رشــيد
الدولة الإيرانية الحالية هي الوريثة الفعلية للامبراطورية الفارسية ، و الاستمرارية لتركيبتها
وروحيتها ، فقد ُبدّل التاج بالعمامة والشاه بالمرشد والصفوية بالاسلامية والامبراطورية بالجمهورية ، فالتغير اسماً وشكلاً ، لا يخفي حقيقتها الاستبدادية التوسعية خلال الظروف التاريخية ، والعوامل الدينية والشعوبية التي أدت إلى تكوينها ، فما زالت قوميات كثيرة غير فارسية ( الأكراد و الأذريون والبلوش والعرب وغيرهم ) ترزح تحت حكمها ، منذ نشأة إيران بالرغم من نضالاتها من أجل التحرر ( مثل : جمهورية مهاباد الكوردية وتبريز الأزربيجانية عام 1946 ) من الاضطهاد والتفريس في جميع مقوماتها العرقية والمذهبية ، فلا اعتراف بهم و بخصوصياتهم الثقافية والاجتماعية و السياسية …
الدولة الإيرانية النفطية وموقعها المتميز والهام ، والغني بمنابع النفط ( بحر قزوين شمالاً
و الخليج جنوباً ) تجعلها مستهدفة من قبل المستهلكين الكبار من الدول العظمى للتحكم باستثمارها وإنتاجها وأسعارها ..
وبالتالي التحكم بآليات الثراء المتصاعدة والحد منها والتي تعتبر الرافعة الأساسية لسقف التشدد و التعسكر والتوسع لدى إيران ..
الدولة الإيرانية الإسلامية هي مصدر إرهاب للدول العلمانية أو غير الإسلامية ، وكذلك فهي نذير خطر وقلق للدولة العربية ذات الأنظمة السنية والحاضنة للأقليات الشيعية ، خاصة بعد انهيار نظامين سنيين من جوارها أفغانستان والعراق ..
الدولة الإيرانية السياسية ، هي محور للشر و الإرهاب في نظر الغرب ، و عائق في طريق خططها ومشاريعها الشرق أوسطية المقترحة ، و هي داعية لتأسيس الهلال الشيعي من وجهة نظر العرب والسنة ( كما نبه إليه ملك الأردن ) ، و مهددة لكيانها ووجودها في نظر إسرائيل ، و هي لاعب منافس ومشاكس غير شريف لتركيا ومصر وسعودية في ساحة شرق الأوسط دورا ً ونفوذاً ..
الدولة الإيرانية النووية ( مستقبلاً ) مهددة للسلم والأمن والاستقرار والتوازن في منطقة الشرق الأوسط عموما ً ودول الخليج تحديدا ً، بسبب محاولاتها الهادفة للعب دور مؤثر وفعال في صراعات الأقطاب الدولية وحساباتها الاستراتيجية ..
وذلك بتمثيل الدور الشرقي المعرقل والمحبط للمخطط الأمركي الغربي ، انطلاقا ً من اقتنائها للتكنولوجيا الشرقية واستنادا ً على الدعم والغطاء ( الروسي – الصيني ) لها في المؤسسات الدولية .
إذا ً : هل تمتلك إيران مشروعاً استراتيجياً في المنطقة .!!
فما هوية هذا المشروع ؟ وما هي مقوماته وأهدافه ؟! وما هي مخاطره ؟ ما هي العوائق والمصاعب التي تعترض طريقه ؟!
إن طيران إيران خارج السرب الشرق أوسطي المتوازن ( الجوار) ، ووقوفها في وجه التيار الجارف وفق متطلبات العولمة ( كالإصلاح والتغير و الديمقراطية و حقوق الإنسان ..) كذلك تدخلها السافر في الشأن الداخلي لبعض الدول ابتداء من أفغانستان ( رباني) والعراق ( مقتدى الصدر وحلفائه ) ومروراً باليمن ( الحوثي ) وانتهاءً بفلسطين (حماس ) ولبنان ( نصرالله ) وتهديدات قاداتها بإزالة إسرائيل و إنكارهم لمحارق الهولوكوست و إصرارها على تخصيب اليورانيوم لامتلاك السلاح النووي ..
تؤدي جميعها إلى خلط الأمور و خلق الاضطراب وإثارة المخاوف والشكوك لدى جميع الأطراف للوقوف معاً ضد طموحاتها التوسعية والتسلطية ..
كما أن خطاباتها الثورية التعبوية (ضد إسرائيل و أمريكا ) لكسب الشارع القومي العربي والإسلامي و استثمارها في تنفيذ أهدافها ، وتمرير مخططاتها ، تلاقي استهجاناً ورفضاً وتعنتا ً ، و تدحض ادعائاتها بنصرة الإسلام و المسلمين وتحرير مقدساتهم جنبا ً إلى جنب مع العرب و الشعوب الأخرى ..
