المفاوض الكردي بين المغامرة والمقامرة !!

د.

علاء الدين جنكو
 
من القواعد البديهية أن رجل السياسة مغامر لا مقامر علماً أنهما أي المقامرة والمغامرة مرتبطان باتخاذ القرار .
فإذا ما كان القرار المتخذ منطقياً وبُني على أسس علمية وبحث في المقدمات والنتائج، وقارن بين البدائل والخيارات كان هذا القرار مغامرة .

فكثير من القادة اقتحموا أسوار المغامرة كونهم قادرون عليها ولولاها لما نجحوا، ولا يخفى على من له صلة بالسياسة أن المغامرة تكون عندما يوجد هناك نسبة من الغموض في الموقف المُتخذ، وهذا هو ميدان المحنك سياسياً القادر على فك طلاسم اللعبة السياسية المعقدة .
اما المقامرة في السياسية فهي انتحار أحد أطراف المفاوضات، وهو الطرف الذي يتحرك دون تخطيط، أو بقدر من التخطيط البسيط الذي لم يستوف شروطه، ويرمي الأمور على الخوارق والمعجزات .
فالمفاوض السياسي مغامر لأن السياسة لا تعرف الضمانات إنما هناك مخاطر محسوبة.
أعود للمفاوض الكردي الذي لم ينجح إلى الآن في كسب أي نقطة إيجابية لصالحه مع أي طرف يفاوضه، والسبب برأي أنه وفد مقامر لا مغامر ، ويدخل في جميع جولاته التفاوضية في صراع صفري يسعى من خلاله كسر الطرف الآخر من غير أن يبدي أي تنازل بحجة لا تنازل عن الحق العام الكوردي متناسين ان أهم هذه الحقوق هي وحدة الصف الكوردي التي تسببوا في ضياعها وعدم اللجوء إلى الصراع التنافسي الذي يخرج فيه كل طرف بنسبة محددة  من النجاح.

لا أُنظِّر سياسيا على أحد ولكني كمراقب عام للعبة السياسية بين أطراف المعارضة الكردية التي تمثلي، أرى بأن الوفد الكردي مع كل احترامي لأعضائه  يفتقد لبعض آليات العمل السياسي، بل ويفتقد الكثير من البديهيات العامة لمبادئ السياسة العامة .
ومن اهم الملاحظات التي تؤخذ على الوفد الكوردي ما يلي :
1 – عدم تنسيق الرؤى بين أعضاء الوفد عند التفاوض مما يقدم دعماً معنوياً للخصم ويجعله قويا في إيقاع الجانب الكردي في إحراج دائم نتيجة الضبابية التي تخيم على المطالب الكردية .
2 – عدم اختيار أعضاء الوفد على أساس الكفاءة والحرفية في العمل السياسي مع الإشارة أن المقصود بعض الأعضاء لا الوفد بعمومه .
3 – عدم توزيع الأدوار في عملية التفاوض بين أعضاء الوفد وهو ما يخلط الأوراق ببعضها، إذ ربما يفجر أحد الأعضاء مسالة وهو غير مؤهل للخوض فيها سياسيا فيتحول السلوك السياسي فيه إلى طياشة لا تحمد عقباه !!
4 – السباق على المزايدة في تسجيل المواقف العاطفية كالإعلان عن الانسحابات أو مواجهة الخصم بعموميات القضية التي قد يُخدع بها العامة من أبناء شعبنا، ثم ما يلبث أن يتراجع عندما يعود المعجبون بتلك الانسحابات إلى رشدهم وخروجهم من سكرة العصبية العمياء التي طالما ندعوا نحن أبناء الشعب الكردي الى محاربتها ونبذها.
5 – عدم إدراك المفاوض الكردي بأن المقابل ليس بأقل منه ذكاء ودهاء في الدبلوماسية وأحيانا يتفوق هذا الخصم باستفزازه للمفاوض الكردي الذي يفتقد للقدرة على تخطي ما يحاك له في تلك المؤتمرات .
6 – عدم تعيين ناطق رسمي باسم الوفد يتصف بالهدوء وسرعة البداهة والكارزما الشخصية، وقفز كل أعضاء الوفد لهذه المهمة في الوقت الذي يفتقدون لتلك الصفات !

وحتى لا أدع الحكم جائراً فليس كل أعضاء الوفد على ما ذكرنا من الملاحظات التي تؤخذ عليهم.

كل ما ورد من الملاحظات العامة حول الوفد الكردي يُدخله من حيث يشعر أو لا، في صراع صفري لا تنافسي، وهو ما يُولِّد خطابا استعلائيا، ومن ثم ينتج عنه وعلى أرض الواقع مع عموم أبناء الشعب الكردي شعارات في حقيقتها تفرح.
وفي نتائجها تؤذي عملية التفاوض مع أطراف المعارضة المتحسسة من القضية الكردية أصلا.
وقديما قال أجدادنا اليد التي لا تستطيع أن تعضها، قبلها.
إذا لم يدرك ساستنا المفاوضون هذه النقاط التي أراها والكثيرين معي، لا أتصور نجاحا سيحققونه إلا إذا تفضل عليهم خصومهم ومنحوهم ما يطالب به الشعب على أرض الواقع وتلك هي المسألة المستحيلة !!
يؤسفني أن الوفد الذي يمثلنا بات يعرف بأنه وفد الانسحابات، وكم سنثق في ذلك الوفد لو تسبب ولو لمرة واحدة في إنسحاب الطرف الآخر من المؤتمر، حينها سندرك أن لغة العنتريات لم تعد تسيطر على وفدنا وأنهم باتوا متقنين لغة السياسية التي ما زال الكثير منا يتعلم أبجدياتها الأولية !!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…