في ذكرى رحيل أحد أعمدة الحركة الكردية محمد ملا أحمد

خورشيد ملا أحمد

على الرغم من المآسي والمعانات التي عانته شعبنا الكردي,من الويلات و الظلم و الأستبداد والأنكار من قبل قوى و أنظمة ديكتاتورية فاشية وشوفينية أستعمارية على مر التاريخ.
 ومورست بحقه كافة أساليب البطش والأرهاب والقتل والدمار والتجويع والتهجير الممنهج.
 سياسياً أصبحت منطقة الشرق الأوسط مسرحاً لصراعات القوى العظمى لتحقيق مطامعهم ومصالحهم السياسية والأقتصادية وأهدافهم التقسيمية.
 كانت كردستان/شعباًوأرضاً/هدفاً أستراتيجياً لهم.وكانت الجزء الأكبر من المسرح لصراعاتهم ومطامعهم.وكانت ضمن المشروع التقسيمي بما قاموا بها هؤلاء القوى الأستعمارية والعظمى ضمن أتفاقياتهم.
 وأمام كل هذه المخططات والأعيب والمؤامرات والأعمال البربرية والقمعية والمشاريع والسياسات الأستعمارية.واجهه شعبنا الكردي بأمكانياته المعدومة,من خلال أنتفاضاتهم وثوراتهم/المسلحة والشعبية والأدبية/وحركاتهم التحررية القومية والسياسية.كل تلك الممارسات والمخططات.لكي يحافظ على كيانه ووجوده/كشعب وأمة صاحبة أرض/.قاوم كل ذلك,حتى أصبحت المقاومة الصفة الأساسية لهذا الشعب المقاوم.
 نعم أن أستمرار الشعب إلى يومنا هذا في وجوده والنضال لأجل النيل على حقوقه,أنما يدل على أن ,كانت هناك قيادات وشخصيات مناضلة لهم الدور الأبرز في لم الشمل الكردي وتوحيد صفوفهم ضمن تلك الأنتفاضات والثورات والحركات التحررية.وعلى الصعيد تاريخنا هؤلاء معروفين بتضحياتهم ونضالهم.
 واليوم يصادفنا ذكرى رحيل أحد الشخصيات الوطنية ,الذي كان له بصمة نضالية في تاريخ شعبنا الكردي.والذي لعب دوراً مهماً في تاريخ الحركة الكردية على الصعيد النضال السياسي والقومي.ومنذ بدايات عمره الشبابية خاض في غمرة النضال لأجل النيل على حقوق شعبه المشروعة.
 وكانت رؤيته للحياة أو لأي هدف نبيل وسامي/لايستطيع المرء أن يكون متأكداً من أن هنالك شيئً يعيش من أجله إلا أذا كان مستعداً التضحية في سبيله/.
 ولد/محمد ملا أحمد/ كان معروفاً ب/mihemede tuj/ عام/1934 في مدينة(ديريك).ينتمي إلى عائلة وطنية.وبعد ولادته بفترة قصيرة أستقرت العائلة في مدينة قامشلو.
 ومن خصائصة الشخصية المعروفة.
 ذو طابع خجول وجريءفي نفس الوقت.ذو روح محبة ومحبوبة.وأيضاً ذو طابع مرن وشخصية هادئة.كان يحب الطبيعة.
 كان معلماً وكاتباً,علم وربى وقدم كثيراً للأجيال وأجيال.