لأن شرائها للأسلحة والاعتده الإسرائيلية أبان حربها مع صدام ، و اقتنائها التكنولوجيا المتطورة من الملحدين والشيوعيين الكفار ، وطرح نفسها كقائد اقليمي واسلامي أوحد في حل قضايا المنطقة وكمتحدث رسمي باسمها في المحافل الدولية .
ثم إن إدارة آيات الله الدولة بمكوناتها ومؤسساتها بعقلية دينية – طائفية و عنصرية ، وبوسائل بدائية متخلفة ورجعية ووسائل أمنية قمعية ..
تفقدها المصداقية والأهلية لتحقيق العدالة والمساواة والتكافؤ بين جميع الأفراد و الشعوب الايرانية .
إن تحسين صورة إيران وبناء علاقات حسن الجوار مع الدول العربية مستحيلة ، طالما استمرت في احتلال أجزاء من أراضيها / الأحواز وجزر الإمارات / ، وطالما استمرت في تشكيل ودعم كيانات ضمن دول كحزب الله في لبنان وطرح حماس كبديل لمنظمة التحرر الفلسطينية ..
وطالما تدخلت بكل ثقلها في العراق لترجيح كفة الميزان لصالحها وخدمة أجندتها وأهدافها في كل النواحي والمجالات .
كما أن الصراع التاريخي المزمن بين الامبراطوريتين العثمانية والصفوية والمستمرة لهذا اليوم سينتقل إلى مرحلة جديدة عندما تدخل تركيا في الاتحاد الأوربي ، حينها ستصبح إيران المليئة بالأزمات والاختناقات والتناقضات ، جارة مزعجة ومقلقة ومؤرقة ، فلا بد من حرص وسعي أوربيين لتشذيبها و تقليم أظافرها التي تحاول جاهدة لإطالتها و تقويتها ..
أما كورديا ً فإيران الفارسية تمارس سياسة التفريس و التمييز والاضطهاد والقمع في كوردستان الشرقية ولا تعترف في دستورها بوجود قضية كوردية قومية مستقلة وقائمة بمقوماتها وخصائصها وامتداداتها ، لا بل تساهم وبقوة في تدمير أي نهوض كوردي في باقي الأجزاء الأخرى ، وما تعاونها الحالي مع إقليم كوردستان العراق إلا في إطار التكتيكات والحسابات الاقليمية والدولية ، وبالنسبة لها تعتبر انهاء الوجود ( الكيان ) الكوردي تحصيل حاصل عندما تنفذ مشروها الاستراتيجي الكبير .
فخيارات إيران آيات الله ( الثوريين !!) ، إما الاستمرار على النهج الحالي ( نحو تأسيس الخلافة الاسلامية الشيعية ) وبالتالي هدر الكثير من الطاقات و الإمكانات الوطنية في مشاريع توسعية وتدخلاتية ، التي ستخلق مجابهات ومصادمات عنيفة مع القوى الإقليمية المسلحة بالشرعية الدولية و المدعومة من الدول العظمى صاحبة الحل والقرار ..
أو العودة لحجمها الطبيعي والفعلي من الطموحات والتوجهات كتركيا ( التي حاولت وافشلت في مشروعها القومي التوسعي نحو دول القفقاس عقب انهيار الاتحاد السوفيتي في عهد تورغوت أوزال ) ضمن الاعتبارات والتوازنات الإقليمية و الدولية ، و إيلاء الاهتمام بالداخل الإيراني ، وذلك بتطوير أركان الدولة و تحديثها وتسليحها بالديمقراطية والتعددية في جميع نواحي الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية ..
وذلك بإطلاق الحريات العامة و احترام حقوق الإنسان وبناء مؤسسات المجتمع المدني وتطبيق مبدأ المساواة والعدالة في لجميع أفراد الشعب ، دون استثناء أو تمييز ، وإعطاء الفرصة الكاملة لجميع القوميات والمكونات الأخرى للتعبير عن خصوصياتها وتطوير تراثها و ثقافاتها وتقرير مصيرها ، بما يوافق روح العصر ..
وإلا فإن رياح التغير قد هبت على المنطقة وتكوين الشرق والأوسط الجديد
( الكبير ) قادم لا محال ، والبداية كانت من إزالة نظام الطالبان في أفغانستان والتجربة القاسية في اسقاط نظام البعث بالعراق والعبرة في نهاية رأسه .