بير رستم
“أين نحن؟ ولماذا ينجح الآخرون بينما نفشل نحن؟”.
سؤالٌ إشكالي يطرحه الأخ والصديق (عبد الحكيم بشار) من خلال مقاله المنشور في عدة مواقع الكترونية ومنها موقع الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) والذي يأتي (أي المقال) ضمن الصياغة نفسها؛ “أين نحن يا أبناء الكرد؟”.
في البداية نود أن نقول إن قراءتنا هذه ما هي إلا محاولة لتوضيح بعض النقاط التي طرحت ومن وجهة نظر (مغايرة) إلى حدٍ ما، ولكن ضمن السياق المعرفي ذاته وأيضاً ضمن نفس الحقل الوجداني الطامح إلى تحقيق ذات كردية مستقلة ومتبلورة في كيان جيو-سياسي إقليمي أسوةً بغيرها من الكيانات المنتشرة على خارطة الشرق الأوسط وشعوبها، وحيث أنه ومن هذا المنطلق؛ (تحقيق الذات والشخصية الكردية المستقلة) واستهدافاً له؛ (تحقيقها في كيان جيو-سياسي مستقل)، يكتب أيضاً الأخ (عبد الحكيم) “أين نحن يا أبناء الكرد؟”.
فهو يحاول – ومن خلال ذاك الطرح الإشكالي – أن يعالج القضية الكردية وأبعادها وأيضاً أسباب فشل وإخفاقات الحركات والانتفاضات الكردية المتعددة وعدم قدرتها (أي قدرة تلك الثورات) على تحقيق أماني ومطالب الشعب الكردي، في حين تمكنت الشعوب المجاورة من عربية وتركية وفارسية في تحقيق (حلمها) القومي – مع بعض الاعتبار للشعوب العربية والتي استفادت من الإسلام في تحقيق ذاك (الحلم) – وذلك ضمن أطر وكيانات سياسية لها دورها ونفوذها الإقليمي إن لم نقل الدولي؛ حيث يكتب بهذا الصدد: “..
أن القوميتين الأخريين (الفارسية والتركية) هما متقاربتان من حيث العدد والمساحة للشعب الكردي، فلماذا إذن نجحت في إقامة دول لها حساباتها وقوتها ونفوذها ليس على الصعيد الإقليمي بل على الصعيد الدولي وباتت من اللاعبين الأساسيين في السياسة الإقليمية ولم يعد يكتفيا بحماية حدودهما وسيادتهما وحقوق شعبيهما بل إنهما يطمحان إلى طرح نفسيهما كقوة إقليمية ذات فعالية وتأثير، بينما الشعب الكردي لا يزال يطمح إلى تحقيق قدر متواضع من حقوقه هي أدنى بكثير من حقوقه القومية المشروعة كشعب يسكن المنطقة وله خصائصه المتميزة ويعيش على أرضه التاريخية، لماذا هذا التباعد في تحقيق الذات بين الشعب الكردي والشعوب الأخرى في المنطقة ؟”.
والأخ (عبد الحكيم بشار) لا يكتفي بطرح الأسئلة فقط وإنما يحاول الإجابة على ما يطرحه من تساؤلات بهذا الخصوص والمسألة، فيكتب: “هل إن القدر فعل بنا ذلك؟ أم أنه عبث التاريخ أم الأطماع الاستعمارية ونفوذها ومصالحها هي التي فعلت بنا ذلك؟ وأعتقد أنه من السذاجة القول بأن القدر قد فعل بنا ذلك، أما عبث التاريخ فأعتقد أننا بحاجة إلى بعض التروي وإنصاف التاريخ، فالتاريخ لا يصنع عبثاً ولا يسير عبثاً ولا يبنى عبثاً، التاريخ يصنعه الرجال، التاريخ تصنعه الشعوب، والتاريخ لا يصنع نفسه بنفسه وليس من أحد، حتى الطبيعة لا تستطيع التحكم فيه بل إن التاريخ يصنعه القادة الذين نجحوا في تسيير دفة الأحداث والتاريخ في الاتجاه الذي يخدم قضيتهم”.
وإن كنا نتفق مع طرحه بأن “التاريخ لا يصنع عبثاً ولا يسير عبثاً ولا يبنى عبثاً” وإن كان للقادة (للرجال) والأفراد دورهم في بعض المراحل والظروف إلا إن مقولة “التاريخ يصنعه الرجال” وإن لم تكن غير صحيحة بالمطلق فهي مقولة غير دقيقة.
بل يمكن لنا أن نقول بأن التاريخ تصنعها المصالح؛ مصالح القوى النافذة والفاعلة في ساحة ما وتقاطعاتها مع بعضها في دوائر تقسيم النفوذ ومن ثم يأتي هؤلاء (الرجال) ليدون تاريخ-(هم) ذاك.
وهو يبني (بضم الياء) على ضوء ما سبق وكأساس فلسفي سياسي، استنتاجه التالي: “..
لذلك أستطيع القول إنه وبالرغم من كل شيء فإن الشعب الكردي وقادته يتحملون مسؤولية الفشل في عدم نيل الكرد أية حقوق إثر انهيار الإمبراطورية العثمانية”.
ويعدد الأسباب والعوامل التي لم يكن يمتلكه الكورد آنذاك ويمكن أن نلخصها في: “عدم نضج الوعي القومي لدى الشعب الكردي..
وعدم نضج النخبة السياسية وقادة الكرد حينذاك..
وأيضاً بعثرة وتفرق الشعب الكردي بين ولاءات مختلفة ومتنافرة..