 لم يرضى بالظلم.أو الظلم الواقع من القوي على الضعيف.ولهذا أتخذ من النضال سلاحاً له.لأجل النيل على حقوقه وحقوق شعبه المشروعة.
 وآمن بهذه المقولة/أن نضال الشعب فقط هي القاردة على مقدراتها وأستحقاق الحياة/.وأمن أيضاً أن التحرر من الظلم ليس مطلب أنسان فقط وأنما مطلب الشعب بأكمله/.أحس محمد ملا أحمد ومنذ بدايات عمره,بأن الشعب الذي تنهال عليه الظلم والألام والجوع والتشردهي صفعة لكل أنسان يستطيع أن يجاهد ويناضل,ولايعمل كل حسب واجباته المطلوبة.
 وعلى هذه الأسس بدأ النضال والعمل من القناعة والأيمان التي راودته من رؤيته و من صفاته الشخصية.
 في بدايات عام/1952/بدأت نقاشات محمد ملا أحمد مع بعض أصدقاء له وفيما بعد أصبحوا رفاق الدرب/عبد العزيز حاج عبدي.و درويش ملا سليمان.و سامي ملا نامي/ على المسألة الكردية وشكل النضال .وبعد هذه النقاشات والحوارات أثمرت على أتفاق تشكيل حركة ومنظمة شبابية سياسي كردية بأسم/أتحاد الشباب الديمقراطي الكردي في سوريا/ ومن ثم بدأت فعالياتهم ونضالهم.
كان ذلك في عام 1953 عندما كان الجهل والتخلف والأمية لاتزال تسود المجتمع السوري بشكل عام، والكردي بشكل خاص، ظهر الشاب الكردي محمد ملا أحمد الذي لم يتجاوز عمره ثمانية عشر سنة وهو يحمل معه أفكار تدعو إلى النضال من أجل تأمين الحقوق القومية الكردية، متأثراً بأفكار والده ملا أحمد التنويرية الذي كان واحداً من أعضاء خويبون في ذلك الوقت، حيث عايش الفقيد مرحلة قيام حكومة مهاباد الكوردية في كوردستان الايرانية وهو لازال يافعاً في الحادية عشر من عمره، كما لاحظ نشاط الحزب الشيوعي السوري في الجزيرة السورية، إذ بدأ الكرد ينتسبون إلى صفوف الحزب الشيوعي في عام 1953، كل هذه العوامل دفع بالشاب محمد ملا أحمد يفكر في انشاء منظمة كردية سياسية وذلك بالتشاور مع رفاقه الثلاث في ذلك الحين، وهم المرحوم درويش ملا سليمان، وسامي ملا أحمدوعبدالعزيز حاج علي عفدى (أبو جيم) ،
هؤلاء الشبان الأربع تبنوا فكرة انشاء منظمة كردية تعمل من أجل تأمين الحقوق القومية للشب الكوردي في سوريا، هذه الفكرة دخلت حيزها العملي على يديهم وشكلوا قيادة المنظمة التي سميت بـ(اتحاد الشباب الديمقراطي الكردي في سوريا yekîtiya xortên kurd yên dîmoqrat li Sûriyê )، والتي عملت على نشر الوعي القومي الكردي بين الجماهير، وكانت تطمح إلى تحقيق أمال الشعب الكردي في الحرية وممارسة حقوقه السياسية الثقافية والاجتماعية.

