدينة العرب ، وهذا لعمري مناف للأخلاق الكردية التي ذاقت المقابر الجماعية ، وآخر صرعات الكيمياء فلايمكن أن يكونوا جلادين بعد أن كانوا ضحايا طوال السنين.
إذ كيف يتم هذا المحو ولاتزال بعض العوائل الكردية التي عادت إلى دُوْرها وبيوتها تفترش الخيم ، بل أن بعضهم ولفترة طويلة عاش في الملعب البلدي للمدينة رغم التدهور الأمني المريع ، وتفخيخات التكفيريين أصحاب الأجندات الخاصة ، هؤلاء الذين يلاقون المباركة الواضحة والمكشوفة من هيئة العلماء المسلمين ورئيسها الذي كان في سوريا منذ أيام “الأستاذ” حارث الضاري الذي شن هجوماً لاذعاً من دمشق على الحكومة العراقية المنتخبة ديمقراطياً ، واتهمها بالعمالة للأمريكان .
السيد رئيس الإقليم قلل من قيمة التهديدات التركية بالتدخل إذا لزم الأمر لحسم الأمور ومناصرة التركمان ” المظلومين”.هذا التقليل من لدن الرئيس مسعود بارزاني يبهج الأسارير ، فمن جهة يعطي انطباعاً بأن الجبهة الكردستانية متماسكة ، وتستطيع الدفاع عن وطنها وقت الشدائد والملمات ، ولها الخبرة العسكرية والإرادة والسلاح الكافي لمقارعة جيش بمستوى الجيش التركي المتدرب على أعلى المستويات ، والخبير في حروب العصابات والكر والفر وحروب الجبال ، وأرجو أن تكون قراءتي صحيحة وصائبة ، وإلا يجب أن تُحْمَلَ التهديدات التركية على محمل الجد ويتم التعامل معها على هذا الأساس ، وهنا ربما يفيد تضامن الكرد مع بعضهم بعضاً، و التحرك الدبلوماسي الكردي له دور في فضح ، النوايا التركية الخبيثة و المبيتة ، قبل أن تقع الفاس على الراس .
وهذا التحدي يستدعي أيضاً التنسيق مع الحراك السياسي الكردي داخل كردستان العراق وباقي أجزاء كردستان ، وخصوصاً التنسيق مع الطيف السياسي الكردي المتواجد على ساحة كردستان تركيا.
أخيراً الكرد لايفكرون بتكريد كركوك، وهم في غنى عن تكر يدها ، ويطمحون لجعل هذه المدينة حقاً رمزاً للوئام والتآخي ، وعندما يعودون فإنهم بصريح العبارة يعودون إلى بيوتهم وأملاكهم ، وهوائهم،وأشجارهم،وأحلام طفولتهم المستباحة من قبل العتاة والمجرمين .
إنهم لا يحتلون منازل غيرهم ..
إنها منازلهم .فليعد كل حجر إلى مكانه !!