بداية أرى أن الكاتب لم يكن موفقا مرتين في الأولى عندما وضع الكرد بخانة ” الأقليات ” فهم شعب مكتمل العلائم القومية 15% من السكان وهو يعلم تماما الفرق الشاسع بين استحقاقات الشعب و ” الأقلية ” من حيث الحقوق القومية والدستورية في منظوري القوانين المحلية ومواثيق الأمم المتحدة وبالرغم من السمعة السيئة لهذه العبارة ” الأقلية ” التي يمكن الاستعاضة عنها بالأقل عددا فان الحالة هذه قد تنطبق مثلا على عدد من المكونات السورية مثل الأرمن والشركس والشيشان التي هاجرت أوطانها القومية وفي الثانية عندما خلط القضية القومية بمسائل الأديان والمذاهب أو قضية الطوائف ففي أغلب الحالات السورية تنتمي الأخيرة قوميا الى الغالبية العربية وبالتالي يمكن ازالة الغبن عنها عبر النظام الديموقراطي وحرية العقيدة بخلاف ماهو مطلوب لحل القضية الكردية من اعتراف دستوري بالتعددية القومية المركبة للمجتمع السوري وبالكرد كقومية ثانية من السكان الأصليين وحقهم بتقرير مصيرهم السياسي والاداري في اطار الدولة السورية الواحدة الموحدة .
الى جانب ذلك لابد من تثمين موقفه عندما أشار الى بعض ماتعرض له الكرد مثل المخطط العنصري – الحزام العربي – وهو جزء من مشروع كبير لم يتطرق الكاتب الى تفاصيله وضعته الأوساط الشوفينية منذ زمن بعيد تولى تنفيذه سلطة البعث بعد سيطرته على مقاليد الحكم مقتدية بدراسة سرية أعدها القيادي البعثي – محمد طلب هلال – عندما كان رئيسا لشعبة الأمن السياسي في القامشلي بداية ستينات القرن الماضي ويقضي المشروع بحرمان الكرد من جميع حقوق المواطنة ومنعهم من الانتساب الى الكلية الحربية والسلك الدبلوماسي وتعريبهم وتهجيرهم واجراء التغيير الديموغرافي في مناطقهم وتحويلها الى مربعات أمنية تتولى امورها عدة اجهزة باشراف جهاز الأمن العسكري .
لم يوضح الكاتب ماذا يقصد بأن “الأقليات ! ” بحسب تسميته وبينها الكرد لم تكن مضطهدة من دون تبيان من الشعب العربي والمجتمع السوري أم من الأنظمة والحكومات المتعاقبة فمن دون شك لم تعتري علاقات المكونات القومية والدينية والمذهبية فيما بينها أية شائبة بل كان ومازال التعايش المشترك والتآخي والصداقة والتضامن هو السائد بل أن تلك العلاقة التاريخية تخضع لنوع من التوازن المجتمعي اذا علمنا أن أكثر من 45% من السوريين اما ليسوا عربا كقومية أكبر أو ليسوا سنة عرب كأكبر الطوائف ولكن فان جميع المكونات الأقل عددا وبدون استثناء وخاصة الكرد تعرضوا ومازالوا بأشكال متعددة ومتفاوتة الى الاضطهاد والتميز والاقصاء من جانب الأنظمة ولم يغير من ذلك تبوؤ رجالات من أصول كردية مواقع رفيعة في مؤسسات الدولة السورية بعد الاستقلال أو قدم بعضهم خدمات في سبيل التحرر والبناء فهي حالات فردية لاتدخل في عداد الحسابات السياسية أو تمثيل الشعب الكردي وحركته الوطنية .
