نارين عمر
نعم… كنتُ أنتظرأن أفاتحَ أهلي بالتقدّم لخطبة الفتاة التي سيختارها قلبي متشاوراً مع عقلي حين فوجئنا بموت ابن عمّي الشّاب الذي أدخل الحزن والأسى إلى نفوسنا ولا أخفيكم أنّ نبأ وفاته قد أدخل اليأس والإحباط إلى نفسي لأنّه يتطلبُ منّي أن أتريّث في أمر الزّواج والخطبة لأشهر قد تصلُ إلى سنة فالمتوفى هو قريبٌ وشابٌ في نفس الوقت وإذا حاولتُ أن أفاتح أهلي بالموضوع فالويل ثمّ الويل لي
وإن تجاوزنا العرف وأقمنا العرس فإنّ انشقاقاً فظيعاً سيخلقُ بين صفوف الأهل والأقارب ما بين مناصر ومعارض, وسوف أظهر بمظهر الخارج عن القانون والأنانيّ, وربّما الشّاذ على الرّغم من أنّي أقسم بالله وبكلّ غال ونفيس إنّي حزنتُ حزناً عميقاً على ابن عمّي ولن أنساه ما حييت ولكنّها سنة الحياة ولادة وموت ويجب أن تستمرّ الحياة.
فتاة أخرى تنادي نداء المستغرب والمندهش:
يا جماعة ابنة عمّي مخطوبة منذ سنوات وحفلة زفافها تؤجّل سنة بعد أخرى لتوالي المتوفين في العائلة والعشيرة والقرية, والخطيبان مصرّان على إقامة الحفلة ففي كلّ سنة يموت لنا ميّت وتؤجل سنة وهكذا الحال حتى الآن بالله عليكم ما ذنبُ هذين المسكينين:! هل الحزن على الأموات يحييهم من جديد ويعيدهم إلى الحياة؟؟!! وهل الحزن الحقيقي يعني أن نوقف أفراحنا ونعلن مظاهر الحزن أمام الملأ؟؟!! ويقاطعها أحدهم قائلاً:
كثيراً ما نجد بعض النّاس يبالغون في طريقة حزنهم ليبرهنوا للآخرين أنّهم حزينون على موتاهم, فالرّياء بات يلعبُ الدّور الأكبر في حياتنا, الرّياء حتى في الموت والمضحك المبكي أنّ هؤلاء النّاس يمارسون حياتهم بشكل طبيعيّ جدّاً: يأكلون أشهى أنواع الطعام, ويلبسون أبهى الثّياب, يزورون ويتزاورون على عكس أسلافنا الذين كانوا يمتنعون أشهراً وأشهرا عن الطعام الشّهي واللبس الأنيق الزّاهي وحتى عن الاستحمام.
وصرختْ أخرى مستنكرة:المفارقة تظهر عندنا نحن البشر حين يستعجلُ أهل العريس بإقامةِ حفلة العرس قبل أن يموت أحد أفراد العائلة أو الحيّ وهو مريض يصارعُ من أجل البقاء.يا جماعة: ما الفرق بين هذا الشّخص شبه الميت وبين الميت الخالص؟! كيف يستطيعون الاحتفال وهم يعلمون جيّداً أنّ ملك الموت يحوم من حوله يهدّده بالرّحيل الأبدي عن هذه الدّنيا الجميلة بين لحظةٍ وأختها؟! ألا يُعتَبرُ الاحتضار موتاً حقيقياً؟؟!!
هذه بعض آراء بعضٍ من شباب اليوم الذين يبدون غيظهم من بعض العادات والطقوس المتوارثة والتي يجدون فيها تقييداّ كاملاً لحرّيتهم الشّخصية والاجتماعية, ويعلنون أنّ علينا أن نتقبّل حقيقة الموت كما نتقبّلُ ببهجةٍ حقيقة الولادة, وربّما ما يزيد من غيظهم حقاً أن يتعامل الأهل بطريقة خاطئة مع هذه الحقيقة التي يكون الرّياء غالباً عنوانها الأبرز ليس بتعاملهم مع الموت فحسب بل مع الكثير من الأمور المتوارثة دون أن يمنحوا عقلهم هامشاً من الحرّية يراجعون فيه الأمور والقضايا وينقحوها ويدققون فيها فيبقون على الحسن والجيّد ويودعون السّيء والرّديء منها الحرّية التي تفتح المدارك العقلية والنّفسية معاً.
مانتمنّاه من شبابنا أن يتقبّلوا منّا هذا السّؤال:
هؤلاء النّاس الذين تتحدّثون عنهم ربّما يجدون صعوبة في البحث والتدقيق من جديد ولكن أنتم كيف ستتعاملون مع كلّ هذه الأمور حينما تصبحون آباء وأمهات ومسؤولين عن أسر وعائلات وأنتم مَنْ تتمرّدون عليها؟؟ عسى أن تمنحوا عقلكم ونفسكم مساحاتٍ واسعة من حرّية التّفكير والتّعبير لنعيش العصر الذي تحققون فيه لكم ولنا الحياة المثلى التي نتطلع إليها جميعنا.
وقبل أن أختم أحبّ أن أوجه تحيّة ودّ وامتنان لكلّ أخوتي وأخواتي القرّاء الذين يلحون عليّ في متابعة هذه الحلقات ويغنونها بأفكارهم ومواضيعهم القيّمة وأشكرهم على ثقتهم بي والتي تكمن فيها استمرارية كتابتي.