شهداء مهاباد … دروس وعبر

بقلم: توفيق عبد المجيد


لقد أبى آذار … الشهر الكردي بامتياز ،  أن يرحل إلا ويفرغ آخر ما تبقى في جعبته من المآسي ألا وهي الذكرى التاسعة والخمسون لاستشهاد القاضي محمد رئيس أول جمهورية كردية أقيمت في كردستان إيران على عجل ، ثم أزيلت على عجل ، ، وكوكبة أخرى من رفاقه ، بفعل الظروف الدولية التي كانت سائدة في ذلك الوقت ، والصراع على المصالح الاستعمارية التي كانت في أولويات مهام هذه الدول المستعمرة ، والتي عبر عنها بكل صراحة ووضوح تشرسل في مقولته التي يضرب بها المثل دائماً ( لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة ، هنالك مصالح دائمة ) .

 

وتعود بنا الذاكرة إلى الخلف لنتصفح السجل الاغتيالي الدامي للسلطات الإيرانية وقادتها الذين صفوا خيرة قادة الشعب الكردي من أمثال الدكتور الشهيد عبد الرحمن قاسلمو رئس الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران ومن بعده الشهيد صادق شرف كندي ، والقائمة تطول ، والسجل الأسود يزداد سواداً لأولئك القتلة .
يذكر الصحفي البريطاني المعروف روبرت فيسك أنه عندما سئل الصحفيون الغربيون عن الخلخالي وعن عدالة المحاكم الإيرانية وهل هو مرتاح ضميرياً ( أي الخلخالي ) تجاه هذه الإعدامات الكثيرة فقال : (بأن الذين أعدموا إما مجرمون أو أبرياء ، فإذا كانوا مجرمين فقد نالوا جزاءهم العادل وهم الآن يحترقون في جهنم وبئس المصير ، أما إذا كانوا أبرياء فتهانينا لذويهم لأنني أرسلتهم إلى الجنة ! لذلك نشر فيسك في جريدته الإندبندنت اللندنية تقريراً بعنوان ( أرسلتهم إلى الجنة I Sent them to paradise ) ، لا أدري كيف يتفق هذا المنطق مع الآية الكريمة : ( ومن قتل نفساً بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعاً ) نعم إنهم يرسلون الناس إلى الجنة .
ويقول الشاعر الهندي الكبير طاغور في هؤلاء وأمثالهم : كل ما يحرر الإنسان يحولونه إلى قيود ، وكل ما يوحده يحولونه إلى سيوف ، وكل ما يحمل الحب من النبع الخالد يحولونه إلى سجون ، يحاولون اجتياز النهر في سفينة مثقوبة ، يا إلهي دمر الدين الزائف وأنقذ الأعمى ، ولتهشم المعبد الملطخ بالدماء ، ودع هزيم الرعد ينفذ إلى سجن الدين الزائف واحمل إلى هذه الأرض التعسة نور المعرفة .
لقد سجل الشهيد القاضي محمد ملحمة في البطولة والتضحية عندما رفض الخروج من السجن لينجو بنفسه ، مفضلاً الإعدام على إبادة شعبه المسحوق ، مضحياً بنفسه لأجل شعبه ، ولكي يقلل من بطش وفتك العسكر الإيراني الذي سيتغول ويتعملق على أبناء شعبه الكردي ، ويبطش به دون رحمة من مبدأ ( كل شيء مباح في الحرب ) لكنه لم ينس أن يسلم العلم الكردستاني إلى القائد الخالد مصطفى البارزاني ليحافظ عليه كأغلى وآخر أمانة مازالت في حوزته ، ولم يكن مخطئاً في تصوره هذا ونظرته الثاقبة التي كانت تستشرف المستقبل الذي لم يطل كثيراً ، فقد كان العقدان  الأخير من الألفية الثانية والعقد الأول من الألفية الثالثة عقدين كرديين ، حيث استطاع السيد مسعود البارزاني من بعد والده البارزاني الخالد أن يحافظ على هذه الوديعة الغالية التي ترفرف الآن في سماء إقليم كردستان العراق بكبرياء وشموخ .
تحية من القلب إلى كل من ضحى بنفسه من أجل شعبه ليكون مدرسة في البطولة والفداء
والنصر دائماً للشعوب المقهورة والمستعبدة .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…