ديمقراطية مؤسسات، لا ديمقراطية زعماء

محمود برو *
من خلال دراسة متواضعة وموجزة للتاريخ المعاصر وعودة سريعة الى نهج الحركات التحررية في العالم وتحديدا في الشرق الاوسط، نصل الى حقيقة سياسية واضحة، تلك الحقيقة اللتي رسخت في سياق العمليات الثورية الجماهيرية ضد الانظمة الشمولية الاستبدادية، ورياح التغيير الديمقراطي اللذي يعصف بمنطقتنا .

هذه الحقيقة هي ان النظام الاستبدادي كنمط سياسي اجتماعي ، مهما حاول ان يتلبس باغطية مختلفة ومموهة لحقيقتها الذاتية باساليب ديماغوجية قد ولى زمانها، فانه اولاً واخيراً يقوم على انفراد كيان واحد متفرد بالسلطة ، وهذا الكيان قد يكون فرداً اوجماعة معينة ، مهمتهم الاساسية تكمن في كم الافواه والغاء حرية الراي والتفكير السياسي ،
انهم لايقفون عند هذا الحد بل يعملون ليل نهار في سبيل تفكيك اواصر المحبة والتقارب والتلاحم في المجتمع وتهميش دور كل ماهو حضاري مدني ، وزرع الفتن والمؤامرات المتنوعة بين ابناء الشعب الواحد ذات المصير المشترك ، ناهيكم عن محاربة المبادئ الانسانية العامة والهاء الناس بمواضيع ثانوية اخرى  تجعلهم يفكرون فقط في المادة وبالتالي خلق طبع اناني بحت بين البشر ، وعندها تبدا التناحر والصراع الغير صحيح بين افراد المجتمع واللتي يصل بهم الى حد الاقتتال والعداء للبعض ومن ثم يلتجأ الناس المتصارعين والمتقاتلين الى محاكم تلك الزمرة الاستبدادية وذلك للتوصل الى حل عادل لمشاكلهم دون ان يدركوا ان مديري تلك المحاكم هم اللذين زرعو فيهم روح الفتنة والمؤامرة والعداء وهم اللذين قتلوهم والان يمشون بجنازتهم ويذرفون عليهم دموع التماسيح.

ان ثورات الحرية والكرامة في منطقتنا كشفت الستار عن ذلك الانظمة وضحى ومازال يضحي بكل ما لديه من غال ونفيس في سبيل اقتلاع تلك الانظمة من جزورها وحل كافة الاجهزة والموسسات الامنية والقمعية التابعة لها.
ان محاربة الانظمة الشمولية وتحديدا النظام السوري المتمثل ببشار الاسد ومرتزقته والحاشية المحيطة به من منظمات ودول ، ان ذلك يضعنا امام مسؤليات كبيرة وتحديات مختلفة وعمل شاق للانتقال من طور الاستبدادية الى مرحلة الديمقراطية حيث ان الشعب يصبح صاحب السلطة والقرار،
 والحاكم يكون وفياً لشعبه ومخلصا في عمله لتقديم الخدمات لعامة الشعب دون تمييز.

ان الوصول لى تطبيق ذلك الديمقراطية الحقيقية يضعنا جميعا،  احزابا ومثقفين مستقلين  ومنظمات المجتمع المدني وعلماء الدين تحت مسؤلية تاريخية كبيرة والاسراع في البدء بالعمل الجاد والحيوي المثمر.

الديمقراطية ليس طقماً يشتريه العريس في ليلة زفافه،  الديمقراطية  هي مشروع كبير ومتفرع  لايمكن الوصول اليه مباشرة وخلال فترة قصيرة.
الديمقراطية هي حكم الشعب لنفسه،  هي توفير ضمانات احترام حقوق الإنسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية، واحترام مبدأ تداول السلطة طبقاً للإرادة الشعبية والشرعية الدستورية، والقبول بالتعدد السياسي والفكري ، واحترام معتقدات الناس وطقوسهم الدينية، وضمان حرية المرأة وحقوقها، والمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة.
فعندما نرى بأم اعيننا الانتهاك الفادح لما ذكرته اعلاه عن الديمقراطية،  حيث ان الانظمة الشمولية  هي فقط اداة قمع وتدمير لبنية المجتمع المدني المؤسساتي، والتمسك بالوحدانية وانكار ومحاربة التعددية الفكرية  والسياسية والخروقات الفادحة لحقوق الانسان وسياسة كم الافواه وزرع الرعب في نفوس الناس وباساليب مختلفة، 
لذلك فان الضرورة المطلقة هي ان نبدا ببناء مؤسسات ديمقراطية وفق اسس وقواعد متينة وواضحة.

مؤسسات تشترك فيها جميع فئات الشعب بنخبها المختلفة.
نحن الكرد علينا ان نبدأ ببناء جيشنا الوطني الموحد مهمته حماية الشعب من الاخطار المختلفة، وهذا الجيش يجب ان يبنى على اساس ديمقراطي حر وطوعي بعيد عن اية وصاية فردية.

آلية البناء يجب ان تستند على الاعتراف بحقيقة ووطنية كل جندي وضابط كردي يتطوع لحماية شعبه،  وارضه .
جميع المؤسسات اللتي بناها النظام السوري كانت لحماية وخدمة النظام وحزب البعث العفلقي  .

فعندما ننادي باسقاط النظام الشمولي، فعلينا قبل كل سئ ان نتخلص من تلك الثقافة الشمولية المكتسبة، ونبدأ بالعمل الجماعي   ودمقرطة المؤسسات، بدلاً من احتكارها لصالح فئة او حزب واحد.

والعودة الى ظلمات الماضي.

الحزب هو وسيلة لتحقيق اماني الشعب برمته وليس العكس ، الامل الوحيد للشعب هو الوحدة في القرار السياسي والتلاحم والتقارب ونبز العنف وسياسة الاكرا، فالكرة بملعبكم يا احزابنا  والمسؤولية باعناقكم  لتحقيق تلك الامانى النبيلة، تسارعو وتسابقوا في خدمة شعبكم المسكين المشرد، والا فان مصيرنا سيكون من السوء الى الاسوأ.
*  عضو اللجنة القيادية لحزب آزادي الكردي في سوريا- منظمة اوروبا

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…