في تلك المرَّة، عندما كتبت ذلك المقال عن أبي فارس- كنت وغيري- على يقين أن مشعل أكبر من سجنه، وسجانيه، وأنه عائد إلينا، لامحالة، مهما اشتدت صفاقة المستبدين، سواء أكانوا أجهزة أمنية، أم قضاة مأجورين، أم مغتصبي سلطة جبناء، لاسيما وأننا قرأنا إفادات أبي فارس، ليس في جلسات المحاكمة وحدها، بل تلك الإفادة التي كتبت على لسانه وهو مختطف، وكانت أجهزة الأمن على وشك قتله، لاتعترف بوجوده عندها، كما قاله إيماضاً لي، في مكالمة هاتفية أولى، من سجنه، وقال أكثرمن ذلك لكثيرين ممن هم حوله من الأحبة الذين كان يتصل بهم، ويمكن تصنيف هذه الإفادة، ضمن لحظة ظرفها، في مستوى إفادات عظماء المناضلين، كردياً، وسورياً، وليس فيها إلا روح مشعل المقاومة، هذه الروح التي خالها بعض الذين دأبوا التقليل من نضالات سواهم، كي يساووهم بأنفسهم، ورأوا فيه مجرَّد ظاهرة صوتية، إلا أن أبا فارس واجه جلاديه، بالنبرة نفسها التي كان يواجههم، في شوارع “قامشلوكته”، فما كان ممن لم ترق لهم بسالة إفادته، واستقطابه الشارع،إلا أن ينوشوه، من كل حدب وصوب، بسهام أحقادهم التي لا تتخير إلا الشجعان، لأنهم يرفضون صورة الكردي، إلا حسب مقاييسهم الخاصة، وهكذا فإن قدر المناضل الكردي، أن يواجه أكثر من حرب، وعلى أكثر من جبهة، ولعلَّ المناضل الكردي، ليحرج في مواجهة هذا الأنموذج، من المضين، الملفِّقين، المتخاذلين، البواسل إدعاء، والمنهزمين جوهراً، وهو الذي لا يهاب النظام الدموي الذي يواجهه بكل أدواته، من محاربة للقمة، وتضييق على الحرية، وحرب شعواء في الاتجاهات كافة، وإن كان مشعل قادراً على مواجهة هذا الصنف، من خلال رفع وتيرة النضال التي كانت تكشف-في كل مرة- عن عورات كثيرين منهم، هم الآن على حقائقهم- كما أكدت امتحانات الثورة السورية- حتى وإن ارتدوا ألف جلباب ثوري..!.
بعد سنة كاملة، من استشهاد مشعل التمو، في مؤامرة على الحراك الثوري الكردي، عامة، صار من الممكن أن نتلمس أثر غيابه على خطابنا، وإن كان الحراك الثوري الكردي، ليضع قوانين خطه البياني، ضمن فهم معادلة مكانه، وهو ما جعله يرجح الخيار السلمي، الخيار الصائب الذي نهجته الثورة كلها، في الأصل، إلا أن النظام عمل كل مافي وسعه، على أن يواجه” غصن الزيتون” الذي كان يرفعه أطفال سوريا، بالرصاص، في إطارإشعال فتنة كبرى، لتوكيد خططه التي تخون الثورة، وتجعل من الخائن وطنياً، ولهذا فإن أي حدث جلل يمر، فإن سؤالاً ينهض بعده من قبيل: ماذا لو كان مشعل بيننا؟، وهو ما يمكن تعميمه على المستوى السوري، حيث يمكن استنساخ السؤال ذاته، أمام استكثار هيئة للكتاب مقاعد للكرد، بحجم حضورهم، أو أنى ارتطمت الأصوات بالجدار، في مجلس أو مؤتمر سوريين عامين، حيث كان قادراً ، في ما لو حضره، على إنقاذ المواقف، والالتفاف حول الخيار الصائب، في وجه من يستكثر على الكردي حجم الهواء الذي يتنفسه..!.
بعد سنة كاملة، من استشهاد مشعل، من حق روحه الهائمة بحب وطنه، وإنسانه، وفق المعادلات التي اقتنع هو على مساواة أطرافها على طريقته، أن تتوجه بأسئلتها إلينا جميعاً: ماالذي عملناه لها، وهلا أنصفناها، بالاعتراف بإيذائنا لها، في هذا الموقف، أوذاك، سواء أفلح مشعل في وجهة البوصلة، أم تلكأ، وهو الوارد على أي حال، بل وهلا حققنا مانتفق مع هذا الشهيد البطل، من رؤى صائبة، تخدم إنساننا، وقضيتنا، وهلا أعاد إليه الاعتبار هؤلاء الذين استشهد، وفي روحه، بقايا آثار طعانهم الجديدة، بعد أن تأكد لهم جميعاً، أنه كان مناضلاً كبيراً، لا مجرد ممثل -حاشا روحه- يتقن فن البهارج، والتهويم، لأن دمه الذي سال قبل سنة، من الآن، بين من هو، ومن هؤلاء، كل بمسماه، ونعته، وصدى صوته، وأثر وقع قدميه، على طريق الحياة والوطن، بل والفجر الذي بات على مدى قهقهة، طالما أطلقها شهيدنا في وجه جلاديه الذين يجرون أذيالهم، ساقطين، هاربين، إلى غير عودة، بينما هو وأمثاله من شهدائنا باقون في ذاكرة التاريخ والتراب والحياة…..!.
elyousef@gmail.com
*مقدمتي للكتاب الذي أعده: تيار المستقبل الكردي” حول اختطاف واعتقال الشهيد مشعل ومحاكماته، كانت بهذا العنوان نفسه..