رداً على داود البصري, عمر قتل علياً.. قتل العلي لعمر.. ليس شأناً كردياً

 درويش محمى *

من المؤسف حقاً ان يعتمد الكاتب داود البصري على ثرثرة المطاعم وكلام المقاهي ليفتتح بها مقاله “عمر قتل عليا…فليقتل علي عمر…نفاق الاحزاب الكردية“، حيث يلجئ الى علم التنجيم في التحليل السياسي والبحث في طبيعة مشاعر وامنيات الغير، وفقط على هذا الاساس يدعي ان”الاكراد الذين يشاهدون تردي الوضع العراقي بل ويتمنون تصعيد وتسخين التقاتل من أجل تغيير المشهد السياسي لصالحهم ” هذا الادعاء الذي لا اساس له من الصحة، المنافي للحقيقة والواقع، والذي اكتشفه الاستاذ البصري وهو يغوص في نفوس البعض من الكرد في احدى مطاعم لندن، وتعميمه لتلك الحالة على الحزبين الكرديين والساسة الكرد، الذين لا ناقة لهم ولا جمل في الحرب الطائفية البغيضة القائمة بين السنة والشيعة العرب منذ 1400 عام، مقال داود البصري الاخير يشبه كثيراً كلام المقاهي والمطاعم التي اعتمد عليها “كمصدر موثوق”، والمشروع الكردي على نقيض ادعاءه، صريح وواضح ولا يحتاج الى علم التنجيم، ويتمثل في العراق الفدرالي الديمقراطي التعددي.

يبدو ان الاستاذ البصري غافل تماماً عن الواقع السياسي الاقليمي والدولي، ولا يدرك ان الاقتتال الطائفي الذي يجري اليوم في العراق يشكل خطراً حقيقياً على المشروع الكردي، وانهيار العراق الجديد يعني نهاية تعيسة للفدرالية الكردية القائمة اليوم، ويضع الكرد في مواجهة “عالم الغيب” ومخاطر دول الجوار المعروفة بعدائها للكرد والقضية الكردية، بالتأكيد فشل مشروع العراق الجديد لا سمح الله نتيجة للحرب الطائفية ” الشيعيةـ السنية “، سيشكل نكسة حقيقية للكرد، فالحزبين الكرديين يدركون جيداً ان الاستقلال ليس بالامر الهين وصعب التحقيق في الظروف الحالية، والا كان الحزبين الكرديين اعلنا الاستقلال بدون خجل وبدون موافقة السيد البصري ونزولاً عند رغبة الجماهير الكردية، وبالاستقلال يكون الكرد قد تخلصوا والى الابد من شركاء في الوطن على شاكلة الاستاذ البصري، الذين يعتبرون الكرد سبباً لمشاكل العراق والمنطقة وحتى العالم في بعض الاحيان.

الجهود الحثيثة والدور الكردي النشط من اجل انهاء الخلاف السني الشيعي تدحض ادعاءات الكاتب البصري، والمحاولات العديدة للقادة الكرد في حلحلة الصراع المذكور لا تحصى في هذا المجال، وكون البصري عراقي وصاحب تخصص فمن المفترض انه على دراية تامة بهذا الامر.

البصري يردد في مقاله الاسطوانة الشوفينية المعروفة، ويفعمنا بنفس النبرة والنغمة ونفس الجمل ويقف نفس الموقف الذي نسمعه من ايتام البعث في وسائل الاعلام، “ان الاحزاب الكردية وقياداتها التي تعيش اليوم عصر هيمنتها الذهبي……لقد هيمن الاكراد في عراق اليوم على رئاسة الجمهورية……وعلى وزارة الخارجية”، للاسف الاستاذ البصري لجئ الى طريقة الرفاق البعثيين في النفاق، وبدأ مقاله بالفصل بين الشعب الكردي والاحزاب الكردية، ومن ثم يدعي وقوفه الى جانب الشعب الكردي وحقوقه المشروعة، ومن ثم يستكثر على الكرد مشاركتهم بالعملية السياسية، ولانه عروبي قح لا يروق له ان يكون كردي رئيساً للعراق ولا وزيراً لخارجيتها، والغريب هذا التطابق الشديد في المواقف بين السيد الكاتب البصري وايتام البعث من الوجود الكردي في الحكومة الاتحادية، واعتبار الكرد طابور خامس لا يحق لهم تبوء المناصب السياسية في دولة العراق العربي.

نعم ربما لست شوفينياً معروفاً يا سيد البصري، ولكنك شوفيني بالفطرة من حيث لا تدري، وانت تتهم الكرد بانهم يتمنون الحرب الشيعية السنية زوراً وبهتاناً، بل وتذهب في خيالك الى الابعد من ذلك وتدعي ان الحرب الطائفية لمصلحة الكرد، الشوفينية مرض خطيرعزيزي الاستاذ البصري وانت لست المصاب الوحيد بتلك الافة، فلا عتب عليك ولا حرج، وثقافة الاستبداد اللعينة التي انتجها البعث على مدى عقود وبحكم الزمن اصبحت متفشية حتى العظم لدى البعض وانت للاسف من هذا البعض، وادعاءك انك من مؤيدي “حق الشعب الكردي في تقرير المصير ودولته المستقلة ” مجرد كلام في كلام، لان من لايحق له رئاسة العراق ولا وزارة الخارجية بطريقة دستورية شرعية بالتأكيد لا يحق له الاستقلال ولا من يحزنون.

