لا شكّ في أنّ الحريّة هي منْ أهمّ صفاتِ إنسانية الإنسان، فالإنسان ولد حرّاً طليقاً، ولا يحقّ لأجلِ ذلك أن يستعبدَ أحدٌ أحداً، أو ينتقصَ من إنسانيته، ولإنْ كانَ الرقّ في العصور السالفة هي النموذج الذي يُستعبد به الإنسان، فإنّ الاستبدادَ هو النموذج الجديد للعبودية، فالمُستبِد لا ينظرُ إلى الآخرين نظرةً فيها الحرية الكاملة لهم، بل إنّه يسلبها منهم.
وحين ننظرُ إلى الكورد نراهم نموذجاً مقهوراً ومُستبداً طيلة عقودٍ طويلة، وكان لهذا الظلم أن زكّى الذات الكوردية، وجعلها بعيدةً عن التفكير المتطرف، إن المعاناة التي عاناها الكورد جعلتْ منهم نموذجاً للتحرر من هذه النفسية الاستبدادية، لأنّ فكرة الاختلاف وتقبّل الآخر المختلف عنه متجذّرة في الروح الكوردية، ولعل نموذج كوردستان العراق خير مثالٍ على ذلك، حيثُ أنها أصبحت ملاذاً لجميع القوميات والأديان، ولم تسجل إلى الآن انتهاكات تجعل من الكورد مستبدين، سياسياً أو قومياً أو دينياً.
وهنا نستطيعُ أن نقول هل بإمكان المظلوم أن يصبح ظالماً؟
إنّ هُناك آراء تقولُ بأنَّ المُستبَدَّ يتقمّصُ أسلوبَ الظالم، ولكنْ عندما يكونُ المظلومُ منفتحاً على الآخر، لن يصبح ظالماً بأي شكلٍ من الأشكال خاصة إن كان مؤمناً بثقافة الاختلاف.
إنّ المدنية التي يدعو إليها الكورد، وثقافة الديمقراطية التعددية، والتي تجعل صندوق الاقتراع هو الفيصل في العملية السياسية هي ضامن لعدم العودة إلى ثقافة الاستبداد، واحترام الآخر.
ويحقّ للكورد الذين عانوا ما عانوه من عقود الاستبداد أنْ يختاروا لأنفسهم الحرية التي يستحقونها، بعد كل هذا الظلم الذي عاشوه من الاستبداد.
إن الاستبداد الذي مورس ضد الكورد بطريقة مباشرة من قبل الأنظمة يمارس من قبل الجهات التي بيدها سلطة جزئية أو قرارات جزئية بطرق مختلفة، تتمثل بالتكبر على الكورد، عبر تهميشهم، وتحييدهم عن القرارات المصيرية، وعدم حفظ الخصوصية التي هم عليها.
لقد قامت السلطات المحيطة بالكورد في التاريخ القريب جداً بالكثير من الاجتماعات الثلاثية، لا لكي يطرحوا قضايا التعاون والازدهار لشعوبهم، بل للتفكير بكيفية ضرب الكورد في الصميم، متناسين أن الكورد يحملون طاقة الحياة، وهم شعبٌ يستحق العيش معهم كشريك، له خصوصيته، لا كعدو يجب التخلص منه.
إنّ الانتكاسات المتعددة والإحباطات الكثيرة التي مني بها الكورد من شركائهم في الجوار، سواءٌ العرب منهم أو الأتراك أو الإيرانيين، قد خلقت لدى الكوردي هاجس الخوف الدائم من أية قرارات تتخذها هذه السلطات، لكنّ اليوم ليس مثل البارحة، لقد طرحت الثورات في المنطقة، والتي سميت بثورات الربيع العربي، والتي هي بالحقيقة ثورات الربيع في هذه الجغرافية التي يعيشُ فيها كمٌ عديد من الأديان والقوميات والأعراق.
طرحت هذه الثورات تعاملاً جديداً مع جميع المواضيع المطروحة.
فالكورد الذين عاشوا ثائرين دوماً، يعيشون الثورة هذه المرة مع جميع شركائهم في العيش المشترك، من القوميات الأخرى والأديان والمذاهب الأخرى، وهم مؤمنون اليوم أكثر من أي وقت آخر بمدنية الثورة، وبالدعوة لحياة حرة كريمة تكون فيها صناديق الاقتراع هي الفيصل في كل الأمور، ضمن بلادٍ تؤمن بالتعددية، ودعم حقوق الآخر.
إن ثقافة المستبدّ المتكبرة على إرادة الحياة لدى الشعوب التواقة إلى الحرية، ستنتهي لا محالة، بالانهزام تحت وطأة المطالبة بالحرية، والكرامة.