السماء لا تمطر فيدرالية أيها الكردي

  عماد يوسف

إن المتتبع لصيرورة ما يجري في سوريا من ثورة شعبية سلمية النشأة تحولت بحكم العمليات الوحشية التي ارتكبها النظام السوري بحق المدنيين و المناوئين له إلى ثورة مسلحة للدفاع عن الكرامة و الحرمات , ليدرُك حجم ما عاناه هذا الشعب من صنوف العذاب على مدى سنوات حكم هذا النظام, و خاصة الشعب الكردي الذي حرم من كل حقوقه المدنية و السياسية و الثقافية فبقيت أحلامه في طور الأماني تغنى بها في تراجيديات محمد شيخو و صيحات شفان برور الحماسية … و بقي الشعب الكردي في نظر العرب كما روج النظام عنهم بأنهم انفصاليون يعملون لاقتطاع جزء من سوريا لتأليبهم على الكرد و اثارة النعرات القومية بينهم و خاصة بعد انتفاضة قامشلو عام 2004 و المآسي التي عاناها الكرد بعدها من عمليات القتل و التعذيب و التهجير و الأحكام العرفية الصارمة المنفذة بحقهم ..
و مع بداية الثورة السورية عمد النظام على منح المنطقة الكردية بعض الحرية في التعبير و العمل السلمي ما لم يحمل السلاح في وجهه , و منح بعضهم قليلاً من الامتيازات المالية و الخدمية , و ظل النظام يراقب الوضع الكردي البعيد نوعياً عما يجري في سوريا من عمليات القصف و التدمير و المجازر اليومية بحق الأبرياء , و بدأت الأحزاب و المجالس الكردية ( في هذا الجو الآمن ) تعيد تنظيم نفسها و تحدد أهدافها و حقوقها في سوريا المستقبل – سياسياً – و تدخل في حوارات مع المعارضة و المجتمع الدولي , لكن بقيت كل خططه و برامجه في طور البيانات و التصريحات رغم النار المحيط به في كل مكان و رغم تحديده سقف مطالبه بالفيدرالية أو تقرير المصير , و كان لزاماً على الكرد بناء على هذه المطالب أن يشكلوا أنظمة مؤسساتية و خدمية و عسكرية تكون جاهزة لحماية و إدارة المنطقة الكردية, لكن العمل الفعلي على الأرض لم يدخل حيز التنفيذ و لم يدخل الكرد في المعركة على النظام لتحرير مناطقهم و السيطرة عليها بالتعاون و التنسيق مع الجيش الحر لتوسيع ساحة المعركة ضد النظام و إنهاكه , و ذلك بدعوى السلمية في حراكه الثوري على الرغم من وجود قوى تستعرض قوتها و عضلاتها و اسلحته اليدوية على مرأى الناس العزل و لا ندري إذا كان ذلك لترهيبهم أم لترهيب النظام ..؟
و ظلت المناطق الكردية منشغلة بمشكلاتها الداخلية و علاقات كياناتها المتوترة نسبياً فيما بينها على الرغم من اتفاقاتها التي بقيت هشة التنفيذ / تحسبهم جميعاً و قلوبهم شتى / …
إلى أن بدأ الجيش الحر بتوحيد كتائبه و توسيع عملياته و نمت قوته حتى وصل الى القصر الجمهوري , فكان لا بد أن يصل الى المناطق الحدودية الكردية في غفلة من الكرد الذين اكتفوا بتوضيح وجهة نظرهم حول دخول الجيش الحر و عدمه بعد أن ارتبط تواجد الجيش الحر بالتدمير و القصف من قبل كتائب الأسد , مبررين ذلك بالحفاظ على الأمن و السلام في المناطق الكردية و ابقائها بعيداً عن المعارك و حاضنة للفارين و النازحين و ذلك خوفاً من بطش النظام بهم و قلة امكاناتهم و خروجهم بأقل الأضرار و في ذلك نستذكر قول الشاعر :
    فيم التعلل بالآمال تخدعكم           و أنتم بين راحات القنا سلب
إلا إن التاريخ لا يرحم ضعيفاً كالشعب الكردي الذي يشبه وضعه كحال بلاد الشام إبان دخول الفرنجة من التشتت و استقواء كل حزب بمن يؤيده لينفذ إلى الداخل بأجنداته عبره , ناهيك عن الصراعات الجوفاء التي خلخلت كيانهم و مزقتهم سياسيا و اجتماعيا, و بهذه الوضعية المأساوية سيخرج الكرد مسلوبي الآمال الخلبية إذا ما اكتفوا بالتفرج على المعركة الدائرة بين الجيش الحر و النظام و عليهم تحديد موقفهم من الجيش الحر و التعاون معه و بدء معركة التحرير الحقيقية معه لأن النظام في لحظاته الأخيرة اليوم و السماء لن تمطر لهم بالفيدرالية التي يتغنون بها ما داموا يشحذون الوعود هنا و هناك , و لم يحرثوا وطنهم بكد أيديهم بعد نفاذ سلطة النظام المدنية و عدم قدرته على تأمين الاحتياجات الضرورية لشعبنا الذي هجّر من وطنه, و بعد أن غرق النظام في دمشق و لا شك أنها النهاية ….

12 / 11 / 2012

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…