متى ستنتهي «واجباتنا» القومية !!!! لا نريد قمعاً آخر وعزلة أخرى تحت أي مسمىً آخر ….

  بسام الأحمد

      دأبَ النظام السوري عبر ساسياته العنصرية خلال العقود الماضية على تشتيت أكراد سوريا سياسياً وذلك من خلال توجيه أنظارهم عن قضيتهم الأساسية في سوريا نحو أجزاء أخرى من كردستان، مما حال دون تشكّل وتبلور رؤية سياسية  واضحة المعالم لدى الأكراد السوريين فيما يخص قضيّتهم في سوريا والتي تُعتبر جزءاً لا يتجزأ من قضية الديمقراطية في سوريا ككل.

ولا نفشي سراً إذا قلنا أن النظام السوري كان يغض النظر عن نشاطات أحزاب كردية و كردستانية عديدة في سورية رأت في أهدافها “الكردستانية” مُسلمات لاتقبل جدالاً ولا نقاشاً، ولربما هذه المُسلمة تساعدنا في تفسير قمع كل صوت لا يتماشى وأهداف هذه القوى القومية العديدة المختلفة أصلاً في الساحة الواحدة على شكل ومضمون الحقوق الكردية بشكل عام وحقوق الأكراد في سوريا بشكل خاص.
     بطبيعة الحال و كنتيجة طبيعية لهذا الوضع أفرزت هذه الحالة نوعاً من ((الإنعزال السياسي)) والإجتماعي – إذا صحّ التعبير – لدى أكراد سوريا، و ظهرت إلى العلن العديد من الأحزاب والقوى السياسية المنقسمة على نفسها، تدّعي كلّ منها  – ولو بشكل متفاوت – حصرية التمثيل الحقيقي للمطالب الكردية في سوريا وتعمل كلها في دائرة جغرافية وسياسية محدودة مبتعدة آلاف الأميال عن المعاناة الحقيقية للشعب الكردي في سوريا، واستمرت هذه الحالة المأساوية الكردية إلى فترة ليست ببعيدة، حتى لاحت في الأفق عبق رائحة أزهار “ربيع دمشق” الذي مهّد أرضية خصبة لنشوء ((إعلان دمشق للتغير الوطني الديمقراطي)) في العام 2005، حيث أنهت بعض القوى الكردية عزلتها السياسية نسبياً، كما و يسجّل لإعلان دمشق أيضاً كسر جدار العزلة بين مختلف مكونات القوى المعارضة في سوريا على اختلاف توجهاتها.

        ثمّ  بدأ ((الربيع العربي)) انطلاقاً من تونس مؤذّناً ببداية حقبة جديدة تحاكي إلى حدّ ما مرحلة النهضة العربية أو اليقظة العربية كما اصطلح على تسميتها آنذاك حيث رُفع شعار (حب الوطن من الإيمان) وذكر تعريف للإستبداد كداءٍ إلى جانب ذكر الدواء الذي تمثّل في ((استرداد الحرية))، حيث كانت عيون السوريين شاخصة حول ما يجري في تونس ومصر وبلدان عربية أخرى، متمنين في الوقت نفسه قدوم الربيع تزامناً مع (الربيع)، بينما كان النظام السوري يرتعد خوفاً يقيناً منه بتشابه نظامه والأنظمة العربية المستبدّة، ثم سرعان ما بدأ الربيع السوري بتفتح (أزهار درعا)، حتى تحوّل إلى ثورة عارمة  امتدت على طول البلاد وعرضها، حيث نجحت الثورة السورية في إظهار الوجه الوطني للحراك الشعبي السوري عامة والحراك الكردي الشبابي بشكل خاص والذي كان متعذراً على الحركة الكردية التقليدية قيادته، حيث وجدت نفسها رغم “خبرتها” السياسية عاجزة عن فكفكة رموز الثورة السورية والحراك الشبابي وأصبحت تضرب ((خبط عشواء)) وتحاول التملص من واجباتها الوطنية والأخلاقية في قيادة الحراك وتوجيهه.

