وجهة نظر حول قضية شائكة


  بقلم : سعيد فرمان

يتفرع الحديث عن القضية الكردية في سوريا لأوجه, وتشعبات عديدة ومتنوعة , والاسترسال في سردها بشكله الجامع والكلي0 قد يدخلنا في متاهات ضارة, ومسيئة للحالة الكردية السياسية الراهنة, لذا فإن الابتعاد عن هذا المنحى , وعدم فتح الملفات القديمة للقراءة في صفحاتها من مواقع وزوايا التخندق والتحزب, أمر له دلالاته الايجابية, في الوقت الذي لا يعني فيه قطعاً العمل على إختزال باقي الجوانب والمسائل الاخرى ذات العلاقة والمساس بالقضية , في الجانب الذي نحن بصدد محاولة إضائته , وتوضيحه ما أمكن ذلك0

ويأتي الخوض هنا في مسألة إشكالية معينة على سبيل تشخيصها, والمساهمة في علاجها, ضمن سياق أولويات وإستحقاقات هذه المرحلة التي نعايشها, ونعاصرها كونها تعني الكثير, كمرحلة تاريخية لها سماتها الخاصة بها, المتجلية في الحرية والديمقراطية وإحترام حقوق الانسان, والتي تنسجم الى حد كبير مع تطلعات الشعب الكردي , وتتقاطع معها في الخطوط العريضة والاساسية0
والجانب الهام  والآني, الذي يتطلب البحث والايضاح, يتلخص في مسألة المعوقات, تلك التي تفرمل في أغلب الاحيان مختلف أوجه النشاط السياسي- النضالي للحركة الكردية في سوريا, وتلجم تقدمها, وتحد من مقدرتها على مواكبة الاحداث والمنعطفات التي باتت مرحلتنا الراهنة مليئة – وحبلى بها, والمعوقات هنا هي تلك التي نحس بها سواء كنا أفراداً أو جماعات, ونتلمس نتائجها وتداعياتها المتتالية يومياً  في مجمل النشاط السياسي للحركة الكردية0 ولو كانت النظرة الى هذه المعوقات ولغيرها من المسائل,  تختلف فقط من شخص لآخر, أو من جماعة لاخرى, وتقف عند هذا الحد, لقلنا إنها تعبير عن حالة صحية ,و ممارسة ديمقراطية لطريقة إبداء الرأي, لكن الملفت للنظر في هذا الامر هو ذلك التباين الكبير في النظرة , والانقسام الواضح حول هذا الجانب الذي يتخطى حدود الواقع والمألوف, بين من يعزي السبب في وجود المعوقات والعراقيل أمام الحركة الى العامل الموضوعي, من خلال تضخيمه, وإضفاء حالة الجمود عليه,والذي يشمل الوضع الاقليمي وشكل التحالفات القائمة فيه, وتشخيص مواقف الدول العظمى من مجمل قضايا المنطقة, ومنها القضية الكردية بالموقف الضبابي الغير واضح, كما إن إعطاء موازين القوى الداخلي حجماً أكثر من الازم, هو الاخر يدخل في حسابات المدافعين عن هذه الرؤية والحجج , الذين يتمثلون بشكل أساسي في المتنفذين في الاحزاب الكردية وفي العديد من الاتباع الذين يشاطرونهم هذا الرأي لأسباب قد تكون عن حسن نية أو لأسباب اخرى نابعة عن وجود  شبكة من العلاقات القائمة بين رموز الحركة السياسية وأتباعهم هؤلاء , هذا من جهة 0 ومن جهة اخرى هنالك أصحاب الرأي  القائل بأن تلك المعوقات تعود لأسباب ذاتية تتعلق بالحركة السياسية الكردية نفسها , وعدم مقدرتها في .
.إستشفاف الآفاق, وتخطي الرؤية التقليدية للامور , وتجاوز كل ما هو معيق لخصوصية هذه المرحلة , أو الحقبة, سواء كان ذلك على  صعيد المفاهيم والاستراتيجيا القومية, أو على صعيد الاشخاص , والمعبرون عن هذه الرؤية للامور هم الكثرة الكثيرة من جماهير الشعب الكردي , إضافة للعديد من المثقفين المواكبين لمسيرة الحركة الكردية , والمنشغلين بالشأن السياسي في البلاد , مع الاقرار بوجود بعض القوى السياسية الكردية , أوبعض شخصياتها التي تشاطر أصحاب هذا الطرح رأيهم , وتلتقي معهم في العديد من المحاور, وذلك وفق مقولة (لكل قاعدة إستثناء)
لقد من الممكن لهاتين الرؤيتين أن تشكلا معاً , ورغم الاختلاف بينهما نموذجاً متطوراً وراقياً  لأشكال التعبير والافصاح عن الرأي كإسلوب ديمقراطي وحضاري يحتذى به في جميع القضايا والنقاط الخلافية,  فيما إذا كانت  دوافع ومنطلقات المتمسكين بمسألة تضخيم  الظرف الموضوعي نابعة من قناعات واقعية وجدية, وليست مصاغة على سبيل التغطية على الوضع المزري والمخجل للحركة السياسية الكردية 0 في حين أن الجانب الاخر, أو من يضعون اللوم على رموز القوى السياسية, لا يرمون من خلال طرحهم هذا إلا الخير والتقدم للحركة السياسية الكردية , وإن تخطت إطروحاتهم في بعض جوانبها حدود الواقع .