وجدير بالذكر أن هذه المنظمة سرعان ما ازدات عدد منتسبيها حيث دخل فيها الكثير من الفتيان والشباب من العائلات الكردية، كما انتسب إليها بعض الشخصيات الاجتماعية البارزة.

من هنا يمكن أن نعتبر الشاب محمد ملا أحمد أحد الرواد الأوائل في انشاء وتأسيس التنظيم القومي الكردي في سوريا باعتباره بدأ بقيادة التنظيم وبالعمل التنظيمي قبل نشوء الحزب الديمقراطي الكردي بأربع سنوات، إذ أستمرت المنظمة في عملها النضالي إلى أن تم تأسيس الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا في عام 1957 حيث أوقفت المنظمة نشاطها التنظيمي لتنضم بكافة أعضائها إلى صفوف الحزب الجديد.
 
تابع الشاب محمد ملا أحمد نضاله ضمن صفوف الحزب وهو يشغل مراكز قيادية ويعمل في سبيل الحقوق القومية للشعب الكردي في سوريا، ويتغذى بالأفكار الماركسية عقيدةً ومنهجاً للتحليل والتفسير، وتكوين موقفه تجاه الظواهر التنظيمية والاجتماعية والسياسية، وهو واحد من الشخصيات التي كان يعتد به، ويعتمد عليه كثيراً، نتيجة لصوابية رأيه وعمق تفكيره في معالجة المسائل السياسية والاجتماعية، حيث كان محل احترام الجميع من بارتيين وشيوعيين وحتى البعثيين (اليساريين منهم)، إذ كان هادئاً في نقاشه معهم وصلباً لمعتقداته، يتمتع بمقدرة علمية ومعرفية على إقناع الأخر بقضيته.

بالإضافة إلى أنه كان متأثراً، كما يبدو لي وللكثيرين، بأفكار المناضل المعروف عثمان صبري وخاصة في ميوله اليسارية.
 وفي عام 1965 حصل الشاب محمد ملا أحمد على الليسانس في التاريخ من جامعة دمشق في سوريا، وهو واحد من السياسيين المتنورين الذين أسسوا لفكر قومي كردي، وربما هو الثاني بعد نورالدين زازا، يحمل إجازة جامعية في التاريخ.

وكان متحمساً للعلم وتواقاً للمعرفة، ويشجع الأخرين، أي كان، في السعي نحو التحصيل العلمي والأدبي، لأنه كان يرى أن السبب الرئيسي في تأخر الكرد عن اللحاق بالأمم المتقدمة وبركب التقدم والحضارة هو تفشي الأمية والجهل والأفكار الرجعية المتخلفة بينهم مما زاد في فقرهم وتخلفهم.

لهذا السبب تراه يعكف على المطالعة وقراءة الكتب الفكرية والتاريخية والقصص والروايات والشعر ومن بين مطالعاته على سبيل المثال أتذكر الكتب الخاصة بتاريخ الكرد مثل الشرفنامة وكتب المسألة الكردية ومجلة هاوار الكردية، ورواية زوربا، ودون كيشوت، وروايات نجيب محفوظ ومسرحيات شكسبير وشعر نزار قباني وكثيرين..

وإلى جانب العربية والانكليزية كان يجيد الكردية قراءةً وكتابةً علماً أن غالبية القيادات الكردية الحالية لا تجيد القراءة والكتابة بالكردية مع الأسف.

الأستاذ محمد ملا أحمد بعد أن توقف عن العمل التنظيمي أو العمل الحزبي، كرس حياته للكتابة في الشأن الكردي رغم الصعوبات المادية التي كانت تواجهه وتعيق من نشاطه كثيراً.

وجدير بالاشارة إلى أنه أول من كتب في مجال تاريخ مسيرة الحركة القومية الكردية في سورية، وألف كتاباً في جمعية خويبون، وكتاباً أخر في العلاقات الكردية الارمنية، وله كتاب حول حياة عثمان صبري النضالية، وله كراس باللغة الكردية حول مدينة القامشلي، وأعمال ونتاجات أخرى لا أذكر اسماءها.


الاستاذ محمد ملا أحمد من بين الأوائل الذين تم اعتقالهم، إذ سيق إلى سجن المزة في عام 1960 بسبب نضاله في سبيل القضية الكردية، حيث كان صلباً في مبادئه وأميناً لمعتقداته ومخلصاً لقضيته، وإذا سئل في قضية ما، تراه يعلن عن موقفه المبدئي أينما كان، وفي أي ظرف كان، ومهما كانت التكلفة.

لهذا السبب عان الكثير في حياته، وتحمل مصاعب حياتية جمة، وتشرد من أجل تأمين لقمة عيش اولاده، مما اضطر على الهجرة إلى خارج الوطن واستقر به المطاف في المانيا حيث ذاق مرارة الغربة إلى درجة كبيرة شوقاً وحنيناً إلى وطنه مدينة القامشلي التي سبق له أن كتب عدة مقالات في وصفها وتاريخها وجغرافيتها.
 لقد كان لنبأ وفاته (المؤرخ في في الساعة الحادية عشرة من يوم التاسع والعشرين من الشهرالتاسع في هذا العام 29/9/2009) صدى حزن وأسى في نفوس معظم أهالي مدينة القامشلي ومن مختلف الأوساط، لما كان يتمتع به الفقيد من مزايا خلقية نبيلة وصفات علمية مفيدة، ولما عرف به من كرم في الأخلاق ونبل في النفس، يخدم بلده ووطنه بصدق واخلاص، ويعمل بروح التفاني، يفرض احترامه على كل من يلتقي به أو يجتمع به.
 إن حياة الفقيد تعد عبرة ليس لكل فرد فحسب، بل لكل أمة تتوق إلى الحرية.

