المحامية افين محمود
إن هناك “كثيرون آخرون ممن هم محاصرون، خوفاً من خطر وقوعهم في أتون القتال أو استهدافهم خلال الهروب”.
وفيما قدمت المفوضية من خلال الهلال الأحمر السوري المواد الأساسية لمساعدة العائلات النازحة على إقامة منازل مؤقتة، لكنها تعاني من فرص الامداد الدائم لهؤلاء بسبب اغلاق قوات الامن السورية لطرق الامداد واغلاق مدن بكاملها ومنع وصول المساعدات اليها فضلا على ان منظمة الهلال الاحمر السوري ليست منظمة حيادية انما تخضع لسياسة واجندة الدولة السورية
فالحكومة السورية غير قادرة على تحمّل هذا الالتزام أو لا ترغب في تحمله.
ولا توجد قواعد واضحة لعمل المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية تلزمها برعاية الأعداد المتزايدة بسرعة من النازحين داخلياً الذين بحاجة إلى المساعدة العاجلة .
فحتى اتفاقية اللاجئين لعام 1951 لم تسر الكثير من الحكومات ومنها الحكومة السورية وذلك من خلال وضع معاييرالسيادة الوطنية في مواجهة تعزيز مفهوم الحماية والمساعدة الدولية لهؤلاء اللاجئين ·
ويعتبر النزوح والتشرد الداخلي من أقسى انواع التشرد لانهم لايتمتعون بالمعايير الدنيا الاساسية للمعاملة التي يتمتعبها الﻼجئون في المخيمات.
ويفتقدالنزوح الداخلي في العادة الحقوق الاساسية التي يتمتع بها اللاجئون في المخيمات ، كا لحق في الغذاء والحق في المأوى والظروف المعيشية الملائمة , الحق في الرعاية الصحية؛ الحق في الحياة والسﻼمة الشخصية .،بالاضافة الى غياب برامج المساعدة وذلك لعدم امكانية وجودهم في مكان ديمغرافي محدد و صعوبات خاصة فيجمع معلومات موثوقة عنهم..
– من حيث الجوهر، يكون الﻼجئ أو المشرد داخليا قد عانىبالفعل من سلسلةمن انتهاكات حقوق اﻹنسان., وإجبار شخص علىمغادرة وطنه ينطوي في حاﻻت كثيرة لانتهاكات لحقوق معينة، مثل حق الشخص في اﻷمن علىنفسه وحرية اختيار محل إقامته.
المساعدة الغير منهجية …الاعداد والصعوبات :
منذ سبعة عشر شهرا يعيش الشعب السوري ظروفا معاشية سيئة نتيجة الحرب التي يشنها النظام ضده والقصف المستمر على الاحياء السكنية وانهيار المباني وغياب متطلبات الحياة الاولية من ماء وكهرباء والمواد الغذائية دفع الناس الى الهجرة والنزوح من مناطق اقامتهم واللجؤ الى دول مجاورة طلبا للامان وتشير بعض الاحصائيات الاولية الى أن عدد اللاجئين الى دول ( العراق والاردن وتركيا ولبنان ) منذ بداية الازمة +232,918 يتوزعون على الشكل التالي
في تركيا: +80,410
في لبنان: +59,111
في الأردن: +59,111
في العراق: +18,682
وفق تقديرات المجلس الوطني السوري , وهم في تزايد يومي
الا ان الظروف الاقتصاية والامنية وسرعة أمتداد وانتشار العمليات العسكرية وإتساع دائرة التوتر الامني والنزاع المسلح , منعت الكثير من ابناء سورية الفرصة للهجرة والالتجاء الى خارج الحدود فعمدوا الى اللجؤ الى المناطق الداخلية والبعيدة نسبيا عن العمليات العسكرية وتأتي محافظة الحسكة في مقدمة المحافظات التي لم تدخل في دائرة العمليات العسكرية وتحديدا مدينة القامشلي مما جعلها ملاذا آمنا نسبيا لهؤلاء النازحين والهاربين من الة القتل في حمص ودرعا ودير الزور وحاليا انضم اليهم ابناء دمشق وحلب.
ومدينة القامشلي احدى اكبر مدن محافظة الحسكة تقع على الحدود التركية السورية من جهة الشمال الشرقي تبلغ مساحتها- الكلية 38 كم2 (14.7 ميل2 ترتفع451 م (1,480 قدم( عن سطح البحر
تشير احصائيات 2003 إلى أن عدد سكانها تجاوز 200000 الف نسمة
من الكورد والعرب والسريان والأرمن و الآراميين والكلدان والأشوريين وغيرهم والكورد يشكلون الاغلبية السكانية فيها ، وتنتشر على مساحات واسعة من ريفها زراعات القمح والقطن ….
