الثورة السورية وتحديات الداخل والخارج

صلاح بدرالدين

جاء انعقاد “مؤتمر الانقاذ الوطني” في دمشق قبل أيام بحضور روسي – صيني – ايراني لافت وهي الأطراف الاقليمية والدولية الداعمة لنظام الأسد اعترافا ضمنيا على تدويل القضية السورية بمشيئة ورضا النظام كأحد سبل تجنب مواجهة مصير القذافي أو مبارك وتفضيل مصير بن علي وتأكيدا جديدا على رعاية التوجه القديم الجديد في وقف عملية انهيار النظام القائم عبر صفقة تفاهمات تتضمن كحد أقصى رحيل الاسد وعائلته اذا اقتضت الحاجة اي الحفاظ على جوهر النظام الحاكم وصيانة دولة الاستبداد القائمة وذلك يعني بصورة مباشرة الابقاء على مصالح الاطراف الاقليمية والدولية المعنية بالملف السوري سعيا لخيار التجربة اليمنية بخصوصيتها السورية عبر الوسيط الدولي العربي الأخضر الابراهيمي الذي قلنا مرارا وتكرارا أنه الابن البار والوفي للنظام العربي الرسمي .

الأكثر ملفتا للنظر في هذه العملية المعقدة المناهضة لارادة السوريين هو انحياز جماعات الاسلام السياسي في المنطقة برمتها وخاصة حركة الاخوان السورية الى درجة التورط وبذلك تنتقل نهائيا الى صفوف الثورة المضادة بعد أن كانت تمارس الازدواجية والنفاق خلال أكثر من عام ونصف وتسلسل الأحداث في الداخل والجوار يؤكد على ماذهبنا اليه من انذار الاخوان الاردنيين لنظام الملك عبدالله الحسين وهو من المناوئين لنظام الأسد والمتعاطفين مع الشعب السوري ويتحمل عبئا كبيرا في استقبال ورعاية النازحين وتفسير نقل قيادة الجيش الحر من تركيا على انه ضغط من الحزب الاسلامي الحاكم – النصف اخواني –  لضيق الخناق على الثورة والرشوة المالية الأمريكية لاخوان مصر رغم موقف الرئيس الاخواني التفاهمي من ايران وتصريحات قادة الاخوان السوريين الأخيرة حول التركيز على رحيل الاسد وعائلته بديلا لاسقاط النظام بصورة جذرية واعترافاتهم باللقاءات والحوارات المتعددة مع أجهزة الأمن الايرانية في تركيا تعزيزا لتنفيذ مايحاك في السر والعلن .
عندما نكشف عن خطط مايسمى بمعارضة الداخل – هيئة التنسيق ومن لف لفها – فلايعني ذلك اننا نفضل معارضة الخارج – المجلس الوطني ومشتقاته – فجوهرالطرفين ومضامينهما وتجلياتهما الفكرية والثقافية متشابه ومتقارب الى حدود التماثل فقط يكمن الاختلاف في الشخوص والتعابير والصيغ والأساليب ولكننا نقيم الأمر ونقرؤه على قاعدة التناقض بين الداخل الثوري (الجيش الحر وقوى المقاومة والحراك السلمي الاحتجاجي) وبين معارضات الداخل والخارج ذلك التناقض الذي يعبر عن نفسه في الصراع بين نهجين مختلفين متوازيين : واحد يعمل من أجل اسقاط النظام مؤسسات وبنى وقاعدة اقتصادية واجتماعية ورموزا وثقافة وخطابا وتفكيك سلطته الاستبدادية واعادة بناء الدولة التعددية الديموقراطية الجديدة بمشاركة كافة المكونات الوطنية ومن أجلها وآخر يبحث عن حل برضى الأطراف الاقليمية والدولية حتى لوكان على حساب طموحات السوريين وثورتهم ودماء شهدائهم وهناك جماعات من المعارضات متورطة في هذا المنحى الارتدادي تحت غطاء شعارات مزايدة من قبيل رفض التدخل الخارجي ورفض عسكرة الثورة في حين نرى ان مناصري هذا النهج مثل ايران وروسيا هم من يتدخلون بالشأن السوري وهما دولتان خارجيتان وغير عربيتان وأن النظام هو من يمارس العنف المفرط ويستخدم كل انواع الاسلحة على طريق العسكرة وأن الثوار في مواقع الدفاع عن الشعب والنفس .