بكل أسف هناك بعض شركائنا العرب اليساريين والليبراليين وبالرغم من تعاطيه مع القضية الكردية بايجابية مازال مترددا في مواجهة الحقيقة لذلك قلنا ونقول لكل هؤلاء بأن سوريا مرت بسنوات ازدهار ديموقراطي وحريات عامة في عهد الانتداب وفي ظل حكومات تقودها البورجوازية الوطنية قبل زحف الشمولية المتوحشة بكل أصنافها ولكن ليسمح لنا الكاتب بالقول أن الاضطهاد كتب على المكونات الأخرى الأقل عددا منذ فجر الاستقلال واصدار أول دستور ولم تتشكل بعد لاماضيا ولاحاضرا ” دولة سورية لكل مكوناتها ” وقد خلا دستور 1920 الأول بعد زوال التسلط العثماني الذي عرف باسم “القانون الأساسي للملكية السورية العربية” والذي وضعه المؤتمر السوري من أية اشارة الى مساواة وشراكة العناصر السورية وقد كان دستور عام 1928 متقدما عموما مثل سابقه حيث ضمن عدم التمييز بين السوريين ” بسبب الدين أو المذهب أو الأصل أو اللغة ” رغم صدورهما تحت ظل الاستعمارالا انهما كما ذكرنا أغفلا تعددية المجتمع السوري بشكل واضح تماما مثل الدساتير الأخرى التي وضعت في عهد الاستقلال ومواد دساتير مابعد الاستقلال وجميع تعديلاتها الى يومنا هذا بافتقارها الى قراءة صحيحة لتاريخ سوريا القديم والحديث وأي تعريف واقعي لمكوناتها القومية والثقافية والاجتماعية وخارطتها الدينية والمذهبية كما هي على أرض الواقع المعاش والحفاظ عليهاعلى الأقل منذ بداية القرن التاسع عشر وبشكل أخص في مرحلة اندلاع الثورة الوطنية والانتفاضات ضد الانتداب وفي سبيل الاستقلال والمشاركة الكردية فيها في الجزيرة وجبل الأكراد وجبل الزاوية وحي الأكراد بدمشق وميسلون بما في ذلك تجاهلها رسميا وفي كتب التاريخ ومناهج التربية المدرسية وبرامج التعليم الجامعي وجود المكونات القومية غير العربية وخاصة الكرد المكون الثاني بعد العرب الذي لايستطيع حتى نظام الاستبداد الحاكم الا واعتباره ” جزء من النسيج الوطني السوري ” وعدم الاشارة الى هويته وثقافته وحقوقه العادلة حتى حركة – خويبون – القومية الكردية التي تأسست عام 1927 بصورة شبه سرية وغير قانونية لم تنأى عن ملاحقة سلطة الانتداب التي تعاونت بهذا الخصوص مع السلطات التركية ونفي قادتها رغم اعلانها في لبنان – صوفر – وهي قامت أساسا في – القامشلي – وكما هو معلوم فان البداية التأسيسية لمرحلة الاستقلال قامت على أساس هش غير عادل ومناف للواقع وكل ما بني عليها أو تفرع عنها دستوريا وقانونيا واداريا وسياسيا وثقافيا مطعون بصدقيته وأحوج ما يكون الى اعادة النظر فيه من الأساس ولاشك أن ذلك قد هيأ تربة مواتية لنموالعقائد الشمولية التي جاءت كنتيجة وليست كسبب فلم يسمح يوما من الأيام بأي نشاط سياسي أو حزبي كردي ولم تطلق حرية اللغة الكردية كتابة وأدبا ولم يشهد البرلمان السوري تمثيلا عادلا للكرد كمكون قومي حسب نسبة السكان وتجاهل الدستور الوجود الكردي ولم يتم صياغته بمشاركة الطيف الكردي حسب مبدأ التوافق مما تثار الشكوك حول مسألة – الشرعية الدستورية – وبالتالي غياب ارادة بناء صرح متين راسخ للوحدة الوطنية من أذهان رواد الاستقلال الأوائل وبناة الدولة السورية الحديثة وبينهم من هم من أصول كردية .
نحن الآن جميعا عربا وكردا ومكونات وطنية أخرى أمام مهام انجاز عملية التغيير الديموقراطي وانقاذ البلاد من الاستبداد والفعل والنشاط الكرديين في هذا المجال بالداخل والخارج وبشهادة الجميع يفوقان حجمه العددي بأضعاف لأنه متمرس على العمل النضالي المعارض عبر أجيال منذ العهود العثمانية وحتى الآن بالرغم من ظهور – شبيحة كردية – طارئة حديثا من مصدر خارجي بتغذية من السلطة مآلها الزوال وفي الوقت الذي نواجه نظام الاستبداد ونعتبره الخصم المسؤول عن محنة شعبنا يؤلمنا أن نشعر بين الحين والآخر بنوع من خيبة الأمل جراء سلبية شركائنا العرب المفترضين المحسوبين على المعارضة السورية تجاه وجودنا وحقوقنا ومستقبلنا تارة ينعمون علينا بحق المواطنة هذا الحق الذي منح للبشر منذ الخليقة وقوننتها الثورتان الأمريكية والفرنسية منذ قرون وأحيانا يعرفوننا بالجماعة الكردية تهربا من تسميتنا بشعب كما نحن عليه وبما يتطلب من التزامات سياسية أو بالأقلية الكردية كل ذلك بهدف حرماننا من حقوق شعب أصيل يقيم على موطنه منذ فجر التاريخ وتارة يعرفون سوريا ببلد أحادي القومية وليس تعددي الأقوام والثقافات والأديان لن تتحقق الشراكة العربية الكردية في الوطن السوري الواحد على الصعيدين المجتمعي الدولتي والمعارض من دون أن يتواصل الحوار البناء ولن يستقيم الحوار من دون اعتراف عربي كقومية غالبة سائدة حاكمة بالمكون الكردي كشعب من سكان سوريا الأصليين وقومية تستحق اعادة الاعتبار وازالة الغبن والتسليم لها بالحقوق الى جانب الواجبات والتساوي في السلطة والدولة والادارة والاقتصاد كعنصر رئيسي من سوريا المتعددة المركبة .