لا حصانة للقيادي الكردي

عمر كوجري

   على خلفية اعتقال سكرتير حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا الأستاذ محي الدين شيخ آلي أدلى العديد من الكتاب والصحفيين الكرد على وجه الخصوص بدلوهم للكتابة عن تبعات هذا الاعتقال، ووصْف ظروفه، وتدبيج بيانات التضامن والتنديد باعتقاله ،وكذلك فعلت باقي الفعاليات الثقافية والحقوقية ومنظمات حقوق الإنسان الكردية والعربية والعالمية ، لهذا قد يرى أحدهم أن الكتابة في هذا الجانب قد أصبحت باهتة ومكرورة ، غير أني أرى أن الكتابة في موضوع بهذا الشأن لها حيويتها لما يتمتع الأستاذ آلي من شخصية كاريزمية،واحترام عميق،ونضال طويل، وأياد بيضاء  على مستوى حزبه ، وكذلك شعبه الكردي في سوريا،ولايُحبَّذ أن يُخْمَد حبر اليراع ، وتنطفئ جذوة الهمم ، وتكون رهينة اليوم وغداً ، وألا تتعرض لعامل التناسي والإهمال.

إن الضغط السلمي الحضاري هامٌ كثيراً، فمن الكتابة في الموضوع، وتحريكه على أعلى المستويات إلى مخاطبة رأس القيادة من خلال رسائل مفتوحة، إلى حشد مساندة ودعم أكبر قدر من المنظمات الدولية والحقوقية، والدعوة منها للتضامن مع معتقلي الرأي بشكل عام في سوريا  إلى الاعتصامات السلمية الحضارية في العواصم،وممارسة سياسة اللاعنف التي تجدي كثيراً في مثل هكذا ظروف.
كل هذه الأمور سيأتي أُكُلُها، وستشكل عامل ضغط وإقلاق على النظام ليعيد حساباته في ملف الاعتقال الكيفي، وإغراق السجون بمعتقلي الرأي والرأي الآخر باعتباره عضواً في العديد من الهيئات الدولية التي تندد بالعنف ، ووقَّعَ على الاتفاقيات الدولية التي تنظم الشأن الإنساني ، تلك الاتفاقيات التي تتنادى لحماية إنسانية الإنسان ، وصون حريته وكرامته، وعدم المساس بها تحت أي ظرف أو أية ذريعة، وأي مخالفة لروح تلك الاتفاقيات من المفترض أن تخلق حالة من الاستياء لدى الدول التي عرفت الديمقراطية وحقوق الإنسان ، وترعى لوائح حق الإنسان في العيش الرغيد ، والصحة،والتظاهر، والتعبير عن الرأي دون خوف من عواقب والتظاهر ، وتشكيل تنظيمات سياسية ، وجمعيات مدنية وغيرها.
وفي عودة إلى اعتقال الأستاذ آلي في هذه الظروف التي تمر بها سوريا ، وهي ظروف لا تحتاج إلى الكثير من العرض والفهلوة في بسطها ، وهي بالمجمل صعبة ، والبلد بحاجة إلى أكبر قدر ممكن من الهواء النقي ، لا إلى تعكير الأجواء ، وتسميمها بالاعتقالات الكيفية التي لاتحل مشاكل البلاد وزيادة وتيرة الضغط على أنفاس الناس ومحاصرتهم على المستويات كافة ، كل هذه الأمور تزيد من وتيرة المشاكل، وتعقدها أكثر فأكثر وتزيد الأمور تعقيداً .
إن هذا الاعتقال التعسفي سيزيد من حالة الاحتقان التي ينشد الجميع إلى تخفيفها لا اتقاد أوارها وصب الزيت في النار ، ويعطي رسالة إلى مجموع الشعب السوري أن لا أحد مُحَصَّنٌ من الغياب في غياهب الأقبية الرطبة ، وأن العقلية الأمنية ، والحلول الأمنية هي أولويات التفكير لدى مَنْ يرى أن البوابة الأمنية هي المدخل الصحيح والاستراتيجي لحل المشاكل الكثيرة التي يرزح تحتها النظام هذه المشاكل التي استفحلت عبر عقود طويلة من الزمن في حياة المجتمع السوري ، وهي بحاجة ماسة إلى حلول سريعة وفورية لاترقيعية ، وأي تأخير في هذا السياق لايخدم الصالح العام بأي شكل من الأشكال ، بل يخدم الذين يريدون أن تغرق سوريا في بحر المشاكل العويصة ، وربما في برك الدماء من خلال النفاذ من الثغرات التي لا تريد بعض الأوساط حلَّها ، وكل يوم تمارس ضغطاً جديداً وسياسة جديدة ، ولا تفكر بالمطلق في إيجاد حلول لها رغم أنها ليست طوباوية ولا تمت إلى بحر الخيال بأية صلة ، ولعل الموضوع الكردي هو من المواضيع التي يستوجب على مجمع الشعب السوري أن يتضامن معه في المحن التي يمر بها ، ولاأخص الورقة الكردية باعتبارها الوحيدة التي تتطلب حلاً عاجلاً لها ، فمسائل كثيرة تحتاج إلى إعادة النظر فيها خصوصاً أن فعاليات كثيرة من الشعب مقصية، وتعيش حالة الفوات التاريخي والموات من خلال وضع الديمقراطية وما يتبعها في غرفة الإنعاش إلى أجل غير مسمى .
لا أعدُّ أن اعتقال الأستاذ آلي طفرة في حالات الاعتقالات على مستوى البلاد ، فقد عرف السجن قبله كثيرون ومن الأطياف كافة ، كانوا زعماء أحزاب وقياديين في الصفوف الأولى ، لكن ربما منذ زمن لم يعرف الطيف الكردي ،ولم يسمع باعتقال شخصية على مستوى الشخص الأول في الحزب الكردي ، لابل أن العديد من الكرد سواء الحزبيين أومن الأوساط غير الحزبية رؤوا النظام يتغاضى النظر عن نشاط، وتحركات القياديين في الأحزاب الكردية ، وأنهم يلاقون الاحترام والتقدير وشرب الشاي والقهوة ، مع ضباط ومحققي الأجهزة الأمنية عندما يُسْتدعون إلى مكاتبهم ، في حين أن القيادات والعناصر الأقل رتبة ومرتبة كانوا يُعاملون بقسوة من ضرب وتهديد بالسجن ، والضغط عليهم من أجل أن “يتعاونوا” معها بوظيفة” مُخْبر” خاصة إذا كانوا موظفي الدولة ، ومازلت أذكر قول أحد القياديين الكرد قبل أن يسجن لأكثر من سنة على خلفية اعتصام أمام مجلس الشعب ، وقبل أن يغادرنا إلى بلاد الاغتراب وهو الأستاذ “مروان عثمان” أنه زجر رفاقه في قيادة الحزب لأنهم لم يتحدثوا له عن مزايا”القيادة ” وعلى وجه الخصوص حين الاستدعاءات ، وكان يذكر هذه الفضائل دائماً .
لكن اعتقال الأستاذ شيخ آلي قد نسف هذه الآلية ، وبعث رسالة قوية وصاعقة إلى مجموع القيادات الكردية سواء منها في الصفوف العليا أو الدنيا أن لا أحد بمنجى عن الاعتقال والسجن والضرب والإهانة ، وهذا في جانب من الجوانب ـ بزعمي ـ  إيجابي لأن الكثير من القيادات الكردية رأت في المنصب الحزبي مزية، ووجاهة، ورتبة اجتماعية ،وتحولت القيادات الكردية إلى رؤساء عشائر وقبائل من خلال مناصبهم ، وصارت القيادة في نظر الكثيرين غاية في حد ذاتها لا وسيلة بها يدافعون عن حقوق شعبهم المهدورة ، وأصبح جلُّ اهتمام هذا القيادي أن يكون حاضراً على موائد الرفاق وأعراسهم وطهور أولادهم ، وصاروا يستغلون مناصبهم لغايات ، ومنافع شخصية ، وتلميع ذواتها من الخارج والتي هي أصلاً هشة وكرتونية مجلبة للشفقة ، وبدلاً من أن يُفكِّر القيادي الكردي بكيفية تطوير أدواته المعرفية ومداركه السياسية ، ويثبت لشعبه أنه أهلٌ لحمْلِ الأمانه التي طُوِّق عنقه بها، صار يفكر بالبارفانات الجديدة ، والبذلات والأطقم الغالية ، وربطات العنق الإيطالية، والفنادق التي تقترب من درجات الخمس النجوم التي سينام فيها وهو في العاصمة من أجل أن يدور بكامل أناقته في بعض المكاتب ” الحزبية” التي كثيراً مالا ترحب به ، وإن فعلت فبحواجب عالية وأنوف حادة ، وبدلاً من أن يفكر ذلك القيادي الكردي بإفساح المجال للمثقفين الكرد للدخول في اللجة الحزبية
نراه ملبوكاً بقراءة منشوره الحزبي الرديء ، وبالطبع لا يقرأ غير ذلك المنشور ليثبت للرفاق أنه وَفِيٌ لمبادئ حزبه” العظيم” ،وإن قناعاته لا تتزعزع حتى لو تزعزع جبل جودي ، ومن هذه البؤرة الضيقة ..

