«رأس العين» و «عين العرب» حقائق وأبعاد

صلاح بدرالدين

       الأولى مدينة متعددة الأقوام المتعايشة بسلام غالبيتها كردية والثانية يسودها اللون الكردي وكغيرهما من المدن والبلدات في مناطق الكرد التاريخية لهما اسمان واحد رسمي معرب منذ أن وضع نظام البعث مشروعه الشوفيني العنصري منذ ستينات القرن الماضي ونفذ وطبق عمليا في عهد (الأسدين !) الأب والابن بضلعيه (الاحصاء الاستثنائي الذي جرد عشرات الألوف من كرد المنطقة من حق المواطنة والحزام العربي الذي أراد تغيير التركيب الديموغرافي لمناطق الكرد وتهجيرهم) وآخر حقيقي ” سري كاني ” و ” كوباني ”
شهدت الأولى في الثامن من الشهر الجاري قدوم مجموعة من مقاتلي الجيش الحر استولت أولا على المعبر الحدودي المشترك مع تركيا ثم أعلنت تحرير المدينة من ادارات النظام الأمنية وتصفية مسؤل مفرزة الأمن العسكري السيء الصيت وحتى الآن لم يعلن عن خسائر بالأرواح والممتلكات مما يعني ذلك من حيث المبدأ أن الجيش الحر استقبل من أهل المدينة كقوة صديقة وليست معادية أما الثانية ” كوباني ” فقد شهدت يوم التاسع من الجاري فاجعة أليمة عندما أطلق مسلحوا جماعات – ب ك ك – النار على المتظاهرين الذين انتصروا للثورة السورية وطالبوا باسقاط نظام الأسد ودعم ثوار دمشق واستشهد الناشط المأسوف على شبابه – ولات حسي – متأثرا بجروحه ولدى نقل جثمانه الى المثوى الأخير هبت – كوباني – عن بكرة أبيها لتندد بالقتلة وتردد آلاف الحناجر : الشعب يريد اسقاط ب ك ك .


  الناشطون الكرد بشبابهم ومستقليهم وبمعزل عن الأحزاب التقليدية وكما هو معروف شاركوا الانتفاضة الثورية السلمية منذ أسبوعها الأول في مختلف مناطقهم وذلك انطلاقا من مصالح الشعب الكردي القومية والمصلحة الوطنية لكل السوريين وحافظوا على الطابع السلمي للحراك مثل سائر المحافظات السورية الا أن تطورت الأمور نحو المقاومة المسلحة الدفاعية عن الشعب في بعض المناطق وانشقاق الضباط والجنود الشرفاء من الجيش النظامي وبينهم الآلاف من الجنود الكرد وتنظيم كتائب الجيش الحر كضرورة موضوعية لمواجهة اعتداءات قوى النظام العسكرية وبكل أنواع الأسلحة حتى المحرمة منها دوليا ثم توسعت صفوف الحر وسيطرت على العديد من المواقع الاستراتيجية بما فيها العاصمة وتم تحرير أكثر من نصف مساحة البلاد وكان الاعلان عن تشكيل الجبهات العسكرية الخمس مؤخرا خطوة نحو تنظيم وتعزيز الصفوف وضبط الأمور في جميع مناطق البلاد بما فيها المناطق الكردية التي شهدت أيضا اعلان ” المجلس العسكري الكردي الحر ”  وقطع الطريق على مخططات جماعات الاسلام السياسي الهادفة الى تغيير مسار الثورة وحرفها عن طريقها الوطني الديموقراطي وكذلك استعدادا لتثبيت الأمن والاستقرار في مرحلة لاحقة بعد اسقاط النظام .
  الحراك الثوري الكردي من ( تنسيقيات شبابية ومجاميع وطنية جماهيرية وتنظيمات سياسية متقدمة وشخصيات مستقلة ) وبحكم العلاقة المتقدمة مع الحراك الوطني الثوري على مستوى البلاد بدءا من دير الزور مرورا بالرقة وحلب والغرب والشمال والوسط ودمشق وانتهاءا بدرعا على قاعدة التنسيق والعمل المشترك والمصير الواحد كان سيمضي قدما على هذا المنوال السلمي معززا قاعدة الوحدة الوطنية بين المكونات المتعايشة في المناطق الكردية والمختلطة أولا والاتفاق مع قيادات الجيش الحر حول المسائل الميدانية وكل مايتعلق بالأمور العسكرية اذا دعت الحاجة وذلك من خلال تنظيم صفوف العسكريين الكرد المنشقين بالآلاف الموزعين بين اقليم كردستان العراق وتركيا والأردن ولبنان وصولا الى اعادة بناء جيش كردي حر ينسق مع الجيش الوطني السوري الحر ويخضع لقوانين ومتطلبات انتصار الثورة السورية ودواعي أمن وسلامة واستقرار الكرد ومناطقهم سائرا نحو تحقيق تفاهمات سياسية مع أطياف المعارضة وبخاصة الجذرية منها عبر المشاركة الفاعلة في اللقاءات والمؤتمرات ولاشك وللأمانة نقول أن ماتم تحقيقه كخطوات أولية من تسليم المعارضات السورية بالكرد وجودا وحقوقا وشراكة الذي بدأ منذ مؤتمر أنتاليا وحتى الآن هو من انجازات ذلك الحراك وليس الأحزاب التقليدية بمجلسيها وهيئتها والتي بدأت بتخريب ما أنجزه الحراك وتشويه سمعة الكرد بين الأوساط الوطنية السورية وتوسيع الهوة بين الكرد والعرب .


