أسئلة صارخة.. في محراب الذكرى الثالثة لانتفاضة آذار….!

إبراهيم اليوسف

بعيداً عن المقدّمات ، وتقنيات التّدبيج الصّحفي ، والتفكير بمعادلات “تطييب الخاطر”  المعتادة أريد التوضيح بأنّني كنت أحد هؤلاء المفرطين تفاؤلاً، رغم فداحة الألم ، عقب انتفاضة 12 آذار ، متوهماً في قرارتي أن حالة الإجماع الكردي – رحمها الله وسقا أيامها ولو الأليمة – سوف تستمر ، وأنه رغم كل ما تكبدناه في المؤامرة التي تمّت ضدّ الكرد السوريين ، من ضريبة باهظة، كان وقودها كوكبةً من الشباب الكردي، ناهيك عمّا ترتّب على مثل هذه الضريبة – في التالي- من تبعات الاعتقال الاعتباطي التي لا أجد داعياً – الآن- للخوض في تفاصيلها ، ما دامت أنّها قد بلغت حدّ الاستشهاد تحت التعذيب ، كما في حالات معروفة ، موصوفة…..!

بيد أنه – وللأسف- ما أن انقشعت غمة ذلك الجوّ المكربن، وإن بحكم التقادم الوقتي النسبيّ ، و الموهوم، هحتى وجدنا تصدعات متفرّقة أصابت حالة الإجماع، من منطلق استعار- بكسر التاء- أتون إرث حزبوي ّ، سابق ، ولا أقول : حزبيّ ، ومواقف مسبّقة، متبادلة، وعدم احتمال الرأي الآخر، ومواجهة ذلك بقطيعته ، لدرجة تكون اختلاف حتّى في  كيفية إحياء ذكرى كوكبة شهداء هذه الانتفاضة ، والتوزّع بين حدّي مبالغتي : التناسي والاحتضان، ليكون- في التّالي- لكلّ طرف مختلف مع الآخر ، مسوّغاته ، التي لا تصمد إزاء أيّ حوار جاد ، يضع هاجس الحرص على حالة الإجماع في رأس ثوابته……!.
كذلك لا أريد ، على صعيد آخر الاستمرار في التنظير في هذا المجال  ،ليقيني أنّ كلا الطرفين المختلفين ، ليحمل في قرارته مثل هذه الغيرة التي أزعم حملها ، لولا حالة الاستسلام أمام قداسة الحزبوية المقيتة -عليها اللعنة- التي من شأنها نسف وشائج التلاقي ، وتعزيز دواعي الفرقة ، لئلا يتم ّالمساس بإمبراطوريتها المعظّمة ، ما دامت لم يرتق مفهومها – كردياً – كي تكون دعامات توحيدية ، نحن أحوج إليها ، في أخطر نقطة تحول في التاريخ الكردي طرّاً…..!.
وإذا كان السياسي  “الحزبوي” الذي لايقبل سوى التناسخ ، ويرفض الاختلاف ، إنما يتصرّف نتيجة استسلامه أمام بقايا غرائز ذاتوية ، قبلية ، مريضة ،  وجدت في الحالة الحزبية مرتعاً لها، كي تؤلّه خصوصيتها،وتتعامى عن الآخر ، فإن حالة – مثقفنا- تبدو أعقد في هذا المقام ، مادام أن الأمور قد انحدرت به، إلى مزلق عدم تقبل مجرّد الجلوس مع الآخر، ولو على طاولة حوارية- بعكس الحزبوي- الذي قد يخون سواه ليلاً، ويلتقيه نهاراً،كأحد مستلزمات عدّة الشغل-  وقد يكون ذلك حتّى بدافع تعزيز – حالته الحزبوية- وإن كان ذلك حتّى في مواجهة سلوك حزب كردي آخر، ولا أسترسل في التوصيف المأساوي لعلاقات النخبة الثقافية- وأنا من بينهم معاناةً لا تصنيفاً نخبوياً- رغم رفضي  الآن، وسابقاً ، ومستقبلاً، أن أكون- طرفاً في ما يتمّ بهذا الشكل المزريّ  – وهو ما لا يقبله كلّ مختلف مع الآخر على حده ،ما لم تصفق له في وجه خصمه، وأعفو نفسي- هنا- عن الخوض في جملة الأسباب التي أدّت إلى ذلك ، ما دمت أزعم الدعوة إلى رأب كل صدع ، وتجسير كلّ هوة ، وهدم كل جدار وهميّ ، يحول دون تواصل الطاقات الكردية على كافة الأصعدة، مادام أن الكردي هو أحوج أمم الأرض، قاطبة، إلى قوى وطاقات بنيه ، بل وأصدقائه ، أنى وجدوا…….ّ!
عموماً ، ثمة أسابيع قليلة – فحسب- تفصلنا عن عتبة الذكرى الآذارية ، وما زالت أدوات التفكير لدينا كما كانت –رغم وجود بوارق أمل وبشائر قد تلوح في الأفق- لكنه لمّا يتح لها المجال بعد- لدرجة أنه لما يتمّ الاستفادة من هذه المحطّة الأكثر تحولاً في تاريخ كرد سوريا ، كما ينبغي ، وهي نقطة مؤلمة ، جداً ، لاسيّما عندما يكون ذلك، حتى على صعيد الموقف من إعادة صياغة الذات..!
ومن هنا ، يكون المصاب آلم ، والحزن أعمق ، إذا علمنا أنه لاتوجد حتى هذه  اللّحظة ، أية عودة لقراءة وثائق 12 آذار، وتحليلها ، ودراستها بدقّّة، بعيداً عن وطأة شحنتها الإنفعالية، بل ثمّة الكثير من الشهادات لمّا يوثق ، والوثائق لمّا تجمع ما عدا حالتين مشكورتين غير كافيتين – فحسب- تمتا على مدار ثلاث سنوات ، لتكريس الانصراف إلى الاختلاف في وسم هذه المحطة أهي: انتفاضة؟ أم حدث؟ أم فتنة؟ أم هبة؟ أم مؤامرة؟ أم مخطط؟ ، أم مسرحية ؟ أم سيناريو ؟، أم لست أدري ماذا؟، وهي كلّ ذلك ، وسواه ، في زعمي ، بل ودون أن نفكّر – على مستوى عمليّ- بتقديم دعاوى ضدّ أدوات تنفيذ إطلاق الرّصاص ، وذلك عبر المحاكم ، داعين إلى أن تكون نزيهة ، فاعلة، بعيدة عن الفساد الوالغ ، الواغل فيها، مصرّين- في الوقت نفسه- على المطالبة بتبنّي قضية هذا الملفّ ، وعدم تجاهله، موثقين بهذا دماء أنبل وأعزّ أبنائنا، لمحاكمة ومحاسبة من استباح تلك الأرواح الطّاهرة، وحاول إلحاق الهزيمة بما وقع منها بين يديه ، عن طريق إرهابها، و محاولة شلّها، ضمن مخطط معروف، تعالوا نصلّ – إذاً – لأروح هؤلاء!، تعالوا نحتف بها!، ولكن، على نحو حضاري، وسلمي، لائقين بمقاماتها العلية، فهل نحن فاعلون؟، أم سننصرف إلى التنظير لطرق الاحتفاء على غرار : بدنا…….

وبدنا…….!

 

الأول من شباط قامشلي يوم شهدائنا الأربيليين2007

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…