تزايدت وتصاعدت في الآونة الأخيرة عدد التصريحات وحدتها للقادة الأتراك وأصبح الواحد منهم يزايد على الآخر وكأننا في سوق المزايدات السياسية ومن يعلي بصوته على الآخر ويزيد من عدد النغمات بها سوف ترسو المزايدة عليه.
وهكذا رأينا كل من رجب طيب أردوغان؛ رئيس وزراء تركيا ووزير خارجيته عبد الله غول ناهيك عن الجنرالات والحاشية العسكريتارية وملحقاتهم وذيولهم الثقافية من كتبة التقارير الأمنية في الصحف والمنابر الإعلامية التركية، يشنون ما يمكن أن نعتبرها حرباً تركية (مقدسة) على شاكلة الحروب التي كانوا يخوضونها على أزمنة الأجداد؛ السلاطين والكماليين ولكن هذه المرة على الورق, وإن كانت تركيا تحلم بأن تحوٍّل معاركها الورقية هذه وتبدلها بمعارك حقيقية تشنها على جنوب كوردستان (العراق)، ليستمر مسلسل الدم والعذاب وأن تكون الرائحة السائدة في كوردستان – وليس فقط اللغة – هي رائحة البارود، بعد أن حلم الكورد في هذه السنوات الأخيرة بـأن تكون رائحة الورود (غير السامة) هي الوحيدة في بلدهم، ولكن للطغاة أحلامٌ أخرى غير التي هي للأطفال.
طبعاً كل هذه الأحداث والتصعيد الكلامي وتحريك القوات التركية؛ أكثر من ربع مليون جندي وجندرمة تركية (240 ألف – نقلاً عن موقع الفضائية التركية سكاي تورك) وحشدها على الحدود مع إقليم كوردستان وبحجة ملاحقة قوات الكريلا التابعة للحزب العمال الكردستاني تارةً وتارةً أخرى بحجة حماية الأقلية التركمانية في كركوك مع بعض الماكياجات السياسية من عقد ندوات ومؤتمرات أمنية ميتية؛ (نسبةً إلى الميت التركي) وذلك في كلٍ من أنقرة واستنبول تحت ذريعة (نصرة أهل العراق أو سنة العراق) وبالأدق لحماية أزلام النظام البائد ومرتزقة الميت التركي في العراق أو لنكن أكثر دقةً؛ لحماية مصالح ومطامع تركيا في العراق (لواء الموصل) قديماً وحالياً (لواء كركوك) وغيرها من مصادر الطاقة في العراق ومن ضمنها كوردستان.
لتركيا مطامعها ومصالحها الاستراتيجية وإن عدنا إلى حقل السياسة وقوانينها و(مبادئها) وأخيراً أساليبها وطرائقها، فمن (حق) تركيا أن تحلم ببعض (الكعكة العراقية) – وهي التي عرفت وذاقت حلاوة وطعم المستعمرات وما زالت تعرفها من خلال احتلالها لشمال كوردستان وجغرافياتٍ أخرى – ولكن يبدو أن تركيا لم تتخلص بعد من تركات (الرجل المريض) وآثار الخلافة العثمانية وذلك رغم مظهرها الحضاري (الأوربي) وطموحها في الانضمام للاتحاد، وهكذا فهي ترتكب الأخطاء السياسية الواحدة تلو الأخرى وبالتالي تأخذ الصفعة تلو الأخرى نتيجة (حماقات) ساستها وقادتها؛ فهي وإن نسيت أو تحاول أن تنسى بأنها كانت وما زالت تعيق المشروع الأمريكي في المنطقة، فإن أمريكا وساستها وقادتها لم ينسوا موقف تركيا من حرب العراق ومنعها للقوات الأمريكية من الدخول إلى العراق عبر أراضيها وأجوائها والتي كلفت الميزانية الأمريكية مبالغ طائلة، ناهيك عن الجهود والزمن.
فتركيا (جغرافيتها) – كما هي حال معظم دول المنطقة – عبارة عن ترقيعات جغرافية وموزاييك (غير متجانس) من شعوب وقبائل (لم يتعارفوا) بعد، بل يمكن اعتبارها على رأس تلك الدول؛ فمن مشكلة قبرص إلى قضايا الأرمن ولعنة المجازر والتاريخ التركي الأسود إلى قضية القضايا والمسألة الكوردية التي باتت كابوساً حقيقياً للساسة والقادة الترك ومن قبلهم لجنرالات الأمن والجيش وخاصةً في هذه السنوات الأخيرة والتي عرف فيها حزب العمال الكردستاني كيف يدير لعبة السياسة وخاصةً عند إعلانها لوقف الحرب من طرفٍ واحد ولأكثر من مرة وبالتالي “سحب البساط من تحت أقدام الجنرالات” وهكذا أستطاع الحزب أن تحرج الدبلوماسية التركية وتسحب من يدها (ورقة الإرهاب) والتي كانت تلوح بها تركيا في وجه كل من أمريكا وأوروبا متهمةً حزب العمال الكردستاني به.
بل بات سجل تركيا الحقوقي من أسوأ السجلات في مجال حقوق الإنسان ولا تضاهيها إلا بعض البلدان المبتلية بالديكتاتوريات والطغاة ونعتقد أنه تكفي تركيا هذه المقارنة بينها وبين تلك الدول وهي التي تحلم أن تدخل الاتحاد الأوربي.
بل الأدق؛ لما لم يتحرك بهم هذه النخوة الإنسانية تجاه التركمان وكركوك وهم يوقعون الاتفاقات الأمنية والسياسية، ناهيك عن التجارية والاقتصادية مع ذاك النظام وطاغيته وزبانيته، أم كان التركمان في ذاك الوقت لا (ينحدرون) من أصولاً تركيا وقد أكتشفها هؤلاء السادة في أنقرة مؤخراً.
إضافةً إلى هذا وذاك، فلن ننسى بأن الانتخابات التركية على الأبواب ومن عادات السياسة والسياسيين أن يزايدوا على بعضهم في المسائل الحساسة وفي هكذا ظروف؛ لنيل أكبر عددٍ ممكن من الأصوات الانتخابية وخاصةً عندما تكون هناك أزمات سياسية – اقتصادية خانقة في البلد وأنت مسئولاً عن الكثير من تلك الملفات والقضايا، حيث نعلم أن الانتخابات التركية الرئاسية على الأبواب وأن السيد رجب طيب أردوغان يحضر نفسه لخوضها وبالتالي فهو يبحث عن رضا المؤسسة العسكرية.
ولكن ما نود أن نقوله في هذه العجالة ولتضعها القيادة التركية حلقةً في آذانها؛ بأن الحلم الكمالي (الطوراني) بات من الماضي وذهب مع ذهاب الرجل المريض وأن (الحلم) الكوردي سوف يكون واقعاً جيوسياسياً على الأرض، إن رضيت تركيا وقادتها وساستها أم لم ترضى وسوف يكون هناك أكثر من إقليم فدرالي كوردي في المنطقة.