(القرن الكوردي ) …حقيقة لا مراء فيها

  عدنان شيخموس

اذا كان بعض الناس سيفا لدولة / ففي الناس بوقات لها وطبول- المتنبي

لم تترك ثورة الشعب السوري ضد طاغية البعث حجابا ساترا يتلطى خلفه الذين مارسوا السياسة في المنطقة الرمادية خلال السنوات الخمسين المنصرمة.

ولم تعد انصاف المواقف، حيال مايجري من مجازر في سوريا، كافية لتجميل صورة المتحالفين مع نظام الفظائع والجريمة.

ان الذين مارسوا السياسة سرا في ملعب النظام ، وعلنا في حضن الجماهير المخدوعة ، يواجهون معضلة حقيقية ، بسبب ارتهانهم لسياسات ليست اقل عقما من سياسة النظام ذاتها.
في خضم المستجدات المنبثقة عن تضحيات الشعب السوري ، وتسارع الحراك السياسي على الساحتين الاقليمية والدولية ؛ تواجه زعامات الاحزاب التقليدية ، التي نهضت قواعد اللعبة لديها على توليف ادوات السياسة وفق تبادل الفعل ورد الفعل مع نظام البعث ، معضلة حقيقية ، تتلخص في فقدانها بوصلة الطريق الذي سلكته خلال نصف قرن مضى .

وبناء على هذه المعطيات فان هيكل المنظومة الحزبية المتقادمة وادواتها لم تعد قادرة على مواكبة ايقاع الحدث السوري وثورته .

المحور القائم بين الدول الداعمة للنظام السوري، ينهض على تحالف مذهبي بين النظام الثيوقراطي الايراني وتابعيه في العراق ولبنان وسوريا، وهكذا فان الاصطفاف الى جانب النظام يتصادم مع قواعد الثقافة التي بني عليها بيت السياسة الكردية منذ نشوء الحركة التحررية الكوردية واحزابها المختلفة, والتي نهلت من الثقافة الاشتراكية واليسارية والشيوعية.

المحور الايراني ومن في حكمه يناصبون الكورد وقضيتهم عداء ما بعده عداء ، فهل لمثل هكذا تحالف ان يجلب على الاكراد غير الكوارث..؟

سوريا (قلب العروبة النابض) تحولت الى مقبرة للأحرار في عهد حزب البعث العربي ، وغدت سجنا مغلقا على القتل والتدمير في عهدة الاسدين.

كلما ارتفعت وتيرة القمع ازداد عدد الانتهازيين والمتسلقين والمداحين والمطبلين والمبخرين لراس النظام الدموي.

ورغم انعدام المواقف الجادة في مواجهة جور النظام وبطشه ، من لدن بعض الاحزاب الكردية ونظرائهم في ساحة السياسة العربية ، فان ساحة النضال زخرت بمناضلين حقيقيين دفعوا حياتهم مهرا لتحقيق حلم الشعب السوري في الحرية من الاستعمار الاسدي.

نتيجة لغياب العمل المؤسساتي في كافة مناحي الحياة في ظل القمع الممنهج ، انتقل هذا الوباء لبعض احزاب المعارضة، واصبحت هذه الاحزاب الوجه الآخر لعملة النظام الابدي.

هذا، ولم تكن الأحزاب الكردية في سوريا استثناء لقاعدة (الزعيم الضرورة)، حيث امتهنت بعض القيادات فلسفة الخلود في منصب الامين العام او سكرتير الحزب او (قائد المسيرة) .

انطلاق ثورة الشعب السوري على الاحتلال الاسدي ، قبل مايزيد عن سنة ونصف ، وضعت كافة الاحزاب السياسية كوردية وعربية سواء بسواء في مواجهة حالة من انعدام الوزن واختلال في الرؤى.

بفعل تراكم موروث الثقافة الابدية ، عجزت بل عاشت كحالة نكوصية بعيدة عن الحدث السوري و التفاعل معه ، بنفس القدر الذي فشلت بتجاوز العقلية المغلقة لمواكبة حراك الشارع.

بهذا الصدد ، يجدر بالقيادات الشبابية الكوردية ، باعتبارها خارج مؤثرات الفقه الحزبي المعطل لدور فاعل في مستقبل سوريا ؛ المباشرة بتولي مسؤليات قيادة المرحلة ، والتفاعل ايجابا مع الطلائع الوطنية السورية التي وضعت اللبنات الاولى لتحرر سوريا من الاستبداد الاسدي واضرابه في المحيط الاقليمي والداخلي .

ومن هذه النقطة بالذات على شباب الكورد وفعالياته الاجتماعية التفاعل مع قيم ثورة الشعب السوري والانخراط في كافة الانشطة التي تؤدي لدحر هذا الاحتلال البغيض.

سوريّة التي تولد من رحم تضحيات الشعب السوري وابداعه الخلاق الذي اذهل العالم لن يكون فيها متسع لتجار السياسة وطبول الاستبداد وابواق المخابرات القمعية.

يتفاعلُ موضوع الهويّة القوميّة في سوريّة منذ بدء الثّورة السّورية ، وبرز من خلال هذا التّفاعل المطالبُ الكردية في الاعتراف بالقومية الكردية كثاني قومية في البلاد.

من هذا المنطلق الايماني بقدرة الشعب السوري على بناء دولة لكل السوريين بدون استثناء نعتقد جازمين بان الثورة وبعض قياداتها المتنورة سوف تولي القضية الكوردية اهتماما يتجاوز المحاذير والعوائق التي يضعها المتحالفين مع السياسات الاردوغانية القائمة على الغاء الكورد وتهميشهم.

بالرغم من اختلافنا الشديد مع سياسة المحاور التي يجتمع تحت مظلتها الاصدقاء والأحلاف والتجمعات المتجانسة والمتباينة في كثير من الاحيان الا ان الصراع القائم في المنطقة على اسس مذهبية اكثر منه اثنية وقومية لن يجد بدا من اخذ القضية الكوردية بكافة تجلياتها في نظر الاعتبار ، وحلها حلا عادلا يعيد للكورد حقوقهم المهضومة عبر التاريخ .

فالحقائق التاريخية والجغرافية تؤكد ان هناك شعبا تمتد جذوره في اعماق حضارة المنطقة وينتشر بكثافة تزيد على خمسين مليونا بين المنطقة الواصلة تخوم الخليج بمشارف البحر الأبيض المتوسط ،.هذا هو واقع الشعب الكوردي الذي ينتظر تحولا جذريا لتاريخه الحاشد بالمآسي والنكبات على ايدي الشباب الناهض .

25/ 9 /2012

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…