  ظهر المجلسان الكرديان ( الوطني وغرب كردستان ) في توقيت واحد بعد مضي ستة وثمانية أشهر من اندلاع الانتفاضة الثورية تحت شعار – الحياد – بين الثورة والنظام والنأي بالنفس عن الأحداث ! وكرد فعل على الحراك الثوري الشبابي الكردي وكان الأخير أكثر وضوحا في تعامله مع نظام الأسد بعد قدوم مسلحي ب ك ك من جبال قنديل في كردستان العراق حسب اتفاقية مبرمة مع ممثلي النظام وعبر عمليات التسليم والاستلام والتسلح والتحرك وتنفيذ الاغتيالات والتهديد والخطف ضد النشطاء الكرد على ضوء الخطط الأمنية والعسكرية المرسومة في الغرف المغلقة وبغطاء سياسي ( معارض ! ) من هيئة التنسيق التي تشكل الطابور الخامس والذراع المعارض للنظام يستخدمه وقت الحاجة ضد قوى الثورة السورية .
  نعم ظهر المجلسان سياسيا من خارج صفوف الثورة والحراك وبغطاء قومي كردستاني اشكالي وتقليدي أيضا يلفه الغموض طرحا نفسيهما كبديل لقيادة الساحة الكردية السورية من خلال ” الهيئة العليا ” التي تعبر عن نهج الأحزاب التقليدية الكردية التي أثبتت عجزها وفشلها منذ عقود فكيف بها تقود الكرد في أدق وأخطر المراحل وأقصد مرحلة الثورة الوطنية الديموقراطية الراهنة كيف تقود الكرد وهي لم تحسم أمرها من القضايا الأساسية التالية :
 أولا – مسألة اسقاط النظام رموزا ومؤسساة وبنى اقتصادية واجتماعية وادارات وخطابا .
  ثانيا – اعتبار الثورة السورية ثورة وطنية لتحرير الشعب من الدكتاتورية والاتيان بالبديل الديموقراطي لحل كل قضايا الشعب السوري بما فيها القضية الكردية حسب ارادة الكرد أم استثمار القضيتين السورية والكردية لمصالح حزبية وتحويلها الى صراع اقليمي ليس للكرد السوريين فيه ناقة ولاجمل .
ثالثا – الموقف من الثورة السورية من خلال الانخراط في صفوفها أو الحياد تجاهها .
 رابعا – طريقة التعامل مع الجيش السوري الحر باعتباره الأداة العسكرية للثورة يجب التعاون والتنسيق معه أم اعتباره عدوا , يجب دعمه في عملياته في تحرير كل المناطق السورية حسب استراتيجية الثورة بمافيها المناطق الكردية أم اعتباره عنصرا غريبا دخيلا .
  خامسا – عجز المجلسين حتى عن الاتفاق بينهما يشي بعدم أهليتهما لتمثيل الكرد خاصة وأنه منذ هيمنتهما غير الشرعية على مقدرات الساحة الكردية عبر هيئتهما ومسلحيهما وغطائهما القومي المعنوي والمادي فان الوضع قد تدهور أكثر وسيطر القلق وعدم الاستقرار بدل الطمأنينة والأمان وتضاعفت وتيرة الهجرة والتشرد وازدادت مستويات الجريمة بين الأهالي وخاصة في مجال الاغتيالات السياسية والارهاب الفكري والسياسي والاعلامي كما أن المجلسين يتحملان وبتفاوت مسؤلية أي خطأ في التعامل مع الجيش الوطني الحر وكذلك في الهجرة نحو الداخل والخارج والنزوح الجماعي أحيانا تحت تأثير الاشاعات المغرضة كما حصل في – رأس العين – سري كاني .

   لقد آن الأوان لتحرك الأكثرية الصامتة في المناطق الكردية لتنضم الى الحراك الثوري الكردي الشبابي ومجاميع حركة المجتمع المدني والمستقلين لوضع حد سياسي سلمي لعبثية هذين المجلسين الفاقدين للشرعية الوطنية والثورية كما هو حال شبيهيهما المجلس السوري والتوافق الوطني حول مرجعية سياسية جديدة تعبر قولا وعملا عن الطموحات الكردية في نصرة الثورة الوطنية والتفاعل مع المستجدات والتعامل مع الأولويات وتحقيق الذات عبر التلاحم الكفاحي مع سائر المكونات الوطنية لانجاز مرحلة الثورة على الاستبداد والانتقال الى مرحلة اعادة البناء .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…