حقيقة كوردستان سوريا

د.

وليد شيخو*

كثرت في الأونة الأخيرة بعض التصريحات، التي لا تخدم المصلحة العامة للشعب الكوردي في سوريا وحقيقة كوردستان سوريا ووجود الشعب الكوردي وحقه الطبيعي في تقرير مصيره بنفسه، مثل أي شعب آخر يعيش على أرضه التاريخية.

والشئ المؤسف في الأمر أن  تخرج هذه التصريحات من بعض قادة الكورد، وخاصة في هذا الوقت الحساس للغاية، ونحن أمام ثورة شعبية عارمة تطوف في منطقة شرق الأوسط، والتي ستقلب المفاهيم التي رسمها عصر الاستبداد في المنطقة، وتنتقل بها الى عصر الحريات والمساواة بين شعوبها.
من التصريحات التي تتداول الآن:
” نحن لا نطالب بالفدرالية وسنقف ضد هذا المطلب أيضاً “
” نحن نؤمن بالادارة الذاتية الديمقراطية ولا نؤمن بالوطن المبني على الانتماء القومي “
ثم يسرد قائلاً:
” أمريكا تطرح الفدرالية كحل لكننا نرفض هذا الحل وسنحاربه “
ويقول الآخر:
” ان مصطلح كوردستان سوريا غير مستخدم في الخطاب السياسي للمجلس الوطني الكوردي “

يتحدث أحدهم ان هذه التصريحات جوفاء ولا تشكل أي تأثير على ارادة الشعب الكوردي وتصميمه في نضاله من أجل نيل حريته وتثبيت حقوقه المشروعة في سوريا الغد.

ولكن من جهة أخرى تشكل هذه تصريحات عقبة كبيرة في طريق الدبلوماسية الكوردية وموقف الكوردي المفاوض في اللقاءات والمؤتمرات، سواءاً مع المعارضة السورية أو مع الجهات الدولية صاحبة القرار في السياسة الدولية.

وهنا لنا تجربة طويلة مع هذه التصريحات والمواقف والبيانات من ربيع دمشق الى اعلانه الى البرنامج السياسي لهيئة التنسيق ….

الخ،  مثل “سوريا جزء من الأمة العربية” وما الى ذلك من هذه المواد التي حالت حتى الآن دون التوافق بين أطراف المعارضة السورية في ايجاد حل عادل للقضية الكوردية في البلاد.

لمحة عن الشعب الكوردي في سوريا
يقطن الشعب الكوردي في منطقته المسماة كوردستان  منذ فجر التاريخ، وكانت الحقبة الأهم في تاريخ الكورد هي مرحلتي الدولة الدوستكية 982- 1086م التي شملت معظم أجزاء كوردستان وتمركزت في المنطقة الكوردية الآن في سوريا وكذلك مرحلة الدولة الأيوبية والتي شكلت المنطقة الكوردية بسوريا جزءاً هاماً منها أيضاً.
وتعرضت كوردستان لأول تقسيم في عام 1514 بين الامبراطوريتين العثمانية والصفوية حيث الحق بالامبرطورية العثمانية معظم الأكراد الموزعين الآن بين بلدان سوريا وتركيا والعراق بينما الحق الجزء الآخر بالامبراطورية الصفوية  وذلك بين أعوام 1514- 1639 .

وبقيت منطقة كردية أخرى تابعة لروسيا القيصرية.
 ومنذ التقسيم الثاني والأخير لكوردستان بموجب اتفاقية سان بطرس بورغ عام 1915 بين بريطانيا وفرنسا وروسيا ثم اتفاقية  سايكس بيكو عام 1916 بين فرنسا وبريطانيا تكون كوردستان قد قسمت إلى أربعة أجزاء موزعة بين ( تركيا – إيران – العراق – سوريا).
وقد جرى طرح جدي وملزم للوضع الكوردي بمنحه الاستقلال الذاتي في معاهدة سيفر عام 1920 بما فيها وضع الكورد في سوريا خاصة في بنودها: القسم الثالث من المادة 62 وفي الفقرات 11- 27- 32.
وقد كان التوقيع من جانب فرنسا وتركيا على تخطيط الحدود عام 1921 ومعاهدة لوزان 1923بمثابة  طي لمعاهدة سيفر وأصبح جزء من الشعب الكوردي الموجود على أرضه التاريخية ضمن الحدود التي رسمتها فرنسا لسورية الحديثة , وذلك في شمال وشمال شرق البلاد ويقيم بعض الكورد في المنطقة الساحلية ومدن حلب ودمشق وحماه والرقة وغيرها…
ويعد الشعب الكوردي في سوريا من حيث العدد القومية الثانية في البلاد بعد القومية العربية إذ تبلغ نسبته أكثر من 15% من سكان سوريا.

الحقائق التاريخية والسياسية في سوريا
الشعب الكوردي في سوريا جزء من الأمة الكوردية، ومكون قومي أساسي يعيش على جزء من وطنه (كوردستان) المقسم تاريخياً، إلى جانب المكونات السورية الأخرى يرتبط بها بأواصر التآخي والتعايش التاريخي والثقافي والمصير المشترك.
أما الشعب السوري متحد في هويته الوطنية ومتنوع في تمايزه القومي والثقافي والديني والطائفي.ويتمتع بالتمايز للهويات المتعددة وتكاملها ضمن الهوية الوطنية السورية، وهذا يقتضي صياغة وفهم جديدين للهوية الوطنية، على أن سوريا دولة وطنية تعددية وليست قومية.
لذلك يقتضي أيضاً الاعتراف بالشراكة الكاملة للشعب الكوردي في إدارة البلاد وثروتها مع المكونات السورية الأخرى، والتعاطي معه وفق قاعدة الاعتراف المبدئي بحق الشعب الكوردي في تقرير مصيره بنفسه في اطار نظام فيدرالي، والذي سيحقق المساواة الحقيقة بين كافة مكونات الشعب السوري في العيش المشترك والكريم والحر.

ألمانيا 23-10-2012

* أكاديمي وسياسي كوردي

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…