يوميات الحصار(5) .. أنماط السّلوك

صبري رسول

الوقودُ هو شريان الحياة اليوميّة للإنسان، يعتمد عليها في مأكله ومشربه وتنقلاته، ونقل بضائعه، وفقدانها يؤدي إلى شلل الحياة كاملة.


هذه الأحوال المأساوية غيّرَتْ أنماط السلوك البشري، وجعل الإنسان شرهاً للكسب الطارئ، بأيّ طريقة كانت، ويفقدُ في الوقت نفسه قيماً نبيلاً اكتسبها في تربيته الأسرية والمدرسية، خلال عشرات السنين، لكنها لا تصمد أمام غريزة البقاء، فتتغيّر نتيجة دفاعه عن بقائه، هذا ما يذكّرنا بمقولة (ماركس) لكلّ نمطٍ من العيش نمطٌ من السّلوك.

وأي فعلٍ يُقدِمُ عليه المرءُ يحسبُ بإدراكه عملية الربح والخسارة، ويلجأ إلى ضرب أخماسٍ بأسداسٍ قبل القيام به.
الصّورة الأولى: العزاء في الجزيرة السّورية من العادات العريقة لدى أبنائها، فيقومُ النّاس بأداء هذا الواجب الإنساني والاجتماعي والديني حتى لو مرَّت على انتهاء العزاء أسابيع، فأنا تأخرت عن هذا الواجب تجاه وفاة حسن زينو في (تربه سبيه) أسبوعاً، فزرتُ ابنه سلام واعتذرت عن التّأخير، وفي هذه الأيام ليس بمقدور أحد أداء ذلك بمفرده، فالسيارة التي من نوع (شاحنة صغيرة) أو سيارة ركاب صغيرة يطلبُ صاحبها (4000 ل.س) إذا كانت المسافة (25كم) وراتب الموظف يكفي لـ(خمس سفرات) فقط، فمازوت أغلى من معدن (الماس) ومحطات الوقود مغلقة كلّها بسلاسل حديدية، بينما تنتشر محطات متنقلة على أرصفة الشوارع في طول المدينة وعرضها، كلّ محطة عبارة عن براميل وسيارة صغيرة وعبوات بيبسي معبأة بمختلف أنواع المازوت، العبوة الواحدة بـ(500 ل.س) كانت سابقاً بـ(65ل.س) أما عبوة البنزين بـ(900ل.س).


الصّورة الثانية: صغيري يحبُّ الحلويات بشكل كبير، ويأخذ حصته وحصة إخوته عندما يجلب أحدنا شيئاً منها.


في الأيام الأخيرة ألحّ عليّ بشراء قطعة حلوى له، ولأنّ ضيق الحال أمام متطلبات الأسرة يدفعني إلى الحذر الشديد في الصرفيات، تجاهلتُ طلبه المكرّر، لأني وجدتُ كيلو مشبك مسعر بـ(150ل.س) لأن كيس السّكر بـ(5700ل.س) سابقاً كان بـ(3250ل.س).

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين تمر سوريا بظروف سياسية واقتصادية واجتماعية مُعقّدة ، يجد الإنسان السوري نفسه في ظلِّها أمام تحدّي التوفيق بين هوياته المتعدّدة. فهو من جهة ينتمي إلى الوطن السوري، وهو الانتماء الجامع الذي يحمل الهوية وجواز السفر والشهادة ، ومن جهة أخرى، يرتبط بانتماءات فرعية عميقة الجذور، كالقومية أو العرق أو الدين أو الطائفة. ويخلق هذا التنوّع حالة من…

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…