الخطـاب السـياسـي المتـزن سـلاحـنا الأقـوى …

  إفتتاحية جريدة الوحـدة *

العقلية العسكرية – الأمنية التي أدارت البلاد منذ عقود وجدار ” الخوف والرعب ” الذي إنبنت عليه سلطة وقدرات الأجهزة الأمنية التي توسعت أفقياً وعمودياً من حيث الحجم والتنوع والصلاحيات ومجالات التحرك على حساب دور وفعالية مؤسسات المجتمع والدولة التي أصبحت ” دولةً أمنية بامتياز ” ، وكذلك مصادرة العمل السياسي من قبل حزب البعث ومنع ممارسته على الآخرين ، شكلت أرضية خصبة لانتشار ثقافة العنف والتلويح بالعصا التي يزخر بها أصلاً تاريخ وتراث شعوب المنطقة ، وما خيار استخدام القوة من قبل النظام السوري في التعامل مع أي حراك مجتمعي منذ اغتصاب البعث للسلطة 1963 إلا استمرار وتنفيذ لتلك العقلية التي تجلت تبعاتها بشكل فاضح وهمجي في مواجهة انتفاضة وثورة الحرية والكرامة ، مما أجج العنف والعنف المضاد بكل أشكاله السياسية والاجتماعية ،
 وبات واضحاً أن العامل الأساسي في تحول جانب من الثورة نحو التسلّح والعسكرة هو شراسة وبطش ممارسات النظام الذي زج بقوات الجيش والأمن وميليشياته في التصدي للحركة الاحتجاجية السلمية وقمعها وإعلان الحرب على الثورة وقصف مدن وبلدات وقرى عديدة ، حيث الأزمة السورية تتفاقم وتتعقد يوماً بعد آخر ولا تلوح في الأفق بوادر حلٍ ما في ظل عجز المجتمع الدولي الذي يرزح تحت تجاذبات مصالح وسياسات دول ليست بالضرورة تصب في صالح قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان.

في ظل دوامة العنف التي تشهدها البلاد – وتتحمل مسؤوليتها النظام بالدرجة الأولى – وآثارها المدمرة على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والبنـى التحتيـة وعـلى مؤسسات الدولة ، وحيث لا يتحمل الشعب الكردي كمكون سوري رئيسي – الذي يشارك في الثورة بحراك سلمي – وحركته السياسية أية مسؤولية ولو جزئية عن الأوضاع المأساوية ، هناك محاولات حثيثة لأكثر من جهة تهدف إلى تهديد السلم الأهلي في المناطق الكردية وزعزعة الاستقرار والأمان النسبي السائد فيها وخلق بلبلة ونزاعات جانبية في المجتمع الكردي الذي استطاعت قواه السياسية وفعالياتها توحيد صفوفها بشكلٍ ما والحفاظ على سلمية الحراك الجماهيري وتجنب العنف والتسلّح والعسكرة في مناطقه التي تأوي الآن عشرات الآلاف من الأخوة النازحين من المناطق الأخرى ، وكذلك هناك محاولات لتفشيل أو إضعاف الهيئة الكردية العليا التي حظيت بالتفافٍ جماهيري كردي ومباركة أصدقاء شعبنا ومختلف الفعاليات والقوى الكردستانية ، إلى جانب العراقيل التي تُختلق أمام تشكيل وتفعيل لجانها أو تلكؤها في القيام بمهامها الجسام  يتحمل مسؤوليتها – بشكل متفاوت– أكثر من طرف أو حزب إضافةً إلى العوامل الموضوعية السلبية والأجواء السياسية المشحونة .

لذا يتحتم علينا ، مجالس وأحزاب وفعاليات وشخصيات كردية ، التحلي بروح المسؤولية والتفاهم والتآلف والابتعاد عن نزعات الاستفراد ومنطق القوة وعدم قبول الآخر أو التشظي نحو أجندات لا تخدم مصالح وقضية شعبنا العادلة ، واعتماد أسلوب الحوار والتواصل الأخوي سبيلاً وحيداً لحلّ الخلافات البينية وتطويق المشاكل وإدارة الحياة اليومية للمجتمع والحفاظ على سلمية حراكنا الثوري ، وليس بالخصومة وردات الأفعال وتأجيج الصراع الداخلي.
في هذه الظروف التاريخية العصيبة ، الاقتتال الداخلي بين أبناء الشعب السوري بمختلف أطيافه لا يخدم سوى أجندات النظام وإطالة عمره وله نتائج آنية ومستقبلية خطيرة ، ويبقى سلاحنا الأقوى هو الخطاب السياسي المتزن ونشر ثقافة اللاعنف والسلم الأهلي والتواصل مع المجتمع بمسؤولية لأجل تعزيز وحدته ودوره في رسم مستقبله.
* جريدة الوحـدة – العدد /231/ – الجريدة المركزية لحزب لوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)


شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…