أما المسلمة الأخرى الثابتة فهي أن وظيفة المعارضات ومن بينها ” المجلس السوري ” تجاه الثورة الوطنية السورية ليست قيادية وليست مصدرا لقرارات الثورة أو مرجعية لتقرير مصير الشعب السوري بل هي خدمية في مجالات الاغاثة والتموين والتمويل والتسليح والدعاية والاعلام والعلاقات العامة ويمكن لأية جماعة معارضة أن تشارك في القرار اذاكانت مع أهداف وبرنامج وسياسات وشعارات الثورة عبر التنسيق وبالطرق السليمة بعيدا عن نوازع الهيمنة والاستئثار الحزبي والعقائدي وكنا قد توافقنا في المؤتمر الأول الأهم للمعارضة المعروف بمؤتمر (أنطاليا) على أن المؤتمر لايمثل الانتفاضة الثورية شرعيا وعمليا بل يعبر عنها وفي خدمتها.
انطلاقا من هذه الرؤية يمكن التعامل مع ” المجلس ” والمعارضات الأخرى ولاشك أن نجاح مؤتمر – الدوحة – في التقاط فرص اعادة الهيكلة أو اعادة البناء بشكل صحيح (وهذا ما أراه مستبعدا) سيكون لصالح القضية السورية والثورة عموما ولكن اخفاقه لن يكون نهاية العالم ولن يؤدي الى وقف الثورة أو ارتدادها نحو الخلف خاصة وأننا لم نلمس ذلك الترقب المنقطع النظير وحبس الأنفاس من جانب شعبنا السوري عن ماسيتمخض عن مؤتمره كما لم نلمس ذلك الرهان المتعاظم على نتائجه ولولا قناة – الجزيرة – الفضائية لما كان الجمهور السوري والعربي المتابع سيعلم شيئا عن انعقاده ونتائجه .
تعتبر مقالة الرئيس السابق والمرشح الراهن لرئاسة المجلس الدكتور برهان غليون المنشورة في الحوار المتمدن في السابع من الشهر الجاري الموافق للذكرى السنوية الأولى لاستشهاد القائد الكردي مشعل التمو تحت عنوان ” المجلس الوطني السوري امام تحدي الاصلاح ” بمثابة اعلان عن الفشل مسبقا في اعادة الهيكلة أو البناء لأنها لم تتضمن تشخيص أزمة المجلس بصورة واقعية ولم تشر لامن قريب أو بعيد الى الجانب الأهم الأخطر في مصيبة المجلس ونقاط ضعفه البنيوي المتراكمة منذ اليوم الأول لاعلانه باستانبول وأعني هيمنة الاسلام السياسي ورأس حربته الأخوان المسلمون وهي كافية لاستبعاد بل استفزاز حوالي نصف المجتمع السوري من كرد ومسيحيين وعلويين واسماعيليين ودروز وأرمن … كما أنها كافية لمزيد من الحذر على الصعيدين الاقليمي والدولي وعلى عدم امكانية تجسير المسافة المتسعة يوما بعد يوم بين المجلس من جهة والداخل الثوري من الجهة الأخرى .
لاأخفي أنني لمست تناقضا كبيرا بين مقالة السيد غليون الذي أكن له الاحترام الشخصي (يعتبره البعض أحسن الموجود) وبين ما – يسر – به الى أصدقائه من جهة الموقف من أزمة المجلس ودروب الاصلاح وخاصة تجاه الاخوان وماتزامن نشر المقالة مع تصريحه – الغامض – حول تقبل فاروق الشرع بديلا للأسد الا ضربا من الغلو في استقتاله للعودة الى رئاسة المجلس عبر ارضاء الجميع ماعدا السوريين : عربا وتركا وعجما وو..
وذهابه بعيدا في الدعاية الانتخابية حتى لو كانت على حساب المواقف السياسية والصورة هذه قد تكون معبرة فعلا عن طبيعة ” المجلس الوطني السوري ” الذي لم يظهر من الداخل الثوري ولم ينبثق عن الشرعية الوطنية بالانتخاب ولم يخول شعبيا بصورة كاملة للتمثيل وحتى تعبيراته – المكوناتية – في غاية الهزالة المصطنعة بل أنه صنع بتوافق اقليمي لادارة الأزمة والسير مع مشاريع التسوية الرسمية التي تتعاطاها عواصم البلدان المعنية بالملف السوري والتي لاتتعدى ابرام صفقة مع النظام الحاكم من دون المس به أو تفكيكه حتى بدون الأسد اذا دعت الحاجة أما رأي ومواقف الداخل وقيادات الثورة والحراك وذوي الشهداء والمعتقلين والمخطوفين والمشردين فلا مكان له في ثنايا الصفقات والمساومات الدولية والمجلس كفيل بتدبيره كوظيفة أساسية شرطية لقيامه ودعمه ماديا واعلاميا .