الاستاذ البصري تعلم جيداً ان العراق الجديد قائم على الشراكة والمحاصصة الشيعيةـ السنية والكردية، وما العيب في ذلك فهذه هي طبيعة العراق وواقعه، وما حصل عليه الكرد من مناصب في الحكومة العراقية هو انعكاس لمشاركتهم في العملية السياسية، ونتيجة طبيعية لممارسة حقوقهم على اسس “ديمقراطية” بوصفهم القومية الثانية في العراق، واستناداً على نتائج الانتخابات التي جرت، يشكل الكرد ثاني اكبر مجموعة برلمانية في مجلس النواب العراقي، وباعتبار منصب رئيس الجمهورية هو ثاني منصب في سلسلة مناصب الهيئة التنفذية، فمن الطبيعي ان يشغره كردي، هذا اذا كان الكردي له حقوق وواجبات مثله مثل غيره من العراقيين.

وعن موقف السيد جلال الطالباني رئيس جمهورية العراق، بخصوص اعدام صدام حسين فهو ليس بجديد، وعدم توقيع سيادته لحكم الاعدام هو اثبات اخر على ان الكرد ليس لديهم رغبة في اثارة الاحقاد الطائفية ولا الاثنية، ولان الكاتب كما يبدو يجهل الثقافة الكردية نضيف لمعلوماته ونذكره بجدنا الاول صلاح الدين الايوبي ونبله وتسامحه مع اشد خصومه، وهذا هو حال الكرد اليوم، وكما تعلم ويعلم الجميع ان ما فعله صدام بالكرد يفوق بكثير ما فعله بالاخوة الشيعة العراقيين، وما فعله بالاخوة الكويتيين، وككردي يبغض البعث والطاغية صدام حسين المقبور الى اقصى حد، لو خيروني بين اعدام الطاغية صدام وسجنه لقررت وبدون تردد سجنه، فنحن لا نجيد القتل الا في ساحات الوغى والدفاع عن النفس، ولا نقتل الاسرى ونعتبر كل من يقتل الاسير انما يثبت على نفسه الضغف وقلة الشهامة.

ما جاء في مقال الاستاذ البصري حول تجنيس ” الاف من الاكراد السوريين والاترك والايرانيين بالجنسية العراقية”، هو ادعاء باطل، ومجرد ” حكايات وروايات “كما ذكر البصري نفسه وعلى مايبدو سهواً في مقاله، لكونه كاتب يهتم بغزارة لا نوعية المقال، واتمنى لو كان كلامه صحيحاً، لانني فعلا وبعد قرأتي هذه المعلومة الجديدة وككردي سوري اقيم في اقاصي الكون وبلاد الجليد السويد بعيداً عن الوطن، بدأت افكر جدياً ان اتقدم بطلب الحصول على الجنسية العراقية ” في اقليم كردستان العراق”، واين الخطأ عزيزي البصري اذا كان الفلسطيني المهاجر يحصل على الجنسية السورية والجنسية الاردنية فما العيب ان يحصل الكردي السوري على الجنسية العراقية في اقليم كردستان ارض اباءه واجداده، ولزيادة معلوماتك الاستاذ البصري، العوائل الكردية منقسمة بين الدول الاربعة ولانك بالتأكيد عايشت ظروف الهجرة في الغرب وصعوباتها، تدرك تماماً ان هناك مايسمى بجمع شمل العائلة وهو حق ثابت في معظم القوانين والدساتير الدولية، وعلى هذا الاساس من حقي ككردي ان احصل على الجنسية العراقية بل اكثر من ذلك “ونكاية بك “من حقي الحصول على الجنسية التركية والايرانية بالاضافة الى جنسيتي السورية والسويدية، على اساس جمع شمل العائلة التي انقسمت على نفسها بين الدولة الاربعة، بالتأكيد لن يوافق الكاتب البصري طلبي في الحصول على الجنسية العراقية وسيرفضها حتماً ومن حسن حظي انه ليس بوزير للهجرة، لانه يعتبرنا وحسب ما جاء في المقال من الطابور الخامس ولايحق لنا ما يحق لغيرنا.

النفاق هو ادعاء موقفين متناقضين في الوقت ذاته، تماماً كما فعل الكاتب داود البصري وبكل وضوح في مقاله الاخير، على عكس الاحزاب الكردية التى تتميز بوضوح الرؤية وثبات الموقف، والتي تمثل حتى الصميم جمهورها الكردي واماله، والاصبع الازرق الذي طالما كتب كاتبنا البصري فيه شعراً ونثراً ومدحاً تثبت وحدة وصميمية الاحزاب الكردية مع الجمهور الكردي، بالرغم من اتفاقي مع الكاتب البصري في تناوله لمسائل الفساد في العراق عامة وكردستان بشكل خاص وهي حالة مؤقتة وزائلة لا محالة.

مازالت احتفظ في ذاكرتي بتلك الوردة التي ارسلتها من جبال كردستان للاستاذ داود البصري عرفاناً وتقديراً لدفاعه عن الكرد في احدى مقالاته، كان قد رد فيها على تهديدات صالح المطلق الشوفينية، ايام ازمة العلم الصدامي حين رفض الكرد رفعه في كردستان، واليوم اجد نفسي مغشوشاً بالبصري حيث كنت اعتقد ان الرجل صاحب مبدأ ولم اكن اتصور ولو للحظة انه أخذ ذلك الموقف على اساس طائفي باعتبار المطلق سني ومن اتباع عمر والاستاذ البصري ايضاً سني ولكنه شيعي الهوى ومن اتباع علي رضي الله عنه، وبعد قرأتي لمقاله الاخير “نفاق الاحزاب الكردية ” اطالبه باسترداد تلك الوردة لابقي على عبقها ورونقها ولانه اثبت وبشكل قاطع انه لا يستحقها، ولياكل الاستاذ البصري من التمر البصري حتى التخمة والتكرش بعيداً عن السفارات العراقية.

* كاتب كردي سوري
d.mehma@hotmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…