تجاوز «المجالس» أو العودة الى الأصول

صلاح بدرالدين

ظهر الآن جليا بأن كل ما بني من مجالس وهيئات ولجان على هامش الانتفاضة والثورة وليست نابعة من صلبها جاءت من خارج تخوم العملية الثورية التاريخية للشعب السوري في لحظتها الراهنة وبالتالي بقاؤها أو زوالها سيان لن يقدما ولن يؤخرا من العملية الثورية الجارية والمتعاظمة حتى اسقاط النظام ونحن هنا لانستثني أي طرف ونخص بالذكر ” المجلس الوطني السوري ” الذي يعقد اجتماعاته الآن في دوحة قطر ولاشك أن ما تنطبق عليه من أحكام تشمل مثيلاته الأخرى التي نشأت في غفلة من الزمن وبمعزل عن الثورة وأهدافها الحاسمة في اسقاط النظام واعادة البناء مثل (هيئة التنسيق والمجلسان الكرديان ومابينها من كتل وجماعات) .
      هناك بون شاسع بين من يناضل لعقود ويثور ويضحي ويواصل الكفاح ثم يطالب المجتمع الدولي والرأي العام الحر بالتضامن وتقديم العون بأوجهه المختلفة المدروسة بدقة لانتصار الثورة من دون تنازل عن المسلمات والثوابت الوطنية ومثاله الداخل الثوري (جبهات الجيش الحر الخمس والحراك الثوري بوجهيه السلمي والمقاوم ومن ضمنه أساسا تنسيقيات الشباب) وهناك من حاول ركوب الموجة بعد شهور من اندلاع الانتفاضة والانطلاق من خارج أطرها والتحرك في داخل البلاد وخارجها والاعتماد على النظام أو القوى الخارجية في التأسيس والانطلاق والادارة السياسية مع مراعاة تامة لأجندات ومصالح وحتى مشاعر ” المانحين المزكين ” وادعاء امتلاك قيادة الثورة ومصير السوريين ومثالهم : المجلس السوري وهيئة التنسيق والمجلسين الكرديين والجماعات التي انتشرت كالفطر في الخارج هؤلاء لم يولدوا من رحم انتفاضة الشعب السوري الثورية بل أرادوا التأسيس والترويج لصناعة ” ثورة ” على أمزجتهم مطابقة لمقاساتهم ومربحة في حسابات المصالح العقائد الحزبية المختلفة  .

     هناك تناقض رئيسي عام الى درجة التضاد من حيث الجوهر بين هذه الظواهر الجانبية من جهة ومسار الثورة في الداخل – القلب حول العديد من القضايا قد تختلف وتتعدد بخصوص هذا الطرف أو ذاك مثل : وسائل الكفاح والمقاومة والموقف من النظام ومؤسساته اسقاط وتفكيك واعادة بناء أم تغيير رأس النظام أو مشاركة – المعارضات – بحكومة جديدة مع الابقاء على النظام كمؤسسات وقواعد وهيكلية وادارة وكذلك التمايز الحاد حول اختيارات النظام السياسي البديل بين الرغبات الجامحة لجماعات الاسلام السياسي ورأس حربته الاخوان المسلمون لتحقيق مقولة – الاسلام هو الحل – بعد تأكد السوريين جميعا من خبث نواياهم وأضاليلهم حول الحكومة المدنية كمصطلح غامض خاضع لأكثر من تفسير خاصة بعد تجربة اختبارهم في مصر وتونس وليبيا وبين ارادة ومطامح غالبية السوريين في اعادة بناء الدولة الديموقراطية العلمانية التعددية الحديثة في مجتمع سوري له خصوصيته وميزاته في التنوع القومي والديني والمذهبي وتقاليده في العيش المشترك ضمن النظرة العلمانية المتجاوزة للتقسيمات الدينية والمذهبية .
       رغم ماقيل من سيطرة الاسلام السياسي على غالبية مقاعد الامانة العامة للمجلس في اجتماعات الدوحة وازاحة (جورج صبرا المسيحي والنساء السافرات) كنهج ثابت لهذه العشيرة الا أنني أرى أن من حجب اسم صبرا هم عامة الحاضرين وهو في حقيقة الأمر عقاب رمزي لسلوك مسؤول صبرا الحزبي السيد رياض الترك الذي سجل على نفسه اشارة استفهام كبرى عندما ” أفتى ” للاخوان المسلمين منذ أيام (اعلان دمشق) وبايعهم واستخدم كل نفوذه لدى التنسيقيات الشبابية لتزكيتهم وتنصيبهم على رأس ” المجلس الوطني السوري ” المعلن على عجل من غير فهم مصدره النظري الماركسي اللينيني حتى اللحظة الذي استند اليه واعتبره البعض عن طيبة قلب (مانديلا سوريا) مع كل احترامي وتقديري لعذاباته في سجون نظام الاستبداد وتعاطفي مع سنوات عمره المديدة .
     ترددت طويلا ومنذ فترة في طرح مسألة ممثلي (التنسيقيات المحلية وهيئة الثورة وقيادة الثورة وو) الذين أكن لهم الاحترام الشخصي والبعض منهم أصبح شهيراعبر الفضائيات وهم يعيشون بالخارج منذ أكثر من عام ونصف ولم يتبدلوا من جانب مرجعياتهم وقد استفاد المجلس السوري من تواجدهم كغطاء ثوري شرعي يتستر به عند الحاجة أتساءل الآن أين اصبحوا الآن ؟ هل ترشحوا ونجحوا أو فشلوا في الدوحة ؟ أم أنهم لايخضعون لقواعد الانتخاب ومناصبهم مضمونة وهل سيرتضون مستقبلا بمواقعهم ومواقفهم خاصة بعد سعي الداخل لاعادة القرار السياسي الى أرض المواجهة وانبثاق أطر الجبهات العسكرية ؟ .
  استثمر المجلس أيضا أسماء بعض المثقفين الليبراليين وبينهم السيد – برهان غليون – ومعظمهم من حديثي العهد بالمعارضة والنضال الذين ارتضوا العمل تحت امرة الاخوان المسلمين بدوافع وأسباب مختلفة رغم تحذيرهم مرارا وتكرارا من مغبة خيارهم السيء وبعض هؤلاء بدأ بالانسحاب وتقديم الاستقالة قبل انتهاء اجتماعات المجلس أرى أن البعض من هؤلاء يتحمل مسؤولية مضاعفة في قيام المجلس بتلك الصورة الهشة وشركاء الجريمة السياسية في تسليم قيادة المجلس للاسلام السياسي واستبعاد المئات من المناضلين الشرفاء الذين سبقوهم عشرات السنين في النضال المعارض وعلى هؤلاء ممارسة النقد الذاتي والاعتذار للشعب السوري وثواره .
  ان عزاء السوريين في كل مايحصل للمعارضات وما يواجهه المجلس السوري وغيره من أزمات بنيوية وتعثر في المسيرة هو صمود الداخل الثوري وتوحيد صفوف قوى الحراك والجيش الحر والحفاظ على الموقع الشرعي الوطني والثوري .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…