هذه الحياة المليئة بالتفاني ونكران الذات والتضحيات والنفي والتشريد والشقاء كلها في سبيل اسعاد الغير.

لذا فأن وفاته خسارة كبيرة ليست لعائلة الفقيد وحدها، بل هي خسارة للكرد عامة.

واننا نأمل من يكمل رسالته أن يأخذ بمبدأ الوحدة والاتحاد الكردي صفاً واحداً ويداً واحداً وخطاباً واحداً، وبسعة علمه ونهجه القائم على التفاني والجهد المتواصل وقوة تحمله في الشدائد والصعاب، في سبيل تحقيق أهدافه السامية خدمة لخير شعبه وخيرالبشرية جمعاء.


ويعتبر مسيرة و نضال محمد ملا أحمد وشخصيته حلقة مكملة لهؤلاء القادة والمناضلين العظماء الذين دونوا نضالهم في تاريخ شعبهم.

ولم يبقى أن نقول أن ذكرى هؤلاء العظماء سيبقى محفوراً في ذاكرة كل الشرفاء والوطنيين.
 ملاحظة:بعض مراحل من حياة مناضلنا مأخوذ من مقالة الأستاذ برزو.
29/09/2012

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

المهندس باسل قس نصر الله ونعمٌ .. بأنني لم أقل أن كل شيء ممتاز وأن لا أحداً سيدخل حلب .. فكانوا هم أول من خَرَج ونعم .. بأنني كنتُ مستشاراً لمفتي سورية من ٢٠٠٦ حتى الغاء المنصب في عام ٢٠٢١ واستُبدل ذلك بلجان إفتاء في كل محافظة وهناك رئيس لجان افتاء لسائر المحافظات السورية. ونعم أخرى .. بأنني مسيحي وأكون…

إبراهيم اليوسف بعد الفضائح التي ارتكبها غير الطيب رجب أردوغان في احتلاله لعفرين- من أجل ديمومة كرسيه وليس لأجل مصلحة تركيا- واستعانته بقطاع طرق مرتزقة مجرمين يعيثون قتلاً وفسادًا في عفرين، حاول هذه المرة أن يعدل عن خطته السابقة. يبدو أن هناك ضوءًا أخضر من جهات دولية لتنفيذ المخطط وطرد إيران من سوريا، والإجهاز على حزب الله. لكن، وكل هذا…

نظام مير محمدي* في 26 نوفمبر/تشرين الثاني، نشرت صحيفة جمهوري إسلامي الحكومية مقالاً بعنوان “الخوف من ثورة الجماهير الجائعة”، محذرة قادة النظام: “كل يوم، تتعمق الأزمة الاقتصادية؛ يزداد الفقراء فقراً، والأغنياء ثراءً، ويصبح المستنقع غير المسبوق من النخبوية الذي يجتاح مجتمعنا أكثر انتشارًا”. وسلط المقال الضوء على أن الطبقة النخبوية الجديدة “تعيش في قصور أكثر إسرافًا من قصور الشاه…

إبراهيم اليوسف   لقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي، في وقتنا المعاصر، منصات عالمية تتيح لجميعنا التعبير عن آرائنا، مهما كانت هذه الآراء إيجابية أو سلبية. لكن هناك ظاهرة جديدة تتجسد في ما يمكن أن نسميه “إطلاق النار الاستباقي”، وهو الهجوم أو النقد في صورته المشوهة الذي يستهدف أي فكرة أو عمل قبل أن يرى النور. لا تقتصر هذه الظاهرة على…