أفرزت الهبة الانتفاضة الدفاعية في ربيع 2004 جملة من الحقائق من أبرزها ضرورة اعادة النظر من جديد في دور ” مجموع الأحزاب الكردية ” الموجودة الآن بزيادة وليس بنقصان بدون استثناء ليس باجهاض ذلك الحراك الثوري العفوي كفرصة تاريخية ثمينة عبرعقد الصفقة مع جنرالات بشار الأسد في أمنه القومي الذين أطاحت الثورة ببعضهم فحسب بل في الفائدة من وجودها أصلا لما تتسم به من عجز في قيادة الجماهير وطرح البرنامج المناسب في حينه وفشل في اتخاذ الموقف المناسب هذه الأحزاب التي لم نسمع من أي منها حتى الآن أي تقييم نقدي لأحداث تلك الفترة أو مراجعة في التجديد فكيف بها بالحالة هذه أن تتخذ السياسة السليمة من القضية السورية والثورة والتغيير واعادة بناء الدولة الديموقراطية التعددية الحديثة .
في معرض تخطئة مواقف الأحزاب ونقد أدائها تحديدا منذ انطلاقة الثورة السورية يكاد الجميع يقترف الخطأ ذاته عندما يوجهون السهام الى مجمل – الحركة الكردية – وينهالون عليها بأقذع الصفات والتسميات في حين أن مكونات الحركة الوطنية الكردية وحواملها في الأوضاع العادية عبارة عن فئات شعبية واسعة ومن مختلف الطبقات الاجتماعية والوسط الثقافي الذي يتوسع يوما بعد يوم وحركات المجتمع المدني بما فيها الجماعات النسوية الناشطة والوطنييون المستقلون اضافة الى الأحزاب أما في زمن الثورة فقد تصدر الحراك الشبابي الثوري وعن جدارة الصفوف الأولى في الحركة الوطنية الكردية على غرار كل الساحة الوطنية السورية وهي حقيقة راسخة بالرغم من التعتيم الاعلامي الهادف .
الأحزاب الكردية جميعها من المجلسين ( الوطني وغرب ) ومابينهما تقليدية فاتها قطار التجديد والمراجعة لعقود من السنين بعيدة كل البعد عن مفاهيم الحداثة تجد بينها من يحمل الارث الأسوأ في عبادة الفرد ورفض القيادة الجماعية والاذعان للنزعات الانعزالية والخروج على مبادىء العمل المشترك والتعلق بوحدانية التحكم والسيطرة وحمل ثقافة تخوين وعدم قبول الآخر والمغالاة في العصبية الحزبية واخفاء الحقيقة عن الشعب وحتى التحول الى أدوات لخدمة الآخر خرجت من الحركة الكردية ولكنها خرجت عليها أيضا فهي فرادى ومجموعات تبالغ في مدى تمثيلها لارادة الشعب وتزعم أنها الممثل الشرعي والوحيد بل تتقاتل عليه في مابينها .
بتلك الحالة استقبلت هذه الأحزاب الثورة الوطنية السورية منذ مايقارب العامين وكانت كفيلة بالكشف عن جميع جوانب عجزها وعن كل ماكان مستورا للأسباب التالية :
1 – مثل بقية الأحزاب التقليدية السورية تفاجأت باندلاع الانتفاضة الثورية التي اشعلها الشباب المستقلون الذين تصدروا الحراك في المناطق والمدن والبلدات الكردية ونظموا تنسيقياتهم وأداروا تظاهراتهم الاحتجاجية السلمية بأنجح الأساليب مالبثوا وبعد حوالي ثمانية أشهر أن وقعوا بين نارين : أجهزة السلطة الاستبدادية من جهة وضغوط وعراقيل وفتن الأحزاب الكردية من الجهة الأخرى التي استفاقت من الصدمة واعتبرت أن حراك الشباب يزاحم نفوذها في الشارع الوطني .
2 – لم تظهر الأحزاب في الساحة انطلاقا من ايمانها بالثورة أو مشاركة فيها أو سعيا وراء اسقاط النظام بل بحثا عن نفوذها المفقود أولا وسيرا وراء مواقفها الهزيلة الاشكالية المتناغمة مع سلطة الاستبداد وتحت ستار – الحياد – بين النظام والثورة أي ومن حيث الواقع العملي من لم يكن مع الثورة فهو حكما مع النظام .
3 – اختارت الأحزاب لنفسها أسهل وأقصر الطرق ووجدت ضالتها في العمق الكردستاني كستار قومي لحالتها المزرية السالفة الذكر وكشهادة مستعارة مؤقتة لحسن السلوك مع الشمال نحو موالاة نظام الاسد ومع الجنوب في الوقوف على الحياد وكمايبدو تقاطعت الرؤا والمصالح بين الأحزاب هنا وهناك ولكن بمعزل عن المصالح الاستراتيجية المصيرية الحقيقية للشعب الكردي المرتبطة عضويا بمصالح السوريين وبنجاح الثورة الوطنية عبر الحراك الشبابي الكردي الذي لايجوز القفز عليه من أي طرف كان وحاضنته الشعبية الواسعة .
4 – والمحصلة حتى كتابة هذه السطور مزيد من العزلة عن الثورة والمعارضة والابتعاد ( أو الابعاد ) عن كل مايجري ويعد له من أجل سوريا الجديدة من نظام سياسي ودستور وترتيبات المرحلة الانتقالية وكمثال بسيط من من الأحزاب ( الممثلة الشرعية ) كان على علم بصفقة تبادل الأسرى والسجناء بين المعارضة والنظام حتى تتشمل بعض المعتقلين الكرد واضعاف الحراك الثوري الكردي والامعان في تغييب طاقات الوطنيين والمناضلين والمستقلين اما عبر وسائل الترهيب والتهديد أو الحظر السياسي استقواء بأموال وحرمة القوى الكردستانية الشقيقة وصولا الى وضع يعيش فيه شعبنا داخل الوطن وخاصة بموازاة الحدود السورية المشتركة مع تركيا وكردستان العراق في أسوأ حالات المعيشة بفقدان المواد التموينية الأولية والمحروقات في ظل تنازع الأحزاب على التمثيل الشرعي وامتناع الجوار على تمرير المساعدات بسبب الخلافات الحزبية وتحكم جماعات – ب ك ك – بمقدرات الأمور على جانبي الحدود .
لذلك نقول أن هذه الأحزاب التي صارت سببا في محنة شعبنا سياسيا ومصيريا ومعاشيا ومصدرا للفشل والعجزوالتشبيح لم ولن تكون عنوانا للحركة الوطنية الكردية لا الآن ولا في مرحلة مابعد الاستبداد .