قد نسمع غدا او بعد مدة من يدعو الى الى عقد مؤتمر دولي حول سوريا او تدخل عربي أو طائف سوري أو حوار وطني تصالحي وكل ذلك سيصب دون شك في مجرى مواجهة الثورة السورية واجهاضها وقطع الطريق على تحقيق آمال السوريين ونجاحهم في تقديم التجربة الأمثل في سلسلة ربيع الثورات من دون اخفاق أو تردد أو ردات كما حصل لثورة مصر التي خطفها الاخوان المسلمون على سبيل المثال .
الاخوان السوريين الذين لطخوا – المجلس الوطني السوري – بعار الفشل وافرغوه من المحتوى الوطني الديموقراطي منذ اليوم الاول من اصطناعه وتسلقوا في الاجهاز عليه واستغلاله من اجل مشروعهم واجندتهم الباطنية المخفية عن الشعب واستثماره لتنظيم ميليشياتهم الاصولية واستكمال الحلقة السورية في القوس الاخواني الاسلامي السياسي السني من مصر مرورا بتونس وليبيا وقطاع غزة والاردن كخطوة تالية حيث اخوانها ينذرون الملك للتنازل لهم ومن ثم التحالف مع الاسلام السياسي الشيعي في ايران وحكومة المالكي في العراق وحزب الله وصولا الى حوثيي اليمن وشيعة البحرين والسعودية لتدشين هلال اسلامي سياسي في عمق الشرق الأوسط مواجه لقوى الثورة والديموقراطية والتقدم والتفاهم مع الغرب – البراغماتيكي – حليفه القديم الجديد منذ أيام الجهاد في افغانستان وفي هذا المجال ليست مصادفة أن تنتشر أخبار التواطىء الغربي في تسليم الحكم المصري لللاخوان ودعمهم بمليارات الدولارات باعترافات المرشح الرئاسي الامريكي الجمهوري – رومني – واذا صحت هذه المعلومات والتوقعات سنعلم جيدا مدى أهمية الثورة الوطنية السورية الجذرية كتجربة نموذجية لكل شعوب المنطقة ومدى تخوف الآخرين من انتصارها وبينهم العرب والعجم وآل عثمان والغرب والشرق .
في كل مراحل تاريخ كفاح الشعوب من أجل الحرية والكرامة وحق تقرير المصير كان للعالم الخارجي المحيط دور ما كثيرا أو قليلا أما في هذه المرحلة الجديدة من تاريخ البشرية وفي خضم ربيع الثورات في منطقتنا فان الدور الأكبر والأهم والحاسم هو للشعوب ولارادتها الفولاذية التي لاتقهر هكذا علمتنا تجارب الانتفاضات الثورية في تونس ومصر وليبيا واليمن  (رغم أن بعضها لم تكتمل فصولها نهائيا) وهكذا ترينا تجربتنا الوطنية السورية الراهنة المستمرة خاصة ونحن على أعتاب نقلة نوعية جديدة في استعادة الداخل الثوري للقرار السياسي بعد أن تم العبث بها من جميع المعارضات الداخلية والخارجية التقليدية منها أو المستحدثة أو المصطنعة أو المدجنة أو الباحثة عن مصادر للرزق والوجاهة والنفوذخاصة جحافل الاسلام السياسي .
أنظار السوريين متوجهة الى داخلهم ورهانهم على ثورتهم المستمرة بكل قواها الفاعلة من جيش حر وحراك مقاوم واحتجاجات سلمية وسيكسبون الرهان عاجلا أم آجلا .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…

إبراهيم اليوسف إنَّ إشكالية العقل الأحادي تكمن في تجزئته للحقائق، وتعامله بانتقائية تخدم مصالحه الضيقة، متجاهلاً التعقيدات التي تصوغ واقع الشعوب. هذه الإشكالية تطفو على السطح بجلاء في الموقف من الكرد، حيث يُطلب من الكرد السوريين إدانة حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) وكأنهم هم من جاؤوا به، أو أنهم هم من تبنوه بإجماع مطلق. الحقيقة أن “ب ك ك”…

شيروان شاهين سوريا، الدولة ذات ال 104 أعوام البلد الذي كان يومًا حلمًا للفكر العلماني والليبرالي، أصبح اليوم ملعبًا للمحتلين من كل حدب وصوب، من إيران إلى تركيا، مرورًا بكل تنظيم إرهابي يمكن أن يخطر على البال. فبشار الأسد، الذي صدع رؤوسنا بعروبته الزائفة، لم يكتفِ بتحويل بلاده إلى جسر عبور للنفوذ الإيراني، بل سلمها بكل طيبة خاطر…