ثورة نبيلة وعظمى وأسرة عربية و دولية متآمرة..!

إبراهيم اليوسف

غالباً ما نتعرَّض أثناء حديثنا عن التواطؤ العالمي مع النظام السوري، منذ بداية الثورة السورية، وحتى الآن، بالرد من خلال بعض من يقدمون أنفسهم محايدين، إعلاميين، أو ساسة، بدعوى أننا نستعيد نظرية المؤامرة، على شاكلة من نعاني من وطأة جوره الفاحش، وأن لا أصل للأمر البتة، فالأسرة الدولية التي وقفت مع ثورات المنطقة، بأنظار هؤلاء، إنما هي قد ساندت الثورة السورية، وليس أدلّ على هؤلاء، تلك الأقوال التي أطلقها ممثلو عدد من بلدان هذه الأسرة من قبيل” لن تتكرر حماة ثانية” ولن تتكرر حلبجة ثانية” والنظام على وشك أن يفقد الشرعية” أو أنه يفقد شرعيته، أو أنه فقدها، أو أن عليه أن يرحل” وإلى آخر هذه المقولات التي لم يحترمها مطلقوها، وكانت إلى جانب غيرها، جزءاً من أدوات إحراق سوريا، شعباً، وأرضاً، ومستقبلاً.
مؤكد أننا ممن فندوا -من قبل- ولما يزالوا يفندون تلك الأكاذيب التي كان يطلقها النظام السوري، حول استهدافه، على اعتباره “قلعة الصمود” و”قلب المقاومة” أو “الجهاد” إلخ، من أجل قضايا العرب الكبرى، تلك الشعارات الفاقعة، الرّنّانة التي خدرت الشارع السوري، إلى وقت طويل، في الوقت الذي كان النظام السوري الأرعن والوحشي -في حقيقته- جزءاً من آلة الإجهاز على أيِّ صمود، أو أية “مقاومة”، ومن هنا، فإن في أمر مؤازرة جزء كبير من العالم، إن لم نقل العالم كله -وهنا نتحدث عن الأنظمة الحاكمة- للاستبداد الدموي في سوريا، يأتي من زاوية خدمته لمن عدهم أعداء، واستمدَّ “شرعيته؟”، من إدعاء نصب العداء لهم، وهو زعم يمرِّر مشروعات “العداء” نفسها، ويحافظ على ديمومتها، وحمايتها، نيابة عنه، وهو دوربات مكشوفاً للعالم بأسره، بعد أن كان ينفذ من” تحت طاولات” بيادق مهرجي السياسة، وجهابذتها.
إن أيَّ تحليل لبنية النظام السوري، الذي تأسس على الخوف من المكاشفة، والوضوح، من خلال بناء أعمدته الكبرى، من الكذب، والتضليل، والمراوغة، والتزوير، وتضخيم ما هو قزم، وتقزيم ما هو عملاق، معتمداً عبر كل ذلك على أسطول إعلامي مزيف، لأن أية عودة إلى تاريخه، تبين، كيف أنه قدم آلاف الروايات المزورة، عن وقائع كثيرة، تتعلق بقضايا الاستبداد والجريمة، ليقلبها رأساً على عقب، حتى أمام شهود عيانها، فكم من قاتل تم تقديمه في صورة المنقذ القديس، وكم من مناضل شريف، تم تشويه صورته، مقاداً إلى الجلجلة، وهو ما يصلح لأن يعمَّم، عمودياً وأفقياً، في سياسات النظام، بل وليكون مقياساً في العلاقة مع دول الجوار، والعالم، بما في ذلك علاقته بجزء من العمليات الإرهابية في المنطقة.
وإذا كان أي نظام دموي يلجأ إلى لغة القتل، فإن سبب ذلك إدراكه لحقيقة هشاشته، لأنه يعاني “عقدة الجبن”، وليس الخوف وحده، وذلك ليقينه أنه نظام مراوغ، وثمة فصام بين مظهره ومخبره، أو بين خطابه وسلوكه، داخلياً – وهو الأشد خطورة- وخارجياً، وهو المقروء على ما هو عليه، من لدن المعنيين، من حوله، وإن تم السكوت على هذا وذاك في تواطؤ عد”عقد القران” بينه وهؤلاء، كل على حدة…..! .
والثّورة السورية، وهي التي باتت تشقُّ طريقها، كي تدع وراء ظهرها حولين كاملين، شهدت أفتك هدم، عبر التاريخ، في كل بناها، بل وبكل ما يربطها بالعالم الخارجي، إذ نكاد ألا نجد صديقاً مخلصاً لها، من طراز صديقي النظام، وشريكيه في الولوغ في الدم السوري، وأعني هنا روسيا وإيران، على وجه الخصوص، وكل ما يتبعهما من مفردات بائسة، سهلة على الكنس، فور سقوط النظام، في الوقت الذي يعلم السوريون، أينما كانوا، أن هناك بوناً بين سياسات أنظمة العالم المتواطئ مع النظام، وشعوبه، التي لابدّ تنحاز إلى نصرة الذبيح في وجه الذابح، حتى وإن تم تشويه صورة الثورة السورية، وأبنائها، من خلال ذلك الخلط العجيب الذي يتم، للإمعان في هذا التشويه، من خلال “عرعرة” وجه الثورة، وتطييفها، زوراً، وهي آفة لابدَّ من الحديث عنها، وعدم السكوت إزاء مايتم، في سياق وأد الثورة، كي يتنفس النظام الصعداء، وهو في معرض الوهم، أنه من الممكن أن تتم ديمومته، بهذا الشكل، أو ذاك، وسط سياسات “خلط الأوراق” التي استفاد منها، على أعظم نحو حتى الآن..!