الميتة يتمسك القيادي الكردي بمنصبه، ولا يتركه إلا إذا حضر بين يدي ملاك الموت ، عندئذ يكون قد نصَّب ولي عهده ، وحافظ نعمته لتسري الدماء “الزرقاء” الأبدية في جسد حزبه إلى أن تحين الساعة.
وربما لهذا السبب التافه رأينا كثرة الأحزاب الكردية على مستوى وجود الشعب الكردي في سوريا وتفريخها مابين الفينة والأخرى تحت يافطات مضحكة.
بطبيعة الحال القارئ النبيه لا يستشف من كلامي أنني أضع الجميع في سلة واحدة ، فلدينا إلى جانب ماذكرت قيادات نبيلة بكل معنى الكلمة لكنهم قليلون ، ولاحول لهم .
بعد اعتقال شيخ آلي أرجو أن تفكر قياداتنا الكردية أن لا حصانة لها، وهي معرضة للاعتقال في أية ساعة، وحصانتها هي بقدر ماتقدم لشعبها من جهود وإمكانيات ، والشعب الكردي لا ينسى مآثر أبنائه وتضحياتهم أبداً.
على القيادات الكردية أن تعي ، وتدرك جيداً أن أمامها مهاماً جساماً ، وأن هذه المهام ليست بالسهلة ،وأن المنصب القيادي ليس “بريستيجاً” مكملاً للشخصية بقدر ماهو ثقل كبير،وأمانة غالية على عاتق مَنْ يرى في نفسه الأهلية لخوض النضال من أجل أن ينعم شعبه بحقوقه كاملة غير منقوصة .
أتمنى ألا يغيب الأستاذ شيخ آلي هناك طويلاً ، وأن يعود إلى أهله وشعبه موفور الصحة والكرامة،وأن يعاود نشاطه السلمي و الحضاري ثانية، وأتمنى على القيادات الكردية أن تقرأ ماحصل بعيون عميقة ، ومن لايجد في نفسه الكفاءة فليترك السياسة وشجونها وشؤونها لغيره ، ويعمل أي شيء آخر، ويعطي الخبز للخبازين ..

وما أكثرهم!!!

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…