غليون بين اعادة: انتاج القديم و بناء الجديد

صلاح بدرالدين

  كان بعض المتفائلين من أصحاب النوايا الحسنة في المعارضة الوطنية وخصوصا في صفوف ثوار الداخل من المنضوين في صفوف ” المجلس الوطني السوري ” ومن خارجه ينتظر سماع أخبار سارة عن عملية انقاذ محكمة وبرنامج سياسي – تنظيمي مدروس يعيد المجلس الى موقعه الصحيح في المعادلة السورية كفصيل سياسي يؤدي واجبه الوطني تجاه ثورة الشعب السوري ويردم الفجوة الحاصلة التي تتوسع يوما بعد يوم بينه من جهة وبين الثورة والحراك في الداخل من الجهة الأخرى وذلك عشية التحضيرات لعقد مؤتمره العام في الدوحة.
  وحتى لايفسر مانرمي اليه خطأ نوضح أن الثورة الوطنية المندلعة منذ أكثر من ثمانية عشر شهرا لم تكن بفعل قرارات وتخطيط وتهيئة جماعات المعارضة السورية السياسية المستحدثة في الخارج والداخل بمختلف أطيافها ومسمياتها بما فيها ” المجلس السوري ” الذي ظهر بعد أكثر من ستة أشهر من الانتفاضة الثورية التي أشعلتها تنسيقيات الشباب أساسا وغذتها الجماهير الشعبية الواسعة بشريا بالتضحيات والشهادة والاختطاف والاعتقال والهجرة القسرية والتشرد واحتضنها الشعب في المدن والأرياف رغم كل المخاطر وأهوال الخراب والدمار من جانب نظام الاستبداد وهكذا الحال بالنسبة لجميع الأحزاب السياسية التقليدية العربية والكردية وغيرها التي تفاجأت وارتبكت وكان من بينها من وقف ومازال الى جانب نظام الاستبداد مواجها الحراك الثوري بطرق مختلفة أو عبر التشبيح العلني.

       أما المسلمة الأخرى الثابتة فهي أن وظيفة المعارضات ومن بينها ” المجلس السوري ” تجاه الثورة الوطنية السورية ليست قيادية وليست مصدرا لقرارات الثورة أو مرجعية لتقرير مصير الشعب السوري بل هي خدمية في مجالات الاغاثة والتموين والتمويل والتسليح والدعاية والاعلام والعلاقات العامة ويمكن لأية جماعة معارضة أن تشارك في القرار اذاكانت مع أهداف وبرنامج وسياسات وشعارات الثورة عبر التنسيق وبالطرق السليمة بعيدا عن نوازع الهيمنة والاستئثار الحزبي والعقائدي وكنا قد توافقنا في المؤتمر الأول الأهم للمعارضة المعروف بمؤتمر (أنطاليا) على أن المؤتمر لايمثل الانتفاضة الثورية شرعيا وعمليا بل يعبر عنها وفي خدمتها.
        انطلاقا من هذه الرؤية يمكن التعامل مع ” المجلس ” والمعارضات الأخرى ولاشك أن نجاح مؤتمر – الدوحة – في التقاط فرص اعادة الهيكلة أو اعادة البناء بشكل صحيح (وهذا ما أراه مستبعدا) سيكون لصالح القضية السورية والثورة عموما ولكن اخفاقه لن يكون نهاية العالم ولن يؤدي الى وقف الثورة أو ارتدادها نحو الخلف خاصة وأننا لم نلمس ذلك الترقب المنقطع النظير وحبس الأنفاس من جانب شعبنا السوري عن ماسيتمخض عن مؤتمره كما لم نلمس ذلك الرهان المتعاظم على نتائجه ولولا قناة – الجزيرة – الفضائية لما كان الجمهور السوري والعربي المتابع سيعلم شيئا عن انعقاده ونتائجه .
 تعتبر مقالة الرئيس السابق والمرشح الراهن لرئاسة المجلس الدكتور برهان غليون المنشورة في الحوار المتمدن في السابع من الشهر الجاري الموافق للذكرى السنوية الأولى لاستشهاد القائد الكردي مشعل التمو تحت عنوان ” المجلس الوطني السوري امام تحدي الاصلاح ” بمثابة اعلان عن الفشل مسبقا في اعادة الهيكلة أو البناء لأنها لم تتضمن تشخيص أزمة المجلس بصورة واقعية ولم تشر لامن قريب أو بعيد الى الجانب الأهم الأخطر في مصيبة المجلس ونقاط ضعفه البنيوي المتراكمة منذ اليوم الأول لاعلانه باستانبول وأعني هيمنة الاسلام السياسي ورأس حربته الأخوان المسلمون وهي كافية لاستبعاد بل استفزاز حوالي نصف المجتمع السوري من كرد ومسيحيين وعلويين واسماعيليين ودروز وأرمن … كما أنها كافية لمزيد من الحذر على الصعيدين الاقليمي والدولي وعلى عدم امكانية تجسير المسافة المتسعة يوما بعد يوم بين المجلس من جهة والداخل الثوري من الجهة الأخرى .
        لاأخفي أنني لمست تناقضا كبيرا بين مقالة السيد غليون الذي أكن له الاحترام الشخصي (يعتبره البعض أحسن الموجود) وبين ما – يسر – به الى أصدقائه من جهة الموقف من أزمة المجلس ودروب الاصلاح وخاصة تجاه الاخوان وماتزامن نشر المقالة مع تصريحه – الغامض – حول تقبل فاروق الشرع بديلا للأسد الا ضربا من الغلو في استقتاله للعودة الى رئاسة المجلس عبر ارضاء الجميع ماعدا السوريين : عربا وتركا وعجما وو..