وهي عموما مدينة مهمشة تفتقد الى الخدمات الاساسية وفرص العمل متدنية بالمقارنة مع المدن السورية الاخرى , وهي سياسة منهجية اتبعها النظام البعثي بقصد افراغ المنطقة من سكانها الاصليين وتغيير الطابع الديمغرافي لها وفي السياق عملت على اسكان 40 قرية من العرب الغمر على امتداد الشريط الحدود في إطار ما سمي بالحزام الاخضر في حين يسميها الكرد الحزام العربي
تعتبر الان القامشلي من أكثر المدن التي تستقطب النازحين والمشردين من العنف الدائر في سوريا
غياب للمؤسسات الدولية وضعف للجمعيات الاهلية :
حتى السنوات القليلة الماضية كان قانون الجمعيات في سوريا يعتمد على القانون 93 بعد أن أدخل بعض التعديلات عليه في العام 1969 بالمرسوم التشريعي رقم /224/ إلا أنه مع ذلك بقى نافذا بشكل فعلي حتى الان بالرغم من بعض المراسيم التشريعية التي اصدرتها الحكومة خلال عامي 2010و2011 لتسهيل عمل الجمعيات قانونياً .
لكن بقيت الحكومة تتحكم بشكل واسع في عمل الجمعيات وتضيق عليها ,خاصة على عمل الجمعيات السياسية، وأتاح قانون الجمعيات لوزير الشؤون الاجتماعية والعمل حل أي جمعية بقرار مبرم غير قابل لأي طريق من طرق المراجعة والطعن أمام القضاء، خلافاً لأحكام المادة 28من الدستور السوري فقرة 4 منه: ( حق التقاضي وسلوك سبل الطعن والدفاع أمام القضاء مصون بالقانون)
في ظل هذه الظروف القانونية القاسية ، عمل بعض الناشطين في خدمة المجتمع المدني رغم تعرضهم للانتهاكات واحالتهم الى محاكم تحت يافطة تلقي الدعم من بعض المؤسسات الدولية الداعمة للانشطة المدنية لأنه محظوراً بقوة القانون، بل لأن هذا التمويل سواء كان مرتبطاً بالقوى الخارجية التي تقدم هذا التمويل أم لا، لا تتطابق تماماً ومقياس العمل الوطني من وجهة نظر السلطة الحاكمة
في غياب هذه الجمعيات وضعفها انتج الوضع المأساوي الذي يعيشه المجتمع السورية اشكال جديدة من النشاط مرتبط بالحاجات اليومية التي افرزتها المأساة اليومية ولجأت الى تقديم المساعدات سواء المادية منها او المعنوية عبر مجموعات من النشطاء الميداني .
لجنة المجتمع الكوردي للاغائة واللجان المحلية مجموعتان تعملان على تقديم وتنظيم المساعدة والدعم لهؤلاء النازحين من تأمين مأوى وحاجات ضرورية كالاغطية ومتطلبات الاطفال من فوط وأغذية وحليب إضافة الى سلل غذائية بشكل شبه دوري .
أحد نشطاء لجنة المجتمع الكوري للاغاثة يقول: أن اللجنة تشكلت منذ بداية الثورة لغاية تقديم المساعدة وتخفيف حجم المآساة وارسال رسالة محبة الى الشعب السوري وتعزيز المحبة بين كافة أطيافه , ونحن نعمل جاهدا لتجاوز الصعوبات , في تأمين السكن المناسب والدعم الغذائي ,فمنطقتنا نائية اساسا وتفتقد الى الكثير من الخدمات
معظم النازحين هم من النساء والاطفال وهم يعيشون في ظروف قاسية , فاحيانا توجد اكثرمن ثلاثة عوائل تعيش في منزل شعبي واحد واحيانا نضطر الى استخدام السكن المهجور لايواء هؤلاء , امكاناتنا متواضعة والمهمة صعبة جدة .
