حسين جلبي وسؤاله الجوهري

جان دوست


 

بعد أن يستعرض الكاتب حسين
جلبي- في ما نُشِر على صفحات المواقع الكردية- بعضاً من ممارسات الآبوجيين
وتجاوزاتهم بحق المواطنين الكرد يتساءل بمرارة:

 من عين حزبَ العمال الكردستاني
وصياً على الناس، يتدخل في شؤونهم الخاصة والعامة فيحرم عليهم ما يشاء ويحلل لهم
ما يشاء، ويفرض عليهم الأتاوات الكيفية وكل ذلك تحت طائلة العقوبات القروسطية؟
 وإنه لعمري سؤال جوهري يعرف
السيد جلبي إجابته ويعرف الكثيرون مثله لماذا ومن وكيف أصبح حزب العمال الكردستاني
وصياً على الناس ولكن لا بأس ببعض التذكير فهو ينفع المؤمنين.
قبل أن نذهب بعيداً ونقول إن
النظام السوري أو النظام الفلاني هو الذي فتح المجال لهذا الحزب بالتمدد، علينا أن
نعود إلى أنفسنا ونستبطن الخلل في مجتمعنا وحركتنا السياسية والثقافية التي أدت
بنا ككرد سوريين إلى هذا الدرك الخطير.
 إن الصمت هو رأسمال كل حركة
متطرفة وكل نظام مستبد قهري، فكما أن النظام السوري جعل الخوف رأسماله الأول ثم
أتبعه بتوزيع الصمت وفرضه على النفوس ثم طرح أسهم “فلسطين والوحدة العربية
والمقاومة اللبنانية وتحرير الأرض من المحتل” في بورصة النخاسة القومية،
واستطاع تأمين جوقة من المطبلين والمزمرين المزمجرين لتسويق بضاعته الجميلة شكلاً
الفاسدة مضموناً، كذلك بالضبط فعل حزب العمال الكردستاني بنا، فجعل تحرير كردستان
وتوحيدها وبناء دولة كردية موحدة مستقلة هدفاً مغناطيسياً سامياً جذب كثيراً من
مسامير العقل، بموازاة ذلك قام بتخوين كل من لا ينادي بمثل ذلك الشعار الملهب
للحماس وتم ضرب الناس الذين يناقشون الفكرة مجرد نقاش، وقامت ماكينة إعلامية بغيضة
بتأليه القائد الذي لا يأتيه الباطل لا من جهة البحر ولا من جهة البر ولا من
السماء ولا من تحت الأرض، وكان التأويلُ هو المنقذ من الشاذ من كلام القائد، فإذا
نادى بالدولة التركية القوية، انبرى المفسرون وقلبوا الكلام على وجوه عدة لم يردها
القائد، وإذا مدح أتاتورك فذلك لأنه أعلم منا وما ذاك إلا لحكمة لا يعلمها إلا
الله والراسخون في العلم، وإذا تنكر لميراث الشيخ سعيد، فلأنه الوحيد القادر على
قراءة تاريخنا ولأنه الوكيل الحصري لتفسير حركاتنا الثورية وتنسيقها وفصل غثها عن
سمينها..
 ولقد شارك الكثير منا في جريمة
الصمت ولم يكتف بعضنا بالصمت بل خرجوا على الشاشات -وهم شعراء يشار لهم بالبنان-
فمدحوا الزعيم الفذ وقالوا : فليكن الشعر ولتكن الكلمة فداء لحذائه (أو لموج بحره
فما الفرق؟)..
 يحدث الآن أن عامودا تلتهب
وتحتقن بينما كتاب ومثقفون من عامودا لا يطرحون على الرأي العام ولو موقفاً باهتاً
يدعون فيه إلى خطورة ما يحدث بل هم للأسف ساكتون إما خانعون راضون أو لامبالون.
 إن الجاهل الأمي الذي يحمل
هراوة في يده وينهال في عتمة الليل على رأس متظاهر كردي (ربما يكون ذلك المتظاهر
أستاذه في المدرسة) إنما يضرب السلم الأهلي الكردي، وإن مخططي هذه المعارك
الدونكيشوتية التي يتم خوضها بداعي محاربة مخططات “أردوغان والدولة التركية
ودائرة الحرب الخاصة!!!!!!!!” يضربون بسيف النظام السوري المتساقط ويفتحون في
الجسد الكردي جراحاً لا يمكن أن تندمل مستقبلاً، وإذا قامت جهة ما بالعمل مثلهم
والرد على هراواتهم بالهراوات المضادة وعلى رصاصهم الحي برصاص حي آخر، فلك أن
تتصور حالة الشارع الكردي المحتقن أصلاً منذ بداية الثورة السورية.

   

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…