وذهابه بعيدا في الدعاية الانتخابية حتى لو كانت على حساب المواقف السياسية والصورة هذه قد تكون معبرة فعلا عن طبيعة ” المجلس الوطني السوري ” الذي لم يظهر من الداخل الثوري ولم ينبثق عن الشرعية الوطنية بالانتخاب ولم يخول شعبيا بصورة كاملة  للتمثيل وحتى تعبيراته – المكوناتية – في غاية الهزالة المصطنعة بل أنه صنع بتوافق اقليمي لادارة الأزمة والسير مع مشاريع التسوية الرسمية التي تتعاطاها عواصم البلدان المعنية بالملف السوري والتي لاتتعدى ابرام صفقة مع النظام الحاكم من دون المس به أو تفكيكه حتى بدون الأسد اذا دعت الحاجة أما رأي ومواقف الداخل وقيادات الثورة والحراك وذوي الشهداء والمعتقلين والمخطوفين والمشردين  فلا مكان له في ثنايا الصفقات والمساومات الدولية والمجلس كفيل بتدبيره كوظيفة أساسية شرطية لقيامه ودعمه ماديا واعلاميا .

       صحيح أننا لسنا جزءا من هذا المجلس ولكننا حريصون على مبدأ نقاوة كل جماعات المعارضة السورية أينما كانت وحيثما وجدت لأنها بنهاية المطاف تشكل الاطار العام للحركة الوطنية السورية ونختلف مع مقولة ” ولا قيمة لتاريخ الأشخاص والأحزاب وأعمالهم الماضية في تكوين الشرعية الجديدة ” بل نؤكد أن النزاهة والكفاءة والخبرة والسيرة النضالية المتراكمة من العمل السري والعلني في مواجهة الاستبداد والشجاعة في ابداء الرأي والتمسك بالمبادىء شرط أساسي لابد منه يجب أن يتوفر في أي قائد وطني ثوري في الميدان والداخل والخارج خاصة ونحن نعيش الحالة الثورية السورية الفريدة التي ستقرر مصير بلادنا وشعبنا ومنطقتنا وأجيالنا القادمة والتي تستحق كل الاهتمام والاستقامة والتضحية فهي فرصة تاريخية قد لاتعاد بعدعقود  .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…