وقد تم رصد ما يقارب 946 عائلة و 4274 فردا بينهم 2585 طفلا وتشير هذ الاحصائية الغير رسمية الى ارتفاع واضح في عدد الاطفال بين النازحين , نزحوا من حمص وحلب ودير الزور ودمشق وهم يعيشون وضعا مأساويا يفتقد الى الحد الادنى من الشروط الانسانية من مأكل ومشرب ومسكن وبغياب جمعيات متخصصة يصبح الامر اكثر صعوبة في مساعدتهم
يصعب اعداد احصائية واضحة عن هؤلاء النازحين لسببين اولا لان هؤلاء النشطاء يفتقدون الى البنية التنظيمية والخبرة والتجربة وضعف الامكانات وثانيا لايوجد مكان محدد لتجمع هؤلاء النازحين وترفض الحكومة السورية اقامة مخيمات لهؤلاء
تقول السيدة هند وهي من مدينة الجورة بدير الزور هربنا من العنف, بيتنا تعرض للقصف والدبابات ملأت الشوارع , لدي ثلاثة اطفال والدهم ذهب ولم يعد لا نعرف عنه شيئا , لا ادري كيف وصلت الى هنا , بقينا ما يقارب الاسبوع ونحن ننتقل من مدينة الى اخرى , نحن نعيش هنا في هذا القبو , كان لدينا منزل وسيارة , زوجي معلم مدرسة وانا موظفة , تركت الجورة لانقذ اطفالي , لدي طفل عمره سنتين ويحتاج الى رعاية وحليب , نحن مضطرين ان نتحمل هذا الوضع , المساعدات المقدمة من الاهالي ومن بعض اللجان الشعبية تفتقد الى المنهجية , احيانا يتراكم لدينا البرغل لكننا لانملك الزيت والغاز لطبخه , لدي ولد في الرابعة عشرة من عمره يعاني من الكوابيس ووضعه النفسي سيئ , يهدد بالعودة الى الجورة للبحث عن والده .
يقوم النشطاء بتقديم سلل غذائية حجمها حسب عدد افراد العائلة وهي مكونة من المواد الاساسية ( سكر – شاي رز – معكرونة – زيت برغل ….
معلبات قيمتها تصل الى 500 ل س لكل شخص أي ما يعادل 8 دولار تقريبا شهريا أما الخدمات الاخرى كالحليب والادوية والطبابة فما يقول السوريين على التيسير, وهي بمجملها لا تكفي الاحتياجات الاساسية.
معلمة مدرسة من بين النازحين تقول اننا كنشطاء كنا نتعرض للاهانة المعنوية والتهديد الدائم بالاعتقال , تعرضت الطالات للاعتقال العشوائي , نعاني من نقص في الاحتياجات الضرورية من غذاء وماء وخاصة حاجات الاطفال ونعاني من مشاكل في السكن فهوغير صحي وغير ملائم لنمط حياتنا المحافظة , نعيش في هذا المكان اربع عائلات نلاقي صعوبة جمة , في الحركة والتنقل في المنزل ونبقى طول الوقت منقبات لا نستطيع فك الحجاب نهائيا,
-النازحون في ظل مأساة يومية وأزمة انسانية وسياسية في المستقبل : تضيف السيدة هند ننتظر ان تنتهي الازمة حتى نعود الى الجورة لاأدري اين هم اهلي , امي العجوز واخواتي البنات انقطع الاتصال بيننا ولا اعرف ان كانوا احياء ام اموات , هند تجهش بالبكاء وهي تخرج صورة لزوجها .
وفي حين ترفض السلطات السورية بانشاء مخيمات لهؤلاء ضمن الاراضي السورية وفي مناطق تواجد هؤلاء النازحين ,فقد عمدت لجنة المجتمع الكوردي للاغاثة واللجان المحلية الى استخدام دور العبادة والمدارس رغم تمنع السلطات المحلية مما حدى بهؤلاء لشكيل فرق لحماية تلك المواقع .
تصبح مسألة النزوح أكثر قلقا وتحديا انسانيا لمجموعات العمل الانساني المحلية والدولية لصعوبة التعامل معها وتزايد حالات الانتهاك وسوء المعاملة اليومية لها , لما يكتنفها من سوء المعاملة وفقدان الممتلكات وانفصال الاطفال عن اسرهم وتزايد خطر تعرض النساء والفتيات للعنف الجنسي , واشتداد حدة التعرض للمخاطر الصحية، ومحدودية الحصول على الخدمات الاساسية , هي جزء من التهديدات المألوفة التي ُتحدق بالنازحنين داخل بلدانهم.
ثم إن الخطريحيط بهم من كل جانب، ومنها حدة التوتر القائم بينهم وبين المجتماعات المضيفة التي تقوم بتأمين جزء من حاجاتهم اليومية , يضاف الى ذلك التوتر الناجم عن هاجس المضيفيين من بقاء هؤلاء في مناطقهم مما قد يشكل خلل ديمغرافي وخدماتي وسياسي في الامد البعيد , من هنا يصبح السؤال الدائم لدى المضيفين هل نريد أن يحتفظ هؤلاء بدوافع حثهم على العودة ؟