أردوغان والاقتراب من الخط الأحمر الكردي

فؤاد عليكو

لاشك أن مجيء أردوغان إلى سدة الحكم في تركيا قبل عشر سنوات قد غيرت المعادلة السياسية التركية رأساً على عقب، فقد حولت تركيا من دولة تحكمها الجيش والأجهزة الأمنية إلى دولة مدينة حقيقية، إذ أن الجيش ومنذ تأسيس الدولة التركية في عشرينيات القرن المنصرم يعتبر نفسه وصياً على علمانية الدولة التركية ومحافظاً على علاقات تركيا قوية مع الغرب وإسرائيل، وعدم تقربهم من الموضوع الكردي لديها، وفشلت جميع التيارات السياسية التركية في إحداث تغيير ما في السياسة العامة التركية داخلياً وإقليمياً ودولياً طيلة تلك الفترة الطويلة، نتيجة تدخل الجيش عسكرياً وإعادة الأوضاع إلى نقطة البداية من جديد،
 وهكذا كانت تركيا تعيش حالة اضطرابات سياسية مستمرة ودولة هامشية في محيطها الإقليمي والدولي ومنهكة اقتصادياً نتيجة قيام الثورة الكردية بقيادة حزب العمال الكردستاني منذ ثلاثة عقود والمستمرة حتى اليوم والتي كلفت تركيا حتى الآن ما يقدر بـ 450 مليار دولار، وقد استطاع أردوغان بحنكته السياسية ونزاهته الإدارية واستقطابه لقوى اقتصادية واجتماعية كبيرة في الساحة التركية من الدخول في مواجهة العسكر وأبعادهم عن الساحة السياسة إلى حد كبير والعودة بتركيا إلى محيطها الإقليمي الإسلامي، وبناء علاقات سياسية واقتصادية قوية مع جيرانها ومع الدول ذات الأصول التركية في الشرق وتهميش علاقاتها مع إسرائيل لا بل التصادم معها في محطات عدة مما أكسبتها احترام الكثير من دول المنطقة وأصبحت تركيا بفضله من بين أقوى عشرين دولة اقتصادياً في العالم، إضافة إلى محاولاته المستمرة في إحياء دور تركيا الريادي والتاريخي سياسياً، لكنه يدرك تماماً بأنه لا يمكن أن يلعب مثل هذا الدور الريادي دون إيجاد حل جذري للقضية الكردية لديه وتحقيق الاستقرار الداخلي، فلا يمكن لأي دولة أن تتقدم اقتصادياً وسياسياً وتعاني مشاكل داخلية، خاصةً وأن للقضية الكردية أبعاد إقليمية مؤثرة، ومن الممكن جداً أن تُستغل من قِبل خصومه الإقليميين والدوليين في إرباكه وإضعافه وعرقلة طموحه السياسي، ومع أنه قد خطا خطوات خجولة في هذا الاتجاه كفتح قناة باللغة الكردية ومعاهد تعليمية واهتمام اقتصادي بالمنطقة الكردية، إلا أن ذلك لم يسفر عن نتائج مرضية، لا بل بقيت الثورة الكردية مستقطبة للشارع السياسي الكردي إلى حد كبير، ومع قدوم الربيع العربي إلى المنطقة وتنامي مفهوم الديمقراطية وحقوق الإنسان ووصولها إلى الحدود التركية الجنوبية (سوريا)، انتعشت آمال الكرد أكثر بقرب تحقيق طموحهم، خاصةً وأن تركيا وقفت وتقف بقوة إلى جانب الثورات العربية وخاصةً الثورة السورية والتي تشعبت بسببها أطراف الصراع فيها إقليمياً ودولياً، إضافةً إلى تبلور القضية الكردية في سورية وأخذها بعداً وطنياً وإقليمياً ودولياً، مما دفع بوزير الخارجية التركية إلى الجلوس مع ممثلي المجلس الوطني الكردي في سورية، معرباً عن تأييده لحقوقهم ومبدياً رغبته في الحوار معهم بُغية توحيد المعارضة السورية، وهو يدرك تماماً بأن القضية الكردية في تركيا لها من الأهمية ما يفوق أضعاف القضية الكردية السورية، كما أنه لا يمكن له أن يكون مع حقوق الكرد في الدول المجاورة، ويتجاهل حقوقهم لديه، من هنا جاءت مبادرة أردوغان في مؤتمره الأخير بأنه سوف يعمل على حل القضية الكردية في تركيا وأنه على استعداد للحوار مع زعيم الحزب عبد الله أوجلان المسجون لديه منذ شباط عام 1999 وقيادة ب ك ك مباشرةً، وأعتقد أنه جاد في مسعاه نتيجة التغيير الكبير الذي حصل في اللوحة السياسية الإقليمية والدولية، ويمكن للحزب العمال الكردستاني أن يتعامل بإيجابية مع هذه المبادرة لما فيها مصلحة الشعب الكردي، بعيداً عن المؤثرات الإقليمية والدولية المحاطة بالقضية الكردية.

 
http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20121007/Con20121007538351.htm
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…