أما المصالح الاستعمارية فتأتي في مؤخرة هذه العوامل..”.
هذه هي العوامل والأسباب – برأي الأخ (عبد الحكيم بشار) – والتي جعلت القضية الكردية تخسر (معركتها) في كيان جيو-سياسي خاص بهم.
إلى هنا ونكتفي بالاقتباس من مقالة الأخ (عبد الحكيم)؛ حيث إنه وفي (القسم الثاني) من مقاله المشار إليه في بداية مقالنا، يتطرق لواقع كوردستان الحالي وتحديداً التهديد التركي لإقليم كوردستان العراق مؤخراً وأيضاً لدور القيادة الكردستانية هناك وبشيء من التفصيل، مما يحدو بالقارئ بأن يتفكر بأن (المقصد والمنتهى) من المقالة هي الوقوف عند هذه النقطة؛ إبراز دور القيادة الكردستانية العراقية وتحديداً الحزب الديمقراطي الكردستاني وقياداتها – مع العلم إنه لا يمكن لذي بصيرة أن يُنكر دور هؤلاء القادة والرجال – ولكن ( ومن وجهة نظرنا) فإن هذه النقطة قد خلقت نوعاً من الارتباك في سياق المقال وبالتالي للقارئ أيضاً، والذي كان يأمل من ذاك “السرد التاريخي” أن تكون مقدمة لبحث إشكالية الواقع الكردي الراهن عموماً، على الرغم من أن الكاتب أراد فعلاً من تلك المقدمة التحليلية – النقدية للتاريخ الكردي أن يجعلها توطئة (ومقياساً) سياسياً لإسقاطه على الحالة الكردية الراهنة؛ من تشتتٍ للقوى وكتل سياسية (لا هم) لها غير أن تدخل في معارك حزبية مع بضها وتنسى متطلبات المرحلة وما أوكل لها من دور تجاه القضية والشعب.
وأيضاً لن نقول إننا غير متفقين – تماماً – مع هذا الطرح والرأي، بل إننا نؤكد موافقتنا له في غالبية ما طرحه من نقدٍ وتحليل للحالة الكردية عموماً وأسباب إخفاقاتنا في كل محاولاتنا الماضية لنيل حقوقنا المشروعة، وبالتالي (دحرجة) المسألة الكردية إلى مواقع أكثر عدمية وكارثية.
ولكن لنا ملاحظات عدة حول ما طرحه من نقاط، إن كانت من حيث التراتبية السببية؛ بحيث قدّم عوامل على أخرى وكان من الأجدر والأدق أن يجعل من تلك التي جعلها (هامشية) وفي مؤخرة الأولويات كـ”المصالح الاستعمارية” أهمها وأخطرها، حيث كانت من نتائجها (أي المصالح الاستعمارية) وتوافقاتها واتفاقاتها مع القوى الفاعلة النافذة للشعوب العربية والتركية وأيضاً الفارسية أن تم تقسيم منطقة الشرق الأوسط ومن ضمنها كوردستان إلى مناطق نفوذ وهيمنة.
أو من حيث إنه أغفل عوامل أخرى لا تقل أهميةً من التي ذكرها؛ كـعدم بلورة وتكوّن الشخصية الكردية المستقلة – كهوية ذاتية خاصة به – وخضوعه لفترات زمنية مديدة لعملية القمع والإنكار من قبل المحتل، إن كان ذا طابعٍ ديني إسلامي أو قومي تعصبي (تركي، فارسي وأخيراً العربي)، مما جعل من الشخصية الكردية – عموماً – ذات سيكولوجية مقهورة (عبودية) تابعة للآخر المهيمن، والذي لا يعني عدم التمرد في حالات خاصة ومحدودة فالعبد هو الآخر يتمرد على سيده ولكن لتحسين السوية والمستوى وظروف الحياة والمعيشة إلى درجةٍ ما لكن من دون أن يتجرأ ويطلب مساواته بسيده، فذاك كفرٌ و(وقاحة) وتمرد.
وأيضاً فإن الصديق (عبد الحكيم) وفي مقاله ذاك قد مر سريعاً على عامل الفرقة والبعثرة “بين ولاءات مختلفة ومتنافرة ومتناقضة على حساب وحدة الكلمة والموقف والمصير والولاء القومي”.
وكان يمكن له أن يفصٍّل هذا العامل الأهم – بعد عامل “المصالح الاستعمارية”، حسب قراءتنا – وذلك ضمن تلك المحاور التي تجعلنا (فرقاً وشيعاً) متناحرة (أحياناً) ومختلفة في أكثر الأحيان، وذلك من إقليمية – مناطقية؛ (سورانية – بهدينانية) ودينية – مذهبية؛ (آيزيدية – مسلمة، سنية – فيلية) وأيضاً لغوية – لهجوية؛ (كرمانجية – سورانية..) و..
وأخيراً سياسية – قبلية؛ (بارتيين وآزاديين ويكيتيين و..
شيخانيين، آمكيين و..
جقليين) وإلى ما هنالك من الانتماءات و(الهويات المختلفة) والمتصارعة في أكثر الأحيان كما قلنا.
حيث الوقوف عند هذا العامل وبنوع من التحليل والنقد اللاذع والجارح ضروري لنا في هذه المرحلة وذلك لتجاوزها إلى الحالة المؤسساتية – المدنية، بعيداً عن روح العصبية القبلية – الحزبية والتي هي (الكفيلة) بتحقيق أماني شعبنا.