مفارقات الحالة السورية

  دلدار قامشلوكي

أولى هذه المفارقات هي إدعاء المجتمع الدولي و خاصة الدول العظمى بضرورة إيجاد حل سياسي سلمي ” للأزمة السورية ” في حين أن هذا المجتمع الدولي نفسه لم يحرك ساكناً لوقف القتل أو العنف بل أن كل دولةٍ منها تدعم أحد ” أطراف النزاع ” بالمال و السلاح الكفيلين باستمرار العنف و تعاظمه.

المفارقة الثانية: تأكيد مجلس الأمن الدولي و خاصةً عبر أعضاءه الدائمين بضرورة عدم التدخل في سوريا لوقف القتل الممنهج في حين أن بعضاً من هؤلاء الأعضاء (الدائمين أو غير الدائمين) يتدخلون مباشرةً و آخرون بشكل غير مباشر ليساهموا بفعالية و تميز في قتل السوريين.
الثالثة: تسويق أعضاء الهيئة الكردية العليا و المجلسين الكرديين المنضوين فيها لاتفاق هولير، و تأكيدهم على ضرورة تنفيذ بنوده و القرارات اللاحقة المنبثقة عنه في حين أن الاتفاق نفسه لم يكن نتاج الإرادة الكردية السورية الحرة و المستقلة بل فرضت على الجميع بما لا تشتهي أنفس الكثير منهم وإن غالبتهم غير راضون عنه و خاصةً أسلوب المناصفة فيه.
الرابعة: إدعاء قياديي الهيئة الكردية العليا و أحزابها بأن هذه الهيئة و بالتالي اتفاق هولير يحظى بتأييد و مباركة الغالبية الساحقة للشعب الكردي في حين أنه مصدر خلاف بين الأحزاب نفسها و داخلها، و حتى بين أعضاء كل حزب على حده عدا عن أنه لم يتم إجراء استفتاء فعلي على الاتفاق و صيغته ليتبين مدى التأييد له فضلاً عن أن إجراء هكذا استفتاء غير ممكن حالياً.
الخامسة: تأكيد جميع الأحزاب الكردية على أنها جزء من الثورة السورية في حين أن الكثير منها تنظر للثورة على أنها صراع طائفي يتصدره التيارات الإسلامية، و معظمها لا تسير مع مسار الثورة بل تسير في مسارها الخاص الذي لا علاقة له بالثورة و أجنداتها، عدا عن أن بعضها تنفذ أجندات النظام التي هي ليست لصالح الثورة طبعاً.


السادسة: إن جميع الأحزاب الكردية تؤكد منذ عقود عبر سياساتها و نشراتها بأن القضية الكردية في سوريا قضية وطنية بامتياز و هي مرتبطة بقضية الديمقراطية و الحريات العامة في البلاد، و حلها يكمن في دمشق و ليس غيرها في حين أن مصدر القرار الكردي تحول إلى اتجاهات أخرى، و الممثلية السياسية الكردية لا حول لها و لا قوة أمام هذا التحول بل أصبحت أداةً طيعة لتنفيذ أجندات الآخرين.
السابعة: إدعاد مجلس الشعب لغربي كردستان و ركيزته الأساسية حزب الإتحاد الديمقراطي (PYD) بأنه تمكن من السيطرة على بعض المناطق الكردية – بعد انسحاب بعض أجهزة النظام الخدمية منها – ليقوم بتشكيل مؤسسات ” الإدارة الذاتية الديمقراطية ” التي تقدم الخدمات للمواطنين و تسير شؤونهم، و إن مسلحيه يقومون بحماية المناطق الكردية و الحافظ على أمن المواطنين و ممتلكاتهم في حين أن الكثيرين من الكرد تركوا هذه المناطق – فرادى و جماعات – هرباً عبر الحدود تحت إشراف أولئك المسلحين، و لا يزال الأمر سارياً، كما أوشكت هذه المناطق أن تفرغ من شبابها الباحثين عن الأمان في أماكن أخرى.

        
 الثامنة: أن المعارضة السورية في الخارج تعقد مؤتمراتها و تبني اتفاقاتها خارج سوريا و لا تستطيع العودة إلى الداخل لأن البطش و التنكيل ينتظرها بينما المعارضة الكردية تبني أيضاً الكثير من اتفاقاتها في الخارج و تعود للداخل لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه دون ملاحقة أو معيقات أمنية من قبل السلطة.
التاسعة: أن ” المعارضة السورية في الداخل ” تقيم مؤتمراتها و تعقد اتفاقاتها في العاصمة دمشق و تحت أنظار السلطة و في صالات الخمس نجوم، و تتخذ جملة من القرارات بما فيها رفض الحوار مع النظام في هذه الظروف بل و تغييره دون أية مضايقات أمنية أو ملاحقات تذكر في حين أن المطالبين بالتغيير يذبحون بأيدي قوات النظام و على مقربةٍ من صالات مؤتمرات المعارضة تلك.
المفارقة العاشرة: إن أحزاب ما تسمى بـ ” الجبهة الوطنية التقدمية ” التي كانت و ما زالت جزءاً من سلطة البعث اعتبرت نفسها على الدوام جزءاً من المعارضة في حين أنها من أكثر المصفقين و المسوقين للنظام، و من أعتى المدافعين عنه.
لعمري أنها مفارقات عجيبة تستدعي التساؤل و الاستفهام؟! و ربما هناك العديد من المفارقات الأخرى لم تسعفني الذاكرة على تذكرها.

   30/9/2012م.

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…