وحين نوجه أصبع الاتِّهام إلى الأسرة الدولية، بأن تواطؤها، دفع النظام كي يستمرىء الدم السوري، فغدت بذلك شريكاً معه، وليست روسيا وإيران فقط، شريكي النظام في الدم السوري، لأن كل العبارات التي تطلقها بعض الجهات الدولية، على ألسنة قادتها، دون أن تترجم عملياً، فإنها عبارة عن مفرقعات كلامية، يفكُّ النظام شفراتها، كي يرفع “عداد دوامة العنف”، على إيقاعها، وهو ما يمكن برهنته، وعبر الأرقام، على امتداد بضعة عشر شهراً من عمر الثورة، حتى الآن….
والنظام السوري، الذي تأسس على أسطورة الكذب، فهو عارف كيف يميز كذب أقوال العالم من صدقها، حيث يستذكر السوريون قرارين بدرا دولياً أو إقليمياً، في عهدي الأسدين: الأب والابن، أحدهما كان في العام 1998 عندما هددت تركيا بالحرب على سوريا، إن لم تبعد السيد عبدالله أوج آلان عن أراضيها، والثاني كان في نيسان 2005، بعيد مقتل الحريري، حين تم إقرار انسحاب الجيش السوري من لبنان، وهو ما تم على جناح السرعة، لأن النظام عرف في كلتا المرتين، أن هناك نوايا جادة، أكبر من مراوغاته، وأن كرسيه مهدَّد حقيقة، ما إن لم يستجب لهما، فأذعن للقرارين، صاغراً، مذعوراً، كفأر، بيد أن مكابرته الآن، تأتي، لأنه يدرك أن الأنظمة التي تهدِده، كلامياً، بما فيها إسرائيل، لن تجد من هو أقرب إليها، في سوريا، لذلك فهو يتصرَّف بملء حريته، يستخدم كل الأسلحة الممنوعة دولياً، ضد شعب”ه”، بما في ذلك الطيران والمدافع، من دون أن ترمش عين هذه الأسرة العربية و الدولية التي قد نجد مزايدة من بعض رموزها، في حالات عرضية، هامشية، في هذه البقعة من العالم أو تلك، كي تصرف الأنظار عن تواطؤها، لاسيما وأنها لاتزال تواصل علاقاتها مع النظام من “تحت الطاولة” أو من “فوقها” اقتصادياً، أو” تجارياً” أو “سياسياً” أو “دبلوماسياً” إلخ…..!.
وليس أدلَّ على أن ما دأبنا على قوله وهو “إن النظام يمارس القتل بموجب رخصة” هو حقيقة في عرف الترجمة السياسية، تحذيرات الناطقين بأسماء أمَّات الدول الكبرى، من أن استخدام “الأسلحة الكيميائية خطّ أحمر”، وهو مؤشر سرعان ما فككه النظام، من خلال إتباع المجزرة بالأخرى، لأن يقبل ب” كل مادون ذلك”، مالم تكن هناك إبادة كاملة، هذه الإبادة التي تتم يومياً، إذا ما عرفنا أن ألف كردي، من أصل أربعة ملايين، أو أقلَّ بقليل، يهجَّر يومياً، وهو ما يمكن أن تقاس عليه، أعداد المهجرين سورياً، في جردة حسابية مختصة.
نحن كسوريين، إن كنا الآن، في موقع من يضطرّ إلى عدم وضع النقاط على الحروف، في تقويم تفاصيل السياسات التي تتم بحقنا، حتى من قبل بعض البلدان التي كانت مهاد ثورات ما يسمى ب” الربيع العربي” نفسها، مادامت كل أفعالها، دون مستوى أقوالها، فإن تفاصيل مانبصره، وما نشاهده، وما نعاني منه، وضريبته من دماء أهلينا، لابدَّ هي في بالنا، وحسبنا أننا -كما بينت ثورتنا- من أنبل شعوب العالم، وأكثرها بسالة، وحضارة، وإنسانية، وثقة بالمستقبل الذي لابد سنصنعه، ولو وقف العالم كله، ضد إرادتنا، لأن أسيد دمشق، وزبانيته ومؤازريه والباكين على أمجاده، ساقطون، وإن تاريخ سوريا الحقيق، يكتبه ثوار سوريا، من أقصاها إلى أقصاها، وحكمنا هو هذا التاريخ نفسه، التاريخ الذي يصنع لأول مرة، في صيغته الأعظم التي ترتقي إلى مستوى روح إنساننا، وحلمنا….!؟.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…