كشفت ثورات الربيع العربي عن المستور والمخفي في واقع الشعوب وأفرزت خلال مرحلة تنامي الانتفاضات الثورية وحتى قبل سقوط الدكتاتوريات والأنظمة المستبدة نوعين من خنادق الاستقطاب متناقضان ومختلفان واحد يتحصن فيه الاسلام السياسي بجماعاته المتعددة وقوتها الأساسية الآيديولوجية حركات الاخوان المسلمين الساعية الى خيار الدولة الدينية على مبدأ – الاسلام هو الحل – وآخر علماني مدني يجمع مختلف التيارات الديموقراطية والليبرالية واليسارية واذا كانت تونس ومصر قد اجتازتا تجربة خاصة بهما تحت ظل ” تحالف الأضداد ” في اسقاط بعض البنى الفوقية وخاصة موقع الرئاسة والسلطة التنفيذية على وجه الخصوص من دون تحقيق عملية تفكيك سلطة وقاعدة وأعمدة الدولة بصورة جذرية ثم نتجت عن عملية الانتخابات سيطرة الاخوان المسلمين بمشهد ائتلاف هش مع باقي قوى الخندق المواجه فان مسألة الصراع على السلطة لم تحسم بعد نهائيا لافي تجربة البلدين ولا في التجربة الليبية .
تجربة الثورة السورية التي لم تحسم بعد مهمة اسقاط النظام وهي مستمرة تحمل في جوهرها الى جانب خصوصياتها نفس القضايا والتحديات التي أفرزتها ثورات الربيع بعناوينها الرئيسية وخاصة الصراع بين العلمانيين والاسلام السياسي ولكن في اطار التحالف الوقتي والتنافسي في الوقت ذاته لحين الانتهاء من عملية اسقاط النظام الذي يشكل الخطر الأكبر على الجميع وبوسع الوطنيين السوريين العلمانيين وبسبب اطالة أمد الثورة أن يعززوا من قناعاتهم ويناقشوا مصيرهم ويختبروا السياسات المطروحة في الساحة بمافي ذلك العمل الاستباقي من أجل التقليل من نفوذ جماعات الاسلام السياسي ضمن الأطر المعارضة السياسية وكذلك في صفوف الثورة والحراك ولكن بالطرق السلمية والديموقراطية لأن على الجميع وفي نهاية المطاف الارتهان لنتائج صندوق الانتخاب وصون السلم الأهلي والوحدة الوطنية .
وهكذا نلمس أن جوهر الصراع القائم في سوريا هو بين الشعب من جهة والنظام من الجهة الأخرى وبين الحرية والاستبداد والعدالة والقمع وهي مواجهة تناحرية سيلغي الواحد الآخر أما التناقضات والخلافات الأخرى في أوساط الشعب ذات الطابع الطبقي الاجتماعي والفكري والثقافي والسياسي والناشبة الآن بين أبناء الخندق الواحد المواجه لخندق النظام بمافيها المواجهة مع الاسلام السياسي فهي تعبر عن صراع ذات طبيعة غير تناحرية تحل بوسائل الحوار التنافسي والتعايش السلمي في اطار الاختلاف .
هذه الحقيقة التاريخية العلمية الموضوعية تفند بالجملة والتفصيل مايسعى اليه البعض في تزييف الواقع بتبديل عوامل وجوهر وأسس وشكل الصراع الدائر في بلادنا وعلى خطى اعلام النظام المضلل الذي ينفي وجود ثورة وطنية شاملة بآفاق ديموقراطية ويعتبر مايحصل عبارة عن ملاحقة مسلحين ارهابيين تكفيريين خارجين على القانون تنبري جماعات حزب العمال الكردستاني التركي عبر اعلامها في معرض نفيها التورط مع السلطة ضد الثورة الزعم بأن ” معاركها المسلحة ” مع الثوار في عفرين وكوباني وحلب ورأس العين مع القاعدة والسلفيين والاسلاميين الأردوغانيين تماما كما خطاب سلطة الاستبداد وحتى لو سلمنا مجازا بوجود مجموعة مسلحة موتورة برأس العين وغيرها فهل نسق مسلحو ب ك ك مع القوى الكردية والعربية والمسيحية والتنسيقيات الشبابية وقيادة الجيش الحر لحل الاشكال بالطرق السلمية اذا كانوا حريصين فعلا على وحدة صفوف الثورة وانتصارها ؟ .
أضاليل جماعات ب ك ك في ادعاء التقدمية والحرص على مواجهة الاسلاميين والسلفيين والرجعيين لن تنطلي على أحد عندما نعلم تعاونها الكامل مع نظام جمهورية ايران الاسلامية المركز الاقليمي للارهاب والمصدر الوحيد عقيدة وأموالا وتسليحا لحزب الله ولكافة جماعات الاسلام السياسي الشيعي في المنطقة والعالم خاصة حول الملف السوري ووقف نشاطات وعمليات حزبها الكردي الايراني – بزاك – اضافة الى مد الجسور مع حكومة المالكي المذهبية المستفزة لقيادة الاقليم الكردستاني ثم عمل جماعات ب ك ك المشترك على أرض الواقع مع النظام السوري الغارق في أوحال الطائفية حتى أخمص القدمين فهل هذه هي التقدمية ؟