واستمر هذا الوضع إلى حين تشكيل المجلس الوطني الكردي بعد أكثر من ((سبعة أشهر)) على اندلاع الثورة، حيث استبشر الأكراد خيراً بالرغم تأخرّه كثيراً إلا إنهم رأوا في هذه الخطوة “الوحدوية” رسائل إيجابية نظراً لأن موضوع توحيد الحركة الكردية يشكل مسألة مهمة وحساسة بالنسبة لأكراد سوريا، ولو أن البرنامج السياسي اشتمل على الكثير من الضبابية والمسائل المتناقضة إلا أن الشكل طغى على الموضوع آنذاك.
وإلى جانب المجلس الوطني الكردي برزت  قوى سياسية كردية وكردستانية أخرى “رَكبت” الموجة القومية التي تنامت في المناطق الكردية بإطراد، وساعد على ذلك -التنامي- بعض المواقف السلبية من قبل بعض المعارضين للنظام السوري وتوظيف تلك المواقف السلبية من أجل العزف على الوتر القومي أكثر فأكثر، حتى لوحظ إنشغال “المعارضة” الكردية بالمعارضة السورية ومواقفها أكثر من انشغالها بالنظام ؟؟ وربما هذا يساعدنا في إيجاد  تفسيرات لانسحاب الكتلة الكردية “انسحاباً نهائياً” من مؤتمر القاهرة في مصر مؤخراَ، حيث شكّل هذا الانسحاب  نقطة مفصلية في تاريخ العلاقة بين الكتلة الكردية والمعارضة السورية من جهة وبين الكتلة الكردية ونشطاء الحراك الشبابي والرأي العام الكردي من جهة أخرى، و أعاد إلى الأذهان الحقبة الإنعزالية الكردية في سوريا التي كان للنظام دور كبير فيها والتي عانى منها الأكراد قبل غيرهم ، والسبب الذي يدفعنا في توصيف هذه النقطة بالمفصلية أنّه لوحظ تخفّي بعض الأطراف الكردية المنسحبة وراء المطالب “المصيرية القومية” لأكراد سوريا، ومحاولة إظهار المعارضة السورية على أنّها نسخة طبق الأصل عن نظام بشار الأسد، وشتان ما بين الأسد والمعارضة السورية، وهذا ليس دفاعاً عن المعارضة ولكن شكل ومضمون الإنسحاب الكردي أثار العديد من التساؤلات التي برزت إلى الواجهة مجدداً والتي اتخذتها بعض القوى الكردية كذريعة لقمع أي صوت كردي وطني مخالف لا يتماشى مع منظورهم القومي للقضية الكردية في سورية.
    إنّ هذه المواقف “القومية المتصلبة” ومحاولات الترهيب والتشهير بالأصوات الوطنية الكردية السورية التي تؤمن بسوريا ((جمهورية سورية)) ديمقراطية علمانية، دولة الحق والقانون والمواطنة المتساوية  لجميع مواطنيها في الحقوق والواجبات، وإيجاد حل عادل للقضية الكردية في سوريا موحدة أرضاً وشعباً وحل القضية الكردية حلاً نهائياً ، لن تؤدي إلا إلى تعقيد القضية الكردية في سوريا المعقدة أصلاً ولن تزيدنا إلا عزلة عن محيطنا الوطني السوري ولن تخدم إلا هذا النظام الجاثم على صدور السوريين منذ عقود طويلة، ولن تفضي إلا إلى سرقة دور الكرد في المرحلة الإنتقالية القادمة وفي رسم شكل سوريا المسقبل لاحقاً والتي تتشكل ملامحها الآن وخاصة في هذه المرحلة الحساسة والدقيقة من عمر الثورة السورية المجيدة ومنطقة الشرق الأوسط .

كاتب كردي و ناشط سياسي *

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…

إبراهيم اليوسف إنَّ إشكالية العقل الأحادي تكمن في تجزئته للحقائق، وتعامله بانتقائية تخدم مصالحه الضيقة، متجاهلاً التعقيدات التي تصوغ واقع الشعوب. هذه الإشكالية تطفو على السطح بجلاء في الموقف من الكرد، حيث يُطلب من الكرد السوريين إدانة حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) وكأنهم هم من جاؤوا به، أو أنهم هم من تبنوه بإجماع مطلق. الحقيقة أن “ب ك ك”…

شيروان شاهين سوريا، الدولة ذات ال 104 أعوام البلد الذي كان يومًا حلمًا للفكر العلماني والليبرالي، أصبح اليوم ملعبًا للمحتلين من كل حدب وصوب، من إيران إلى تركيا، مرورًا بكل تنظيم إرهابي يمكن أن يخطر على البال. فبشار الأسد، الذي صدع رؤوسنا بعروبته الزائفة، لم يكتفِ بتحويل بلاده إلى جسر عبور للنفوذ الإيراني، بل سلمها بكل طيبة خاطر…