والممكن , وما يثبت صحة هذا الاستنتاج هو وجود عدة محطات مضيئة في تاريخ, ومسيرة الشعب الكردي في سوريا برهن من خلالها عن ولائه لحركته السياسية, وإلتفافه حولها بكل صدق وإخلاص , وقد تجلى ذلك في حدثين واضحين ومعروفين , هما :
1- مسألة الانتخابات التشريعية (البرلمانية )التي أوصلت ثلاثة مندوبين أكراد من الحركة السياسية الى البرلمان , بفعل توحيد الجهود, والاداء الرائع للجماهير الكردية , وإصرارها على التعبير عن حقها في المشاركة في الحياة السياسية في البلاد0
2- مواقفها الرائعة في أحداث الثاني عشر من آذار عام 2004 التي تجلت من خلال عدم خروجها عن قرارات الحركة السياسية , بخصوص التهدئة, والواقعية في التحرك والتصرف0
إستناداً لهذه القراءة للواقع الكردي في سوريا, ورغم أن حدة تأثير العامل الموضوعي لجهة فعله السلبي في القضية الكردية كما في باقي القضايا الاخرى في المنطقة قد خفت, وبدأت بوادر تحوله من  فعل سلبي الى فعل إيجابي, ومساعد لإنتعاش الحركات السياسية وخلق المناخ المهيأ لحل القضايا العالقة  ومعالجتها وفق مقاييس ومعايير هي في أسوأ حالاتها أفضل من المعالجات السابقة التي كانت مبنية على القمع والانكار والالغاء0 أقول رغم كل هذا التحول الذي طرأ على العامل الموضوعي المحيط بالقضية الكردية , لا زال العامل الذاتي كشكل من أشكال المعوقات , باق على حالته السابقة, مما يعني أن البيت الكردي من الداخل لم يرتب بعد بما  يخدم قضية الشعب, وينسجم مع تدرج الاولويات , وأهميتها, في هذا المنعطف التاريخي الهام  0
وهنا لابد من التوقف عند السؤال التالي الذي يستدعي الإجابة والتعليق, وهو هل أن المتنفذين في الشأن السياسي الكردي يجهلون ما يجري من حولهم , وما يحدث في العالم والمنطقة, أم إنهم يدركون ذلك ولا يعيرونه أي إهتمام حرصاً منهم على عدم فتح الابواب أمام مسألة المراجعة والمكاشفة لواقع الحركة السياسية الكردية , لأن في ذلك تجاوز لشخوصهم ومواقعهم التي طالما وضعوها في رأس أولوياتهم , واللجوء الى إسلوب نعت.

كل من يحاول التطرق لهذا الامر بالمغامر, أو المشكوك في أمره0 إن الاستمرار في عملية القفز على قوانين, وأساليب العمل السياسي, وتجاهل متطلبات تصويب ذلك العمل لا يعني فقط صحة ما يذهب اليه البعض بحق شخوص ورموز القوى والاحزاب الكردية ( رغم  إننا قد لا نشاطر الجماهير هذا الرأي بشكله المعمم ), بل يعني أيضاً صحة مقولة, أن الجماهير الشعبية, وفئاتها المثقفة معنية بهذا الامر, وهي تساهم  في بقاء وإستمرارية هذه المعضلة قائمة دون حل, أو معالجة فيما إذا إكتفت بحصرمواقفها بخصوص هذه  المسألة في إطار المواقف النظرية والكلامية, ولم تلعب دور اللوبي الضاغط لتجاوز هذه الحالة, والارتقاء بالعمل النضالي, ورفع سويته, ومد جسور جديدة بين الجماهير, وحركته السياسية, لبناء الثقة, وتفعيل كل الجوانب الخاملة في عملية النضال القومي الكردي وتنشيطها, بهدف إنتشال الحركة السياسية الكردية من وضعها الحالي المضعضع, الذي تشكل نتيجة للتراكمات في العديد من الممارسات والسياسات الخاطئة 0  
إن مسألة الوقوف على واقع الحركة السياسية الكردية في سوريا , وتشخيص نقاط ضعفها, والمساهمة في طرح الحلول والمخارج لذلك الواقع , لا يعني البتة النيل من مكانة القوى السياسية, أو الإسائة لشخوصها ورموزها , فهي تبقى موضع الاحترام والتقدير, رغم عملية  نقدها, وإبراز بعض أخطائها وعيوبها , بإسلوب ديمقراطي يستند الى الشفافية, وحرية إبداء الرأي التي ننادي بها, ونطالب بتحقيقها ليس فقط في الحياة السياسية في سوريا, بل في حقل التعامل الكردي- الكردي أيضاً , كشكل راق , ومتطور, يعول عليهراهناً, ومستقبلاً في مجرى النضال القومي الكردي, واليمقراطي التوافقي في البلاد0
   
     في 26/1/2007    

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…