إبراهيم اليوسف
قبل كل شيء، أعترف أنني لم أكن من ضمن الدائرة اليومية القريبة، من الشهيد الراحل زهير البوش الذي قضى بطعنات مجهولين في شقته قبل أيام، وسوف يتم تشييعه إلى مثواه الأخير في القاهرة بعد ظهر يوم غد*، بل التقينا في مناسبات رسمية عديدة، في ندوات سياسية كانت تقام بين حين وآخر، أو بشكل عابر، في محل تجاري لصديق مافي المدينة، وإن كان اسمه يتردد لدى كل متابع سياسي في المنطقة، وقد تعزز ظهور اسمه بأكثر بعيد حراك المجتمع المدني ولجان حقوق الإنسان، مع قلة قليلة كانوا من الواضحين جداً بمواقفهم ضد النظام، ولقد توثق اسمه في ذاكرتي عندما قاد مبادرة مع زملائه في جمعية حقوق الإنسان” د.نذير دباغ ود.
عبد الكريم عمر و أ.
محمد صافي الحمود، للتنسيق بين المنظمات الحقوقية في محافظة الحسكة بيد أن الفكرة لم تستمرللأسف- ولعلنا كمنظمة حقوقية نتحمل جزءاً أكبر من المسؤولية.
عبد الكريم عمر و أ.
محمد صافي الحمود، للتنسيق بين المنظمات الحقوقية في محافظة الحسكة بيد أن الفكرة لم تستمرللأسف- ولعلنا كمنظمة حقوقية نتحمل جزءاً أكبر من المسؤولية.
كنت أعرف -على الدوام- أن مكتب الرجل في وسط المدينة، كان يعجّ ببعض المشتغلين في الحقل السياسي، وكان في طليعة هؤلاء الراحل إسماعيل عمر وبعض مسؤولي الحزب الشيوعي السوري، وآخرونعرباً وكرداً ومسيحيين، وأتذكر أن حزب الوحدة منحه شرف العضوية في الحزب، وهي في تصوري -أولى عضوية تمنح من قبل حزب كردي- لأحد الناشطين غير الكرد، وهذا ما يدل على أهمية دوره وفق تصور قيادة أحد أكبر الأحزاب الكردية في سوريا، بل إن كلمة أصدقاء الراحل رئيس الحزب إسماعيل عمر، كلف هو بإلقائها، أثناء تشييعه إلى مثواه الأخير..
ولقد ظهر دور أبي فادي على نحو بارز مع بداية الثورة السورية، حيث شارك في أولى تظاهرة تضامنية مع أطفال درعا،تمت في مدينة قامشلي، وقد تتالت مشاركاته بشكل مستمر، في كل التظاهرات التي تمت حتى لحظة مغادرته هذه المدينة، كما أظهرت فيديوهات شباب الثورة ذلك، بل كان يسير في الصف الأول فيها، مع أبطال هذه المدينة الباسلة التي لبت مع عامود ا أول تضامنين سوريين مع أطفال درعا الباسلة، وهو ما عرضه للاستدعاء، والضغط، والتهديد من قبل بعض الجهات الأمنية-كما روى لي ذلك بعد وصوله إلى دولة الإمارات- لأن هذه الجهات كانت تحرص على وضع العراقيل أمام أية مشاركة عربية أو آثورية، في الوقت الذي كانت تستهدف الناشطين الكرد باعتبارهم أول من تحركوا.
قبل أشهر، تفاجأت على صفحتي الفيسبوكية برسالة تركها لي الصديق أبو فادي يطلب فيها أن أرسل إليه رقمي أو أتصل به على رقم هاتفه، لأنه وصل الإمارات، كانت فرحتي كبيرة بأن ألتقيه -هنا- فهو يحمل رائحة الثورة، ورائحة قامشلي- التي لم أشمها منذ ثلاث سنوات كاملة- فلم أتلكأ في ضرب الموعد والالتقاء به، مع عدد من المقربين، في أكثر من لقاء، لأسمعه -عن قرب- وهو يتحدث في شؤون الثورة، وعلاقاته مع المناضلين الكبيرين الخالدين: إسماعيل عمر ومشعل التمو، وغيرهما من الناشطين، والمثقفين، و كذا عن علاقته بالمعارضة، وبعض رموزها، ودوره في”إعلان دمشق”، ورؤيته للقضية الكردية، كي نتفق حيناً، ونختلف حيناً، بل إن روحه الإنسانية، وفهمه العالي للمواطنة الحقة، وتقويمه للاستبداد، كان بعض ملامح رؤيته التي ينطلق منها.
كنت أستمع إلى أبي فادي،ذي الكاريزما العالية، وأنا مندهش لذاكرته المتقدة، والتي تؤكد أننا أمام شاهد مهم على مرحلة سياسية مديدة، تهم منطقتنا، وبلدنا، وثمة الكثير الذي لابد من توثيقه، فأعرض عليه، وبحضور الصديقة الكاتبة ريم الجباعي، حيث كانت معنا في كل لقاءاتنا، أن يدون مذكراته، من جهة، مؤكداً له أنني سأجري حواراً مطولاً معه، حول الكثير من ذكرياته، ممنياً النفس أن اللقاءات ستتابع، وأننا سنعود عما قريب معاً إلى الوطن..؟.
ولعلي أحس بتقصيري الكبير تجاه صديقي أبي فادي، لأنه كان علي، أن أبرمج جدولي الأسبوعي لألتقيه -باستمرار- دون أن أنقطع عنه، إلا أنه كان يقدر طبيعة عملي، وبعض متابعاتي التي لابدَّ منها، في ظلِّ الثورة السورية العظمى، بحنوِّه العالي، ولعلي أتذكر أنه كلفني”عشية اجتماع الأمانة العامة للمجلس الوطني في السويد” بإيصال رسالة إلى بعض المقرَّبين منه، من قيادات المجلس الوطني السوري، عسى أن يؤمنوا له، إقامة في بلد أوربي؟؟، إلى أن تنتصر الثورة، ويسقط النظام، كي يعود إلى الوطن، لأنه كان ممن يرون، أن النضال الأهم، هو في مرحلة ما بعد سقوط النظام، الذي بات يترك في كل يوم ألف لغم، للفتك بسوريا، شعباً ووطناً، مادام أن رئيس الغد ليس بشار الأسد، وأن عبارة الخالد” لن ترافق اسم أبيه الذي تكنس تماثيله، على طول البلاد وعرضها.
وبالرغم من أن آخر عبارة، كتبها أبو فادي على صفحته الفيسبوكية، كانت عن”الألم”، وهو ألم كلّ سوري، إلا أنه ظل في كل صباح يترك العديد من رؤوس الأقلام، والحكم، والأقوال، حيث تدلُّ كلها على ثقافته العالية، وسلاسة العبارة التي يكتبها، بل وقبل كل هذا وذاك ثقته الأكيدة بانتصار الثورة، وصناعة فجر سوريا التي كرَّس لها حياته السياسية على امتداد نصف قرن ونيف، من أصل ما يقارب سبعة عقود من عمره.
سأظلُّ أذكر اسم أبي فادي مع رموز الثورة السورية، لاسيما وأنه قضى شهيداً، وهو في منفاه الأخير”القاهرة”، بعد أن توزعت إقامته” خلال الأشهر الماضية” بين الجزائر-حيث أحد أشقائه هناك- ودولة الإمارات حيث يقيم نجله الأكبر، وأياً كان القاتل، ودواعي قتل هذا المناضل الكبير، فإنَّ النظام السوري هو المسؤول عن هجرته، وألمه، وظلمه، وغربته، ومقتله،شأن ملايين السوريين الذين يواجهون أقذر آلة حقد قاتلة في تاريخ العصر.
و أخيراً، لا أخفي، ألمي الكبير، وأنا أدرك أن أبا فادي سيشيع غداً، في مثواه الأخير في القاهرة، بعيداً عن أرض الوطن الذي استبيح منذ أربعة عقود، وكان شهيدنا من الأوائل الذين دعوا لتطهيره من دنس النظام، منذ سبعينيات القرن الماضي، بأدوات تلك المرحلة، وهو ما قلته لنجله، مؤكداً أنه ينبغي أن يضع نصب عينيه، أمام استحالة نقل جثمان أبيـ أن يتم التعهد بنقل رفاته لمسقط رأسه مع تباشيرالنصرالسوري القريب.
*يشيع الشهيد زهير البوش في مصر يوم غد السبت 15-12-2012
ولقد ظهر دور أبي فادي على نحو بارز مع بداية الثورة السورية، حيث شارك في أولى تظاهرة تضامنية مع أطفال درعا،تمت في مدينة قامشلي، وقد تتالت مشاركاته بشكل مستمر، في كل التظاهرات التي تمت حتى لحظة مغادرته هذه المدينة، كما أظهرت فيديوهات شباب الثورة ذلك، بل كان يسير في الصف الأول فيها، مع أبطال هذه المدينة الباسلة التي لبت مع عامود ا أول تضامنين سوريين مع أطفال درعا الباسلة، وهو ما عرضه للاستدعاء، والضغط، والتهديد من قبل بعض الجهات الأمنية-كما روى لي ذلك بعد وصوله إلى دولة الإمارات- لأن هذه الجهات كانت تحرص على وضع العراقيل أمام أية مشاركة عربية أو آثورية، في الوقت الذي كانت تستهدف الناشطين الكرد باعتبارهم أول من تحركوا.
قبل أشهر، تفاجأت على صفحتي الفيسبوكية برسالة تركها لي الصديق أبو فادي يطلب فيها أن أرسل إليه رقمي أو أتصل به على رقم هاتفه، لأنه وصل الإمارات، كانت فرحتي كبيرة بأن ألتقيه -هنا- فهو يحمل رائحة الثورة، ورائحة قامشلي- التي لم أشمها منذ ثلاث سنوات كاملة- فلم أتلكأ في ضرب الموعد والالتقاء به، مع عدد من المقربين، في أكثر من لقاء، لأسمعه -عن قرب- وهو يتحدث في شؤون الثورة، وعلاقاته مع المناضلين الكبيرين الخالدين: إسماعيل عمر ومشعل التمو، وغيرهما من الناشطين، والمثقفين، و كذا عن علاقته بالمعارضة، وبعض رموزها، ودوره في”إعلان دمشق”، ورؤيته للقضية الكردية، كي نتفق حيناً، ونختلف حيناً، بل إن روحه الإنسانية، وفهمه العالي للمواطنة الحقة، وتقويمه للاستبداد، كان بعض ملامح رؤيته التي ينطلق منها.
كنت أستمع إلى أبي فادي،ذي الكاريزما العالية، وأنا مندهش لذاكرته المتقدة، والتي تؤكد أننا أمام شاهد مهم على مرحلة سياسية مديدة، تهم منطقتنا، وبلدنا، وثمة الكثير الذي لابد من توثيقه، فأعرض عليه، وبحضور الصديقة الكاتبة ريم الجباعي، حيث كانت معنا في كل لقاءاتنا، أن يدون مذكراته، من جهة، مؤكداً له أنني سأجري حواراً مطولاً معه، حول الكثير من ذكرياته، ممنياً النفس أن اللقاءات ستتابع، وأننا سنعود عما قريب معاً إلى الوطن..؟.
ولعلي أحس بتقصيري الكبير تجاه صديقي أبي فادي، لأنه كان علي، أن أبرمج جدولي الأسبوعي لألتقيه -باستمرار- دون أن أنقطع عنه، إلا أنه كان يقدر طبيعة عملي، وبعض متابعاتي التي لابدَّ منها، في ظلِّ الثورة السورية العظمى، بحنوِّه العالي، ولعلي أتذكر أنه كلفني”عشية اجتماع الأمانة العامة للمجلس الوطني في السويد” بإيصال رسالة إلى بعض المقرَّبين منه، من قيادات المجلس الوطني السوري، عسى أن يؤمنوا له، إقامة في بلد أوربي؟؟، إلى أن تنتصر الثورة، ويسقط النظام، كي يعود إلى الوطن، لأنه كان ممن يرون، أن النضال الأهم، هو في مرحلة ما بعد سقوط النظام، الذي بات يترك في كل يوم ألف لغم، للفتك بسوريا، شعباً ووطناً، مادام أن رئيس الغد ليس بشار الأسد، وأن عبارة الخالد” لن ترافق اسم أبيه الذي تكنس تماثيله، على طول البلاد وعرضها.
وبالرغم من أن آخر عبارة، كتبها أبو فادي على صفحته الفيسبوكية، كانت عن”الألم”، وهو ألم كلّ سوري، إلا أنه ظل في كل صباح يترك العديد من رؤوس الأقلام، والحكم، والأقوال، حيث تدلُّ كلها على ثقافته العالية، وسلاسة العبارة التي يكتبها، بل وقبل كل هذا وذاك ثقته الأكيدة بانتصار الثورة، وصناعة فجر سوريا التي كرَّس لها حياته السياسية على امتداد نصف قرن ونيف، من أصل ما يقارب سبعة عقود من عمره.
سأظلُّ أذكر اسم أبي فادي مع رموز الثورة السورية، لاسيما وأنه قضى شهيداً، وهو في منفاه الأخير”القاهرة”، بعد أن توزعت إقامته” خلال الأشهر الماضية” بين الجزائر-حيث أحد أشقائه هناك- ودولة الإمارات حيث يقيم نجله الأكبر، وأياً كان القاتل، ودواعي قتل هذا المناضل الكبير، فإنَّ النظام السوري هو المسؤول عن هجرته، وألمه، وظلمه، وغربته، ومقتله،شأن ملايين السوريين الذين يواجهون أقذر آلة حقد قاتلة في تاريخ العصر.
و أخيراً، لا أخفي، ألمي الكبير، وأنا أدرك أن أبا فادي سيشيع غداً، في مثواه الأخير في القاهرة، بعيداً عن أرض الوطن الذي استبيح منذ أربعة عقود، وكان شهيدنا من الأوائل الذين دعوا لتطهيره من دنس النظام، منذ سبعينيات القرن الماضي، بأدوات تلك المرحلة، وهو ما قلته لنجله، مؤكداً أنه ينبغي أن يضع نصب عينيه، أمام استحالة نقل جثمان أبيـ أن يتم التعهد بنقل رفاته لمسقط رأسه مع تباشيرالنصرالسوري القريب.
*يشيع الشهيد زهير البوش في مصر يوم غد السبت 15-12-2012