أردوغان يتلقى صفعات قوية

توفيق عبد المجيد

في خضم هذه التصريحات الارتجالية المتسارعة ، وهذه العنتريات الاستعراضية اليومية للقوة وعرض العضلات والتهديد باجتياح الأراضي …
تلقى السيد رجب طيب أردوغان إحدى أقوى الصفعات الموجعة ، وربما القاتلة على وجهه … كما تلقى عدداً من الركلات على مؤخرته لتضع حداً لتصريحاته اللامسؤولة وكأنه رئيس عصابة وليس رئيس حكومة لدولة عريقة في المنطقة كانت ولازالت لا تمت إلى العالمين العربي والإسلامي لا بصلة الجوار ولا بصلة الدين .
فلا يخفى على أحد عهد الاستعمار العثمانلي التركي البغيض المتخلف وذكرياته الأليمة ، وآثاره السلبية على كل تلك الرقعة الجغرافية الواسعة التي استعمرتها تركيا باسم دولة الخلافة ، لا يخفى على أحد المظالم والمشانق والإعدامات الكثيرة لأبطال تلك المنطقة ممن حاولوا التخلص من هذا الكابوس الطويل ، الكل يتذكر بمرارة تلك الكوكبة من المتنورين من أخوتنا العرب الذين أعدموا في السادس عشر من أيار عام 1916

والكل يتذكر الأحكام الصورية الجائرة بحق المناضلين الكرد الذين ناضلوا من أجل إحقاق الحق بعد أن تنكرت الدولة العثمانية لتلك الحقوق ثم توجت تنكرها للكرد بأن رفعت على أعواد المشانق عدداً من خيرة أبناء الشعب الكردي ، وبلغ التنكيل والبطش أشده بحق أخوتنا من أبناء الشعب الأرمني فاتبعت بحقه سياسة الجينوسايد دون تفريق بين صغير وكبير ، بين ذكر وأنثى ، بين طفل أو رضيع ، وأجبرت الباقي على التهجير والترحيل القسري الذي أوقعهم بين فكي كماشة لم ترحم أحداً ، ومازالت آلة البطش التركية تقتل من أبناء الشعبين الأرمني والكردي ، حيث اغتالت الماكنة التركية التي لا تعمل إلا على الدم ، الصحفي الأرمني هرانت دينك ذلك الرجل الذي كان يسعى للصلح بين أرمينيا وتركيا لطي صفحة الماضي الإبادية القذرة بحق الشعب الأرمني الصديق عندما أبادت مليون ونصف المليون من الأرمن إبان الحرب العالمية الأولى ، فاتهمته السلطات التركية عوضاً عن مكافأته على جهوده الخيرة ، اتهمته بالإساءة إلى (سمعتها ) .
واليوم … ونقولها بصراحة ليس حباً بأمريكا ولكن كرهاً بأردوغان حفيد كمال أتاتورك ، الذي تلقى صفعتين قويتين الأولى من الحكومة الأمريكية عندما ( وجهت تحذيرا عبر سفيرها في أنقرة روس ويلسون، إلى الحكومة من مغبة أي عمل عسكري يستهدف مقاتلي حزب العمال الكردستاني)وأردفت ذلك بالحديث الذي نقلته الشبكة الإخبارية التركية عن السفير الأمريكي ( إن شن أي عمل عسكري ضد قوات العمال لن يكون مقبولا، وإن مشكلة العمال الكردستاني لا تخص إقليم كردستان وحده)  مضيفاً إن  ( شن أي هجوم عسكري جديد على مقاتلي العمال الكردستاني لا يحل المشكلة ولن توقف هجمات مقاتليه على تركيا بل سيزيد من معاناة الأتراك بسفك المزيد من الدماء) .
أما الضربة الثانية التي تلقتها الحكومة التركية فكانت من الاتحاد الأوربي عندما قررت محكمة العدل الأوربية أن تنظر مجدداً في وضع حزب العمال الكردستاني لشطبه من قائمة المنظمات ( الإرهابية )
وفي هذا الوقت تكثف حكومة أردوغان اللقاءات والندوات تارة بحجة تعرض التركمان والعرب في كركوك للعنف وتارة أخرى للتدخل في شؤون العراق بحجة تغيير المعالم الديمغرافية لمدينة كركوك فتتوالى التصريحات العدوانية على لسان وزير خارجيتها وهو يتباكى على مصلحة الأقلية التركمانية ( لا نستطيع تجاهل مصلحة الأقلية التركمانية في شمال العراق ) عجباً فلماذا تتجاهلون وتبتلعون حقوق أكثر من عشرين مليون نسمة من الكرد في كردستان تركيا ؟
ننتظر الصفعة الثالثة التي سيتلقاها أردوغان الذي لم يستفق بعد من تأثير الصدمتين بل اللطمتين الأوليين عندما يبادر العراقيون إلى عقد مؤتمر في بغداد يعلنون فيه تضامنهم مع قضية الشعب الكردي العادلة في كردستان تركيا ليرتدع هذا الطامع أردوغان سليل الإمبراطورية العثمانية المنقرضة صاحبة التراث الفاشي والفكر الأتاتوركي الشوفيني فتتحول دعوة الرجل الديني المرموق  ( أياد جمال الدين ) إلى ترجمة على أرض الواقع عندما دعا في العاصمة العراقية مؤخراً إلى (عقد مؤتمر تضامني في بغداد لنصرة القضية العادلة للشعب الكودي في تركيا….لما تمتلكه هذه القضية في قلوب الشرفاء من أبناء العراق والعالم من أهمية في جوانبها التأريخية والإنسانية والدينية والأخلاقية ) .
نحذر أردوغان ومجموعة الجنرالات الذين لم يستفيقوا بعد من أحلام الحرب الباردة ، والذين مازالوا يتمتعون بالامتيازات الكثيرة كتحصيل حاصل لهذا الوضع الاستثنائي الغريب الذي تعيشه تركيا العجوز ، نحذرهم بلسان جنرال تركي متقاعد وهو عثمان باموك أوغلو من (مغبة التهور بغزو شمال العراق ) لأن تركيا ( لن تواجه عناصر حزب العمال الكردستاني فقط ، وإنما ستجد نفسها بمواجهة نحو سبعة ملايين كوردي يعيشون هناك ) .
ختاماً : نقول لحكام تركيا أن العالم لم يعد بحاجة إلى دوركم وجيشكم الانكشاري لأن المستجدات الحاصلة مؤشرات واضحة على ما نقول ، ولذلك ننصح القائمين على دفة الحكم في تركيا أن يستجيبوا لنداء العقل والمنطق ، وأن يقيسوا الأمور بمقياس الحكمة فيكفوا عن التدخل في شؤون الغير ، بل يهتموا بأمور شعبهم ، ويحاولوا أن يحسنوا سمعة تركيا التي باتت في الحضيض ، وتحولت تركيا بفعل سياساتهم الرعناء اللامسؤولة إلى جسم  غريب في هذه المنطقة الحساسة من العالم ، فيبادروا إلى حل القضية الكردية في تركيا حلاً ديمقراطياً سلمياً عادلاً ، وكذلك جميع القضايا الأخرى العالقة ، لأن المنطقة بشعوبها وثرواتها لم تعد مباحة لهم بعد أن تحررت من استعمارهم البغيض .

 

القامشلي في  20 